ويأتي كلّ هذا في وقت صادق البرلمان الإيراني على مشروع قانون مستعجل يعتبر الجيش الأميركي "إرهابياً"، ويعزز قدرات "فيلق القدس".
وهتف المشيعون بشعارات مناهضة للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وحرقوا أعلامهما، وسط دعوات مكثفة للانتقام والثأر لدماء سليماني ورفاقه.
وخاطب سلامي المشيعين رداً على دعواتهم للانتقام، ليقول: "كونوا مطمئنين، سننتقم من العدو انتقاماً حازماً ومزلزلاً وفاصلاً يبعث على الندم".
ولمّح سلامي إلى ضرب إسرائيل من خلال القول: "نقول لهم إننا سننتقم، لكن إذا ردوا سنحرق ذلك المكان الذي يحبونه ويعشقونه"، مشيراً إلى أن واشنطن تعرف "ماذا نقصد وما هو هذا المكان".
وأكد أن سليماني بعد اغتياله "أقوى من سليماني عندما كان حياً"، مشدداً على أن "المنطقة لم تعد آمنة للأميركيين ولا مكان آمناً لهم"، معتبراً أن اغتيال سليماني يمثل "بداية النهاية لوجودها في المنطقة".
13 سيناريو للردّ؟
وفي أحدث تصريحات له، كشف أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، تفاصيل عن طبيعة الردّ الإيراني، من دون الإشارة إلى موعد التنفيذ، قائلاً: "ناقشنا في المجلس 13 سيناريو للانتقام من أميركا"، مع التأكيد أنه "حتى إذا تم تبني أضعف السيناريوهات، فتنفيذه سيشكل كابوساً تاريخياً لأميركا".
وفيما أشار شمخاني إلى أنه لا يستطيع "الكشف عن المزيد من المعلومات"، إلا أنه قال: "نطمئن شعبنا بأن الانتقام لن يكون في إطار عملية واحدة"، لافتاً إلى أنه "ما كان ينبغي أن تنفذ أميركا هذه الجريمة، واليوم بعد تنفيذها، عليها تحمل تبعاتها كافة".
وفي الوقت ذاته، أضاف شمخاني، في حوار مع مجلة "حرم" التابعة للسدانة الرضوية بمشهد، أن عملية اتخاذ القرار بالرد على اغتيال سليماني تبنى على "ملاحظات أمنية ودولية"، مشيراً إلى وجود قواعد عسكرية أميركية بالمنطقة، قائلاً إن "هناك 19 قاعدة أميركية بالقرب من حدودنا الشرقية والغربية، و8 على حدودنا الشمالية والجنوبية".
وأوضح الأميرال شمخاني أن "كلّ هذه القواعد تعيش حالة تأهب، ونحن على اطلاع تام بعدد القوات والمعدات الموجودة فيها"، مشدداً على أن بلاده ترصد "بدقة أصغر تحركات القواعد الأميركية على حدودها".
وكشف عن أن ردّ بلاده سيكون من خلال إطلاق صواريخ، ما يعني أنها تنوي القيام بردّ مباشر، حيث قال إن "أميركا تعرف أن ردنا على الأغلب سيكون من خلال صواريخ متوسطة المدى وبعيدة المدى".
وفي السياق، قال إن "ردنا من خلال هذه الصواريخ يهدّد الدوريات الأميركية المتفرقة في المنطقة أكثر من غيرها"، مضيفاً أن القوات الأميركية "غيرت تكتيكها" في المنطقة، "وقلّلت عدد الدوريات، والقوات تتمركز في القواعد خوفاً من الرد الإيراني".
كما كشف عن أن الرد الإيراني سيطاول في المرحلة الأولى القوات الأميركية المنتشرة خارج القواعد الأميركية، وذلك من خلال القول إن "إن ردنا سيكون ضد القوات الأميركية في المنطقة، وإذا تمترست هذه القوات في القواعد سندمرها".
وتعليقاً على تهديدات ترامب، قال أمين مجلس الأمن القومي الإيراني: "لا نهاب التهديدات الأميركية، ونحن اليوم نتحدث عن تهديداتنا وندرس السيناريوهات للقيام بردّ مزلزل".
ولاحقاً، وبعدما نشرت وكالات الأنباء الرئيسة في البلاد، منها "تسنيم" و"فارس"، تصريحات شمخاني، نفى مجلس الأمن القومي الإيراني في بيان، صحة هذه التصريحات، معلناً أن شمخاني لم يجرِ مقابلة مع الوسيلة الإعلامية المحلية التي نشرت المقابلة.
وأكد البيان أن هذه المقابلة لا تعود لشمخاني، وهي منسوبة إليه، مشيراً إلى أن المجلس سيلاحق المجلة التي نشرتها.
قانون برلماني
ورداً على اغتيال سليماني، ناقش مجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان)، اليوم الثلاثاء، مشروع قانون مستعجل ضد الولايات المتحدة الأميركية، وسط صيحات "الموت لأميركا والموت لإسرائيل" للمشرعين الإيرانيين، ليصادق عليه فوراً بأغلبية كبيرة، لتعتبر بموجبه إيران من اليوم فصاعداً، الجيش الأميركي، "إرهابياً".
وفي هذا السياق، أكد رئيس البرلمان علي لاريجاني، أنه بعد قيام واشنطن باغتيال سليماني، و"تبني ترامب مسؤولية ذلك، وإقرار البنتاغون بأنه نفذ العملية، سنعتبر جميع أعضاء الجيش (الأميركي) والشركات والمؤسسات التابعة له، والقادة والآمرين، والمنفذين لاستشهاد الجنرال سليماني، قوات إرهابية".
أما بنود القانون فتتجاوز ذلك إلى تعزيز قدرات "فيلق القدس"، ليخصص البرلمان 200 مليون يورو إضافية لهذه القوات للشهرين المتبقيين من العام الإيراني الحالي، الذي سينتهي في 20 مارس/آذار المقبل.
وقال لاريجاني إن هذه الميزانية هي لـ"فيلق القدس"، الذي "يتولى مسؤولية المقاومة في المنطقة"، مضيفاً أن المبلغ تم سحبه من صندوق التنمية الوطنية بإذن من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.
ودعا لاريجاني الرئيس الأميركي إلى "فهم رسالة الحشود المليونية" التي شيعت سليماني، مخاطباً إياه بالقول "منطقكم تسبّب بطردكم من المنطقة، فلا تقاوموا ولا تحمّلوا الشعب الأميركي تكاليف إضافية".
وانتقد لاريجاني تهديدات ترامب بضرب مواقع ثقافية إيرانية، معتبراً أنها "تصريحات ساذجة"، وتساءل: "هل من خلال ذلك ستنتهي الحضارة الإيرانية؟". كما أكد في الوقت ذاته، أن ردّ بلاده على واشنطن "جديّ وقادم".
يشار إلى أن مجلس صيانة الدستور الإيراني، المنوط به المصادقة النهائية على تشريعات البرلمان، قد أيّد سريعاً مشروع القانون ضد أميركا ليتحول إلى قانون نافذ وملزم.
ظريف: "لن نستعجل" في الردّ على واشنطن
على صعيد متصل، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في كلمة له أمام منتدى "حوار طهران"، إن المنطقة "تعيش أحلك ظروفها"، موضحاً أن الهدف من انعقاد المنتدى بدورته الثانية "هو تبادل الآراء لإخراج المنطقة من مسلسل العدوان والتطرف والعنف".
وفي مستهل كلمته، أشار ظريف إلى حادث اغتيال سليماني، قائلاً إن "أميركا باغتيالها واحداً من أرفع القادة العسكريين الإيرانيين فتحت الباب لأساليب ستطاولها آجلاً أم عاجلاً في شرق العالم وغربه".
وأضاف ظريف أن واشنطن "أثبتت مرة أخرى أنها لا تلتزم بأي تعهد ولا تحترم القواعد الدولية الآمرة"، معتبراً اغتيال سليماني ونائب رئيس "الحشد الشعبي"، أبو مهدي المهندس، "هجوماً على السيادة الوطنية العراقية، واستهدافاً لأحد أركان تأمين الأمن في هذه الجغرافيا التي تشهد مؤامرات متعددة".
وأكد ظريف أن الرئيس الأميركي ارتكب "خطأ استراتيجياً كبيراً"، عازياً ذلك إلى "غروره وتكبره"، معتبراً أن "أهم مشكلة تواجهها المنطقة هي سوء الفهم وسوء الحسابات"، مع تأكيده أنها "أثرت على المعادلات الإقليمية بشكل عميق".
ودعا ظريف دول المنطقة إلى التكاتف والتعاون بينها، معتبراً ذلك "السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الأمني"، مشيراً في هذا السياق، إلى مشروع "هرمز للسلام"، الذي قدمته بلاده خلال سبتمبر/أيلول الماضي، لتأمين أمن الملاحة في المنطقة.
ودعا ظريف دول المنطقة إلى "إنهاء سياسة إقصاء الآخر وخلق العداء على أساس وهم شراء الأمن والازدهار من الخارج"، معتبراً أن هذه السياسة "لم تكن لها أي نتيجة سوى الحرب والدمار والفوضى".
وعلى هامش المنتدى، قال ظريف لوسائل الإعلام إن بلاده "سترد حتماً على الجريمة الوحشية التي ارتكبتها أميركا"، مضيفا أن خروج القوات الأميركية من المنطقة "بداية الطريق".
وأكد ظريف أن طهران "لن تستعجل" في الردّ على واشنطن، مشيراً إلى أنها ستقرر "الزمان وطبيعة الرد".
ويستضيف مركز "الدراسات السياسية والدولية"، التابع للخارجية الإيرانية، منتدى "حوار طهران: المؤتمر الدولي الثالث والعشرون بشأن الخليج"، اليوم الثلاثاء، بمشاركة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، والرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي، وعدد من المفكرين والمسؤولين من دول أخرى.
وتستمرّ أعمال المنتدى ليوم واحد، تناقش مبادرة "السلام في هرمز"، التي طرحها الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال سبتمبر/ أيلول الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكانت الخارجية الإيرانية قد اعتبرت أنّ هذا المنتدى يشكل "فرصة جيدة لدراسة مشروع السلام في هرمز، ومختلف أبعاده عن قرب".