لا تقتصر المشاكل الأمنية في أفريقيا على شرق القارة فحسب، على وقع الاعتداءات المتلاحقة لـ"حركة الشباب" الصومالية، بين الصومال وكينيا، مكرّسة منطقة نزاع قائمة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وسقوط النظام في مقديشو، بل أن التطورات الأخيرة في منطقة الساحل، في غرب القارة الأفريقية عموماً، وفي مالي وبوركينا فاسو خصوصاً، لا تشي بقرب انتهاء العمليات العسكرية فيها، على الرغم من المحاولات الأمنية الفرنسية. وإذا كانت الدول التي تقود المواجهة ضد المتشددين في الشرق الأفريقي مثل كينيا والصومال مدعومة من قوات الاتحاد الأفريقي أكثر خبرة من نظيراتها في الغرب، لناحية التعامل مع "حركة الشباب"، فإن دول الغرب الأفريقي لا تملك القدرات المناسبة للمواجهة رغم الدعم الفرنسي، ما ينذر بتوسّع أفق اعتداءات المسلّحين. ويضع هذا الأمر استقرار الغرب الأفريقي فضلاً عن احتمال تدفق المهاجرين الأفارقة إلى فرنسا، باريس في وضعٍ لا تُحسد عليه.
حتى إن برلمان بوركينا فاسو تبنّى بالإجماع قانوناً يسمح بتجنيد متطوعين محليين لـ"محاربة الإرهابيين"، على أن يحمل هؤلاء المجندون "أسلحة خفيفة". وقال وزير الدفاع مومينا شريف سي، إن "البرلمان صدّق على قانون تسليح المتطوعين للدفاع عن الوطن"، مشيراً إلى أنه لم يمتنع أحد الأعضاء عن التصويت، ولا التصويت ضده. ونقل راديو "أفريقيا 1" عن الوزير قوله إن التصديق على هذا القانون يترجم وحدة شعب بوركينا فاسو في ما يتعلق بالدفاع عن الوطن. وتُظهر خطوة السلطات في واغادوغو حجم المخاطر التي تعاني منها البلاد، لدرجة تسليح المواطنين، على الرغم مما تحمله من مخاطر مستقبيلة على صعيد استقرار البلاد مع السماح بإنشاء مليشيات مدنية.
في الأسبوعين الأخيرين ارتفعت وتيرة الاعتداءات، فقد شهدت بوركينا فاسو مجزرة في سوق قرية سيلغادجي، شمالي البلاد، تم خلالها "إعدام" رجال بعد فصلهم عن النساء، وفق ما أشارت مصادر محلية يوم الثلاثاء الماضي. وأكدت السلطات مقتل 39 شخصاً، وأفادت بأن الاعتداء استهدف سيلغادجي، الواقعة في إقليم سوم، في شمال بوركينا فاسو، وهو الإقليم الذي تنشط فيه جماعات مرتبطة بـ"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب". وكشف مسؤول محلي في بورزانغا، أيضاً في شمالي بوركينا فاسو، نقلاً عن سكان من البلدة أن "الإرهابيين طوّقوا السكان في السوق قبل فصلهم إلى مجموعتين". وأضاف "أُعدم الرجال وطُلب من النساء مغادرة القرية". ووفق السكان: "خرب هؤلاء شبكات الهاتف". وتأتي هذه المجزرة بعد أقل من أسبوع على هجوم استهدف قريتي نغراوغو وألامو الواقعتين جنوب محافظة سانمتنغا، أطلق خلاله المهاجمون النار في سوق، ما أدى إلى مقتل 36 شخصاً جميعهم مدنيون.
وأدت هجمات المتشددين في بوركينا فاسو، إلى سقوط حوالي 800 قتيل منذ 2015. وعجزت القوات الأمنية، التي تعاني من سوء التسليح والتدريب، عن وقف دوامة العنف على الرغم من دعم القوات الأجنبية، خصوصاً الفرنسية، التي خصصت 4500 فرد في إطار عملية "برخان" لمكافحة المتشددين في منطقة الساحل. وقد سقط في مالي والنيجر وبوركينا فاسو نحو 4 آلاف قتيل في العام الماضي وحده، وفق أرقام الأمم المتحدة، بسبب الاعتداءات. وفجّرت الهجمات أزمة إنسانية تتفاقم بوتيرة هي الأسرع في العالم، إذ إنه في فبراير/شباط 2019 كان يوجد 60 ألف نازح في بوركينا فاسو، ومن المفترض أن عددهم تزايد منذ ذلك الحين ليبلغ 600 ألف. وقال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند، أثناء زيارته لمدينة بارسلوغو الصغيرة شمال بوركينا فاسو، إن "الناس خائفون". وقدّر ايغلاند، الذي شغل سابقاً منصب الأمين العام المساعد المكلف بالشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إنه "ينتظر أن يبلغ الرقم 900 ألف شخص بحلول شهر إبريل/نيسان من هذا العام، مع إجبار العائلات على مغادرة منازلها".
وفي ظلّ وتيرة العنف المتصاعدة تبدو فرنسا شبه وحيدة في المعركة، بعد أن وضع الرئيس إيمانويل ماكرون ثقله في عملية الساحل، معتبراً أنها امتداد للأمن الفرنسي، حتى أنه يمضي عيد الميلاد كل عام في تلك المنطقة من أفريقيا، كما فعل في النيجر عام 2017 وتشاد عام 2018، وساحل العاج في العام الماضي 2019. مع العلم أن ماكرون تفرّغ لملف الساحل الأفريقي في الفترة الأخيرة مع عقده اجتماعاً في منطقة بو، في جنوبي غرب فرنسا لهذا الصدد الشهر الماضي، وحضره رؤساء دول مجموعة الساحل الخمس، التشادي إدريس ديبي، والنيجري محمد إيسوفو، والبوركيني روك مارك كابوريه، والمالي ابراهيم بو بكر كيتا، والموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
ومع أن الولايات المتحدة تسعى إلى تقليص وجودها العسكري في أفريقيا والتركيز على الصين وروسيا، إلا أنها دعت الأوروبيين إلى مساعدة فرنسا في منطقة الساحل. وقال قائد القيادة العسكريّة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال ستيفن تاونسند رداً على أسئلة بشأن مشاريع وزارة الدفاع (البنتاغون)، طرحها عليه أعضاء في الكونغرس، إنّه "يتوجّب على الأوروبيين أن يُواجهوا التحدي وأن يفعلوا المزيد في الساحل، لمساعدة فرنسا". وأشار خلال إدلائه بشهادته أمام لجنة القوّات المسلّحة في مجلس الشيوخ إلى أن الأعمال الإرهابية في منطقة الساحل تتصاعد باستمرار. وقال إنَّ تزويد الطائرات الفرنسيّة بالوقود جواً، وعمليات النقل اللوجستي، هي قطاعات يُمكن أن تحلّ فيها الدول الأوروبية مكان الولايات المتحدة في منطقة الساحل. وكانت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي توّجهت إلى واشنطن هذا الأسبوع في محاولة منها لإقناع الولايات المتحدة بمواصلة دعمها لجهود باريس ضد المتشددين في الساحل، من دون أن تتلقّى ضمانات، إذ اكتفى نظيرها الأميركي مارك إسبر بالإشارة إلى أن "المحادثات في هذا الملف ستستمرّ".