بات نحو أربعة ملايين مدني في شمال غربي سورية مهددين بخطر الحصار، في حال واصلت قوات النظام السوري تقدّمها باتجاه معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، مع نجاحها بالسيطرة على المزيد من المواقع، أمس الجمعة، في وقت تتزايد فيه التساؤلات حول جدية التهديد التركي باستهداف قوات النظام، في حال استمرار خرقها لاتفاق سوتشي وتوغلها في منطقة خفض التصعيد، خصوصاً أنه يبدو أن أنقرة ما زالت تنتظر نتائج اجتماعات ستعقد مع مسؤولين روس، أبرزها بين وزيري الخارجية، غداً الأحد، للتفاهم حول مصير المنطقة.
وواصلت قوات النظام ومليشيات تساندها، تقدّمها في ريف حلب الغربي، مسيطرةً على العديد من النقاط، في مناطق تفصل بين ريف حلب من الجهة الغربية، وريف إدلب من الجهة الشمالية الشرقية، وتُعتبر على مشارف الطريق المؤدي بقوات النظام نحو معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وأهم المعابر بين سورية وتركيا، والذي روّج النظام عبر وسائل إعلامه في اليومين الماضيين لأهمية السيطرة عليه، والنيّة المؤكدة في تحقيق ذلك. وأسقطت الفصائل المسلحة بصاروخ موجه، أمس الجمعة، مروحية لقوات النظام كانت تقصف مناطق في ريف حلب الغربي. وبث ناشطون مشاهد مصورة للحظة إصابة المروحية وسقوطها، فيما تحدث مصدر تابع للنظام عن مقتل طاقمها، المؤلف من شخصين. وكان قد تم إسقاط مروحية للنظام في بلدة النيرب، شرق إدلب، الثلاثاء الماضي، بعد استهدافها بصاروخ حراري.
ويطرح وجود عشرة آلاف جندي لتركيا في إدلب، بحسب ما ذكرت صحيفة "يني شفق"، بالإضافة لمئات الدبابات والراجمات والعربات العسكرية، العديد من التساؤلات حول الدور الذي ستلعبه هذه القوات، إن لم يكن من ضمن مهامها إيقاف تقدّم قوات النظام، في ظل التهديدات التركية بإعادتها إلى ما وراء نقاط المراقبة في منطقة خفض التصعيد، التي تضم كامل إدلب، وأجزاء من أرياف حماة الشمالي، وحلب الغربي والجنوبي، واللاذقية الشرقي.
وقال مراسل "العربي الجديد" إن قوات النظام سيطرت على "الفوج 46" وريف المهندسين الثاني ودوار الصومعة وقرية أورم الصغرى في ريف حلب الغربي، وذلك بعد معارك عنيفة مع فصائل المعارضة في المنطقة، لتصبح على بعد كيلومترات قليلة من مدينة الأتارب، التي تتعرض، منذ فجر أمس الجمعة، لعمليات قصف جوي ومدفعي عنيف للغاية، مع سعي قوات النظام للوصول إلى منطقة الشيخ عقيل في ريف حلب الغربي، ومحاصرة النقطة التركية في تلك المنطقة، وبذلك تستطيع أيضاً أن تطبق الحصار على مقاتلي الفصائل في جبهات الصحفيين وخان العسل والبحوث العلمية والليرمون بريف حلب الغربي.
وقتل وأصيب عدد من المدنيين، بينهم أطفال، جراء القصف الجوي والمدفعي الذي استهدف قرية قبتان الجبل بالقرب من النقطة التركية، وبلدة الشيخ عقيل بريف حلب الغربي، فيما قالت مصادر من المعارضة إن نقاط المراقبة التركية وقوات النظام والمليشيات المدعومة من إيران، تبادلت قصفاً بالمدفعية الثقيلة في محور العمليات العسكرية في غربي حلب. من جهتها، ذكرت "الجبهة الوطنية للتحرير" أن مقاتليها دمروا عربة "بي إم بي" ورشاش "23 مم" لقوات النظام والمليشيات المساندة له على محور "الفوج 46"، غرب حلب، إثر استهدافهما بصواريخ موجهة. كما قصفت الفصائل مواقع لقوات النظام في قرى الشيخ علي وكفر حلب وميزناز بصواريخ "غراد" وقذائف المدفعية، ما أوقع جرحى في صفوفها. وأعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس الجمعة، "تحييد" 63 عنصراً من قوات النظام، حسب آخر المعلومات الواردة من عدة مصادر في إدلب، بحسب وكالة "الأناضول". لكن "مركز المصالحة بين الأطراف المتحاربة في سورية" التابع لقاعدة حميميم، نفى، في بيان، أمس الجمعة، معطيات تركيا عن وقوع خسائر في صفوف قوات النظام في إدلب. ولفت المركز "الانتباه إلى ضرورة وجود مسؤولية لدى وزارة الدفاع التركية عند تقديم معلومات كاذبة لقيادة البلاد حول الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب، لأن مثل هذه التصريحات غير المسؤولة لا تساهم إلا في تصعيد الوضع واعتماد قرارات متسرعة لا تلبي المصالح المشتركة لروسيا وتركيا".
وبتمهيد قوات النظام الناري المكثف على الأتارب، آخر المدن التابعة لحلب من الجهة الغربية المحاذية لريف إدلب الشمالي الشرقي، فإن قوات النظام يبدو أنها باتت عازمة على السيطرة على القرية والتقدّم أكثر نحو معبر باب الهوى الحدودي بين سورية وتركيا. وكانت صحيفة "الوطن"، الموالية للنظام، قد نقلت في عددها الصادر الخميس، عن مصدر عسكري من قوات النظام قوله إن "الجيش السوري بات على بعد مئات الأمتار من مفترق طرق، إما بالتوجه إلى بلدة الأتارب ذات الموقع الاستراتيجي على مقربة من باب الهوى، أو السير نحو بلدتي أورم الصغرى وأورم الكبرى ثم بلدة كفرناها على الطريق القديم الذي يصل حلب بإدلب، وصولاً إلى بلدة خان العسل". ويبدو أن قوات النظام اختارت المتابعة في كلا الطريقين بشكل متوازٍ بعد السيطرة على بلدة أورم الصغرى شرقاً من مفترق الطريق، و"الفوج 46" في الطريق إلى الأتارب، إلى الغرب منه.
ويخشى نحو أربعة ملايين مدني من خطر الحصار، في حال وصلت قوات النظام فعلاً إلى معبر باب الهوى، ما يعني فصل الجزء التابع لريف حلب الغربي من منطقة خفض التصعيد عن إدلب وريفها، التي بات الأهالي فيها يدقون ناقوس الخطر من حصارهم إثر التقدم السريع لقوات النظام، وسط مقاومة محدودة من قبل الفصائل المقاتلة. كل ذلك يجري، ولا يزال الجيش التركي يرسل مزيداً من التعزيزات نحو إدلب ومنطقة خفض التصعيد. وأفاد مراسل "العربي الجديد" في إدلب بأن رتلين ضخمين دخلا من نقطة كفرلوسين الحدودية، ليل وصباح الجمعة، قوام كل منهما مئة آلية عسكرية، من بينها دبابات ومدرعات وراجمات صواريخ، فيما ذكرت وكالة "الأناضول" التركية أن تعزيزات، مكونة من قوات "كوماندوس" (القوات الخاصة)، وصلت إلى نقاط مراقبة في إدلب، تتضمن أيضاً مركبات عسكرية مشوشة للإشارات، وسيارات إسعاف عسكرية مصفحة. وقال ناشطون إن أحد الرتلين عبر بالقرب من مدينة أريحا باتجاه جبل الزاوية، لتثبيت نقطة قرب قرية دير سنبل، على تخوم معرة النعمان، كبرى مدن جنوب إدلب، والتي كانت قد سيطرت عليها قوات النظام نهاية الشهر الماضي، ما يشير إلى إمكانية شمول المدينة بالعمل العسكري، في حال تنفيذه من قبل الأتراك. إلا أن محيط مرور الرتل التركي قرب مدينة أريحا تعرض للقصف من قبل سلاح الجو الروسي، ما أجبره على التراجع من الطريق ذاته الذي سلكه باتجاه عمق المحافظة.
وعلى الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمته الأربعاء الماضي، التي حدد فيها ما ستتخذه أنقرة من إجراءات إزاء التصعيد بين قواته وقوات النظام في إدلب، أشار إلى أن بلاده "لن تنتظر نتائج الاجتماعات التي لا تنتهي" حول إدلب، مجدداً إصرار تركيا على خروج النظام إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية مع نهاية فبراير/ شباط الحالي، إلا أن أنقرة، على ما يبدو، ستنتظر لقاء وزير خارجيتها مولود جاووش أوغلو بنظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي سينعقد يوم غد الأحد في ميونخ، على هامش مؤتمر أمني تستضيفه المدينة الألمانية، فيما سينتظر المدنيون في إدلب اجتماعاً هو الثالث من نوعه على مستوى الأمنيين والدبلوماسيين من الروس والأتراك، منذ تصاعد الأزمة بداية الشهر الحالي، بعد فشل اجتماعيين سابقين في أنقرة، لمحاولة صوغ مقاربة جديدة حول إدلب. وتصر تركيا على انسحاب قوات النظام إلى الحدود الجغرافية لاتفاق سوتشي، الموقّع بين بوتين وأردوغان، وسط تعنت روسي باستمرار العمليات في منطقة خفض التصعيد، في سبيل "تطهيرها من الإرهاب" وفتح الطريقين الدوليين، "إم 4" و"إم 5". وتتهم موسكو أنقرة بعدم الإيفاء بالتزاماتها حول الاتفاق، من خلال التباطؤ بفتح الطريقين، والتعامل مع ملف "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) لجهة إنهائه، وتلك جزئية كان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد لمّح إلى إمكانية حلها، في تصريحات، أمس الأول الخميس، حيث أشار إلى أن بلاده "ستتخذ كافة التدابير اللازمة لإرغام الأطراف غير الممتثلة لوقف إطلاق النار في إدلب على الالتزام به، بما في ذلك الجماعات الراديكالية". وكان رئيسا الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، والتركي ياشار غولر، قد بحثا خلال اتصال هاتفي، مساء الخميس الماضي، التطورات المتعلقة بإدلب، من دون أن تفصح وسائل إعلام تركية أو روسية عن تفاصيل المكالمة وما دار فيها.
وحول تقدّم قوات النظام باتجاه المعبر ومناطق محاذية لتركيا، فإن المحلل السياسي والصحافي التركي هشام غوناي رأى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الأتراك تقبّلوا فكرة أن يكون النظام مسيطراً على مناطق حدودية مع تركيا، وهذا ما تم لمسه مراراً من خلال تصريحات الرئيس التركي بأنه يحبذ أن يكون النظام هناك عوضاً عن التنظيمات "الإرهابية"، ولا سيما الكردية منها. وأضاف "لمسنا ذلك أيضاً من خلال اتفاقية مناطق خفض التصعيد الأربع، التي لم تعد موجودة بغالبها، وسط تساؤل عن الدور والالتزام التركي حيالها، والضمان التركي حيال أهالي الغوطة وحمص ودرعا، والتي باتت اليوم تقبع تحت سيطرة النظام. لذلك أعتقد أن اتفاقيات أستانة وسوتشي تتضمن بنوداً غير معلنة، لكنها تطبّق على أرض الواقع، بفرض النظام سيطرته على هذه المناطق تدريجياً". وتابع "اليوم وصلنا إلى آخر المناطق، والهجوم الذي شنّه النظام على القوات التركية في إدلب لم يكن متوقعاً من قبل الأتراك، وأُجبرت الحكومة على أن تطلق تصريحات نارية باتجاه النظام".
وقلل غوناي من احتمال المواجهة العسكرية بين تركيا والنظام مع انتهاء المهلة التي حددتها أنقرة، نهاية فبراير الحالي. وقال "هو احتمال ضئيل جداً، فالوضع في إدلب يختلف عن شمال شرق سورية، فهناك كان المبرر أمام الرأي العام التركي بأن العمليات موجهة ضد مجموعات انفصالية كردية تهدد الأمن القومي التركي بإنشاء كيان انفصالي على الحدود، وهذا الموضوع يقلق الرأي العام التركي. أما في إدلب فالوضع مختلف تماماً، وهي ليست كباقي المناطق ويقطنها عرب سنّة، لذلك لا أعتقد أن الرأي العام التركي سيقدم الدعم الذي قدمه للحكومة في شمال شرق سورية، لأنه لا تنظيمات انفصالية في إدلب".
وحول فرضية انتظار أردوغان دعماً جدياً وفعلياً من الغرب وحلف شمال الأطلسي لبدء تحرك عسكري ضد النظام، أشار المحلل التركي إلى أن "الغرب والأطلسي يسعون لحلحلة الأمور وليس خلق مواجهة جديدة في المنطقة، خشية تدفق موجات نزوح جديدة، التي من الممكن أن تنجم عن أي مواجهة عسكرية على الأرض. لذلك هم يتجنبون أي تصريح بتوجيه دعم مباشر. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فهي موجودة على أرض سورية، وتحاول استغلال موضوع قصف النقاط التركية من قبل النظام لكي تدفع تركيا إلى مواجهة عسكرية مع النظام، تبعدها عن الحلف مع روسيا، وإعادتها إلى المعسكر الغربي والتحالف معها من جديد".