مهلة أخيرة للسلطة العراقية: 20 يناير موعد لتصعيد الحراك

18 يناير 2020
تتواصل التظاهرات للأسبوع الـ16 (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -
في خطوةٍ جديدة تُنذر بتصعيد قد يُغيّر خارطة الاحتجاج المستمر في العراق منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتجه المحافظات العراقية المنتفضة إلى الاتفاق على إمهال الحكومة والبرلمان حتى الـ20 من شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، أي بعد غدٍ الإثنين، من أجل البدء بتنفيذ مطالب المحتجين بشكل عملي وملموس، قبل أن تتخذ هذه المحافظات خطوات تصعيدية، لم تُحدد ماهيتها بعد، وذلك مع انضمام مدن جديدة إلى الحراك، والموافقة على خطوة المنتفضين بتحديد هذه المهلة.

وأمس، الجمعة، اكتظت ساحات وميادين الاحتجاج في العراق بعشرات آلاف المتظاهرين، وسط استمرار حالة الانتشار الأمني والعسكري الذي دأبت السلطات العراقية على تكثيفها كل يوم جمعة على وجه الخصوص، بسبب الأعداد المضاعفة التي تشارك بالتظاهرات في هذا اليوم، على الرغم من استمرار عمليات الخطف والاغتيال والتهديدات التي يتعرض لها الناشطون في مدن عدة من جنوبي البلاد، وفي بغداد. وشهدت تظاهرات أمس رفع شعارات جديدة ضد كل من الولايات المتحدة وإيران، مهاجمة في الوقت ذاته أحزاب السلطة، متهمة إياها برهن مستقبل البلاد لـ"الأجنبي". وشهدت ساحتا البحرية وذات الصواري في البصرة تظاهرات واسعة شارك فيها زعماء قبائل وأعضاء وممثلون عن منظمات مدنية، بمناسبة مرور أسبوع على اغتيال الصحافي البصري أحمد عبد الصمد والمصور صفاء غالي على يد مسلحين. وفي النجف، هدد المتظاهرون باللجوء إلى العصيان المدني وتعطيل مرافق الحياة، مؤكدين تأييدهم للمهلة التي أطلقها متظاهرو الناصرية.

وكان المتظاهرون في مدينة الناصرية، عاصمة محافظة ذي قار، جنوبي العراق، وهي ثاني مدن البلاد بعدد الضحايا وعمليات القمع الحكومي، قد حددوا يوم الـ20 من الشهر الحالي كمهلة أخيرة لتنفيذ مطالبهم، لتنتقل هذه الخطوة سريعاً إلى مدن أخرى، أمس الجمعة.

يأتي ذلك مع استمرار تسجيل عمليات اغتيال لناشطين عراقيين في التظاهرات في جنوب ووسط البلاد وبغداد، إذ شهدت الساعات الـ48 الماضية اغتيال ناشط في تظاهرات محافظة بابل، هو أحمد السعدي، ووفاة الناشطة في كربلاء هدى خضير متأثرة بجراح كانت قد أصيبت بها قبل أيام نتيجة إطلاق مجهولين النار عليها قرب ساحة التربية، وسط كربلاء. وبالتزامن، سُجل اختطاف ناشطين اثنين في بغداد، بعد خروجهما من ساحة التحرير، وسط العاصمة العراقية، وفقاً لما أكدته مصادر حقوقية عراقية وأخرى أمنية، قالت إنها تلقت بلاغات من ذوي الناشطين تؤكد اختطافهما.

وعلى الرغم من أن مهلة الناصرية أُعلنت بشكل مباشر بعد اغتيال الصحافي العراقي أحمد عبد الصمد في مدينة البصرة، في 13 يناير/ كانون الثاني الحالي، إلا أن متظاهري الديوانية وكربلاء وبابل وواسط ومدن ومحافظات عراقية أخرى التحقوا، أمس، بالمهلة، مشددين على أنهم ينتظرون أفعالاً من الحكومة المستقيلة والبرلمان قبل اللجوء إلى التصعيد، ومؤكدين في بيانات منفصلة أنهم ليسوا في معرض التخلي عن حق دماء المئات من زملائهم الذين قتلتهم السلطة وأحزابها.


ومن مطالب المتظاهرين، المشمولة في المهلة، اختيار رئيس حكومة مؤقت لحين إجراء انتخابات تشريعية مبكرة تخضع لإشراف الأمم المتحدة ومنظمات دولية منعاً من حصول عمليات تزوير لصالح قادة الأحزاب الحاكمة، فضلاً عن الكشف عن قتلة المتظاهرين ومصير اللجان التحقيقية فيها، وتقديم المتورطين في قمع التظاهرات إلى القضاء، والذين يوصفون بـ"فرق الموت الجوالة" لقتل المتظاهرين.

وقال الناشط البارز في الناصرية علي الغزي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب الحاكمة مستمرة بقتل المتظاهرين والمحتجين والناشطين واختطافهم وتعذيبهم، وبقاؤنا في الساحات وميادين التظاهر يطرح سؤالاً واحداً، ومفاده أنه هل علينا أن نبقى نتفرج وهم يقتلوننا الواحد تلو الآخر؟". ورأى الغزي أن "الأحزاب الحالية أثبتت عدم ولائها للعراق في أكثر من موقف، إذ هي لا تزال تظن أن الاحتجاجات صناعة أميركية خليجية، وتصف عبر وسائل إعلامها المحتجين بأنهم جوكر، وممولون من الخارج، ناهيك عن إهمال مطالب المتظاهرين مع كونها مشروعة ولا تخرج عن إطار الدستور الذي ينص على أن الشعب هو مصدر السلطات".

ولفت الغزي إلى أن "المهلة التي حددها المتظاهرون في بغداد ومدن الجنوب، هي نقطة النهاية مع النظام الحاكم، فقد تأكد لنا أن المليشيات المدعومة من الحكومة ستسمر بقتلنا وتخويفنا، وأنها خارجة عن القانون ولا تحترم مطالب الشعب، لذلك نحن في صدد الإعلان عن سلسلة إجراءات تصعيدية ضد الحكومة، وبالتعاون مع منظمات حقوقية دولية". وحول طبيعة هذه الخطوات، قال الناشط العراقي إن "واحدة منها هي قطع الطرق وتوسيع رقعة الإضراب الذي قد يتحول في ما بعد إلى عصيان مدني، وتشكيل وفد من المتظاهرين للتوجه نحو الأمم المتحدة والعالم وشرح ما يدور في ساحات الاحتجاج والمنطقة الخضراء، من أجل سحب الشرعية الدولية الممنوحة للحكومة العراقية".

بدورهم، أعلن معتصمو ساحة التحرير، وسط بغداد، أول من أمس الخميس، تأييدهم للمهلة التي وضعها المعتصمون في الناصرية. وقال المعتصمون في بيان: "نعلن تأييدنا الكامل للمهلة التي وضعها ثوار ذي قار الشجعان لتنفيذ المطالب المحقة، وسنكون في بغداد على الموعد مع إخوتنا في باقي المحافظات لإعلاء صوت الوطن في وجه محاولات التملص من تنفيذ مطالبنا المشروعة، الهادفة إلى بناء عراق موحد ذي سيادة، يحمي مصالح وأمن مواطنيه". وأكد المعتصمون أن "موقفنا هذا يأتي تثميناً لمواقف الناصرية الكبيرة والمُلهمة، منذ بداية الاحتجاجات وحتى هذه اللحظة، ووفاءً للدماء الطاهرة التي سالت في سبيل الوطن، دماء أحرار العراق التي سقطت في ذي قار والمدن المحتجة كلها".

من جهته، أشار الصحافي العراقي الذي يشارك في احتجاجات بغداد، علي الكرملي، إلى أن "المهلة هي تصعيد جيد، ولو أنها جاءت متأخرة، لكن المهم حصولها". وبدا الكرملي متشائماً باعتباره أنه "واقعياً، فإن مطالب الشارع المحتج تبدو بعيدة كل البعد عن التحقق في غضون المهلة الزمنية التي حدّدتها الناصرية، لأن السلطة الحاكمة إلى الآن لا تأبه لكل ما يجري في الشارع، ولم ولن تتحرّك نحو كسب الخواطر، والتنازل عن مكتسباتها طالما ترى أنها ما زالت قوية". ولفت الكرملي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الخطوات التصعيدية الجديدة التي ستتخذها الناصرية غير معلومة حتى الآن، كما بقية المحافظات، لكن المؤكد أن التصعيد سيكون سلمياً، ولن يتجاوز السلمية نحو أمور أخطر أو أكبر تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه"، متوقعاً مثلاً أن "يتطور الإضراب، وتتسع رقعته متخطياً طلاب الجامعات، مع قطع الطرق الرئيسية الرابطة بالعاصمة، وشلّ مفاصل الحياة، لتذعن السلطة لمطالب المحتجين".

واعتبر الصحافي والناشط العراقي أن "الحديث عن الثورة المسلحة بعيدٌ كل البعد عن واقع الاحتجاجات العراقية، بسبب الإيمان المطلق بالسلمية، وهي طريق لن نحيد عنه، على الرغم من إدراكنا أنها ستؤخر عملية استجابة السلطة للمطالب، فهم يراهنون على مللنا، وهو ما لن يحصل". في المقابل، رأى الكرملي أن "التسلح سيؤدي إلى إنهاء كل الانتفاضة، وجر البلاد نحو حرب طاحنة، وبالتالي فإن كل تضحياتنا ستذهب أدراج الرياح". وشدد الكرملي على أن "الجمهور واعٍ، ومدرك لمآلات ومخاطر التسلح والاشتباك، لذا لن يسلك ذلك المسلك".

من جهته، رأى الناشط السياسي وليد النجار أن "المتظاهرين يواجهون مصاعب وتحديات كبيرة في ساحات الاحتجاج، وقد دخلوا شهرهم الرابع بمواصلة الحراك الشعبي الرافض لهيمنة الأحزاب الموالية لإيران، وهم لا يريدون سوى وطن محترم، إلا أن المليشيات التابعة للأحزاب تحاصرهم وتقتلهم"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "الخطوات التصعيدية من قبل المحتجين هي حالة طبيعية ورد فعل على القمع الذي يجري في مدن الجنوب، وبالتالي على الحكومة أن تتحمل تبعات إهمالها لمطالب الشعب".