بدخول وقف إطلاق النار في ليبيا حيّز التطبيق، بعد تفاهمات روسية تركية، تكون الأزمة الليبية قد دخلت مرحلة جديدة من لعبة التوازنات الإقليمية والدولية، فضلاً عن الالتزامات التي ستكون ملقاة على أكثر من جهة، بما في ذلك طرفا الصراع المحليان، حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، وداعموهما، ليشمل ذلك ملفات عدة، أبرزها المرتزقة المنخرطون في الصراع، وموضوع المليشيات المسلحة، وتحديداً التي تقاتل إلى جانب حكومة الوفاق.
وفي ظل هذا الوضع، يبدو مسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لإطاحة القوى الإسلامية الموالية لحكومة الوفاق، صعب التحقيق، في ظل ما يبدو من رغبة روسية في تخفيف حدة الصراع في ليبيا، حتى إذا اقتضى الأمر اتّباع النموذج السوري بتقسيم مناطق النفوذ مع تركيا، وتقسيم الثروات المتنازع عليها مع القوى الأوروبية، وهو ما انعكس في تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال استقباله المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في موسكو السبت الماضي، عندما تبرأ، ظاهرياً، من المرتزقة الروس الذين يحاربون إلى جانب حفتر، وزعم أنهم لا يمثلون الموقف الرسمي الروسي "الطامح إلى التهدئة والتسوية السياسية".
وقالت مصادر مصرية معنية بمتابعة الملف الليبي، لـ"العربي الجديد"، إن دوائر صناعة القرار المصري استقبلت مبادرة وقف إطلاق النار الروسية التركية حول ليبيا بارتياح، وخصوصاً أن التزامها يعني وقف إرسال قوات عسكرية تركية إلى الأراضي الليبية، وهي الخطوة التي بذلت القاهرة جهوداً دبلوماسية واتصالات واسعة لمنع حدوثها، خشية الدخول في مواجهة مباشرة مع أنقرة. وشدّدت المصادر على أن "حفتر يعلم جيداً نقطة الضعف المصرية المتعلقة بالتدخّل التركي في ليبيا، لذلك هو يراهن على الدعم المصري تحت أي ظرف، وهو الأمر الذي يسبّب إزعاجاً بالغاً للقاهرة"، مضيفةً: "حفتر متهور للغاية، وقراراته غير مدروسة، ودائماً ما يسبّب أزمات كبيرة للقاهرة، كان من بينها إشعاله المواجهة العسكرية من دون القدرة على حسمها لمصلحته، ما دفع المشهد إلى تفاقم وتأزم موقف مصر في توقيت حرج للغاية".
في المقابل، قال مصدر محسوب على معسكر شرق ليبيا، إن "هناك حالة من الغضب بين مكوّنات معسكر حفتر من إعلانه وقف إطلاق النار، وإن ثقة البعض ممن انحازوا إلى حفتر آخذة في الاهتزاز بسبب عدم قدرته على الحسم، على الرغم من حجم الدعم الكبير الذي يتلقاه والخطاب التعبوي الذي كان ينذر بقرب القضاء على حكومة الوفاق والقوات الداعمة لها".
وتحاول كل من إيطاليا وفرنسا اللحاق بركب التسوية المرتقبة، بهدف تأمين مصالحهما الاستراتيجية والاقتصادية، باعتبارهما الدولتين الأكبر والأكثر استثماراً في حقول النفط الليبية، وكذلك الأكثر تضرراً من موجات الهجرة التي ازدهرت في السنوات الماضية استغلالاً للانفلات الأمني في ليبيا.
وبحسب مصادر دبلوماسية أوروبية في القاهرة، فإن كلاً من البلدين في إطار التنافس المحموم بينهما يرغب في عقد اتفاقات مستقلة غير معلنة، مع كل من روسيا وتركيا لتأمين مصالحه، في ظل المؤشرات القائمة على الأرض باستحالة الرهان بشكل كامل على واحد من الطرفين المتصارعين، على الرغم من أن فرنسا لديها مشكلة مبدئية في التعامل مع حكومة الوفاق بسبب المليشيات الإسلامية التي تصفها باريس بـ"الإرهابية" وتخشى تأثيرها بالمناخ العام في الجزائر ومنطقة النفوذ الفرنسية في أفريقيا جنوبي الصحراء والساحل الغربي للقارة.
وأوضحت المصادر أن العلاقة المتوترة بين باريس وروما في هذا الملف لا يبدو أنها ستتحسن، على الرغم من بعض المستجدات، كخشيتهما المشتركة من النفوذ التركي والروسي، وقبولهما الجلوس إلى طاولة واحدة مع مصر واليونان وقبرص في القاهرة الأسبوع الماضي، واشتراكهما في إصدار بيان ضد التدخّل التركي، لكن "هذا كله يأتي في إطار تحركات رد الفعل، ويبدو أقرب للإهدار منه للبناء عليه، بسبب رغبة كل دولة منهما في الاستئثار بأكبر قدر من المكاسب".
اقــرأ أيضاً
في المقابل، هناك مجموعة من المحددات التي ترغب روسيا، وكذلك القوى الأوروبية وخصوصاً فرنسا، في فرضها على تركيا التي أصبحت طرفاً لا غنى عن حضوره في أي مؤتمر مقبل بشأن ليبيا، وأبرزها بحسب المصادر نفسها: ضمان حماية الثروات واقتسامها، والسيطرة الكاملة على المليشيات الإسلامية وتحجيمها، ربما بأسلوب أقرب لما حدث بتجميع العديد من مليشيات الشرق تحت لواء حفتر، ولكن بصورة أكثر نظامية، سواء تحت قيادة ذات هيكل واضح من حكومة الوفاق والقوات التنسيقية التركية، أو في صورة كيان آخر.
وتأكيداً لذلك، قال مصدر مصري مطلع، إن القاهرة وموسكو أدتا دوراً كبيراً في تحديد مجموعة من المهمات المطلوبة من تركيا، من بينها القبول بدور سياسي لحفتر في حال التوصل إلى اتفاق سياسي يُنهي المعارك المندلعة في الوقت الراهن وتهيئة البلاد للاستحقاقات الانتخابية المُعطَّلة.
وكشف المصدر أن أنقرة أبلغت موسكو بعدم معارضتها تلك الجزئية وتعهدها بإقناع السراج والمجلس الرئاسي في طرابلس بذلك، على اعتبار أن الخيار سيكون للشعب الليبي، على أن يكون ذلك بعد فترة زمنية يجري التوافق حولها لتهيئة الأوضاع، وأن يشمل ذلك أيضاً انسحاب مليشيات حفتر إلى خط ما قبل إبريل/ نيسان 2019.
وذكر المصدر أن التفاهمات تتضمن أيضاً الحصول على ضمانات واضحة بعدم تسريب الأسلحة في غرب ليبيا إلى الجماعات المتطرفة، على أن يكون هناك إشراف دولي على القوات الموالية لحكومة الوفاق إلى حين التوصل إلى اتفاق سياسي. وكشف أن "مسؤولين أميركيين أبلغوا حلفاء حفتر أن واشنطن لن يكون في وسعها غضّ الطرف أكثر من ذلك عن العملية التي يقودها حفتر، مؤكدين أن استمرار الأعمال المسلحة أكثر من ذلك سيحوّل ليبيا إلى سورية جديدة في ظل حدود مترامية وغير مسيطر عليها".
وبالعودة إلى الاهتمامات المصرية، قالت المصادر الأوروبية في القاهرة إنه "ما زال من المبكر الحديث عن إلغاء مذكرة التفاهم التركية بشأن الحدود البحرية مع حكومة الوفاق، التي ترفضها أوروبا، لكن المؤشرات ترجّح عدم طرح هذا الموضوع في المفاوضات الممهدة لمؤتمر برلين أو أي مؤتمر آخر".
وذكرت المصادر أن تقاطع المصالح بين جميع الأطراف يجعل مصر تحديداً في موقف صعب، ويفقدها نفوذها الذي كانت تحاول تكريسه في الشهور الماضية، ويجعلها تبحث فقط عن حلول لا تؤثر في أمنها المحلي. فعلى الرغم من أن القرار اليومي لمليشيات حفتر يُصنع بشكل كبير في القاهرة، إلا أن القرارات الاستراتيجية لا بد أن تشارك الإمارات في اتخاذها، باعتبارها المموّل والداعم الأكبر لحفتر والسيسي سوياً، ولذلك لم يكن غريباً أن يصدر قرار وقف إطلاق النار بعد ساعات من اتصال بوتين بمحمد بن زايد، قبيل لقائه بميركل.
وأشارت المصادر إلى أن مصلحة مصر الآنية المتمثلة بالابتعاد عن الحرب وإحياء المسار السياسي كانت تتطلب بالتأكيد قبول وقف إطلاق النار، لكن هذا لا ينفي أن القرار يعني عملياً هزيمة مساعي السيسي وحفتر في اقتحام طرابلس قبل عقد مؤتمر برلين أو غيره، لتحسين الموقف التفاوضي أولاً، وثانياً بغية إلغاء المليشيات الإسلامية، الأمر الذي لم يتحقق عملياً.
واعتبرت المصادر الأوروبية أن تسرّع مصر في قطع كل الصلات بحكومة الوفاق يصعّب موقفها كوسيط في المستقبل، وصورة الوسيط هي التي كان السيسي يحرص على رسمها لنفسه ظاهرياً، على الرغم من دعمه المستمر لحفتر، حتى الصيف الماضي.
فبعد أيام معدودة من تصعيد حفتر حملته العسكرية على العاصمة طرابلس الشهر الماضي بدعم مصري عسكري ولوجيستي كبير، كرر السيسي إعلانه الصريح عدم التخلي أو التراجع عن دعم حفتر، وذلك خلال لقاء بالإعلاميين المشاركين في منتدى شباب العالم في شرم الشيخ، وهو التصريح الذي استقبلته حكومة الوفاق بعدم الترحيب والانتقاد، فأصدرت بياناً أعربت فيه عن "استغرابها الشديد من التصريحات"، خصوصاً حول ما وصفه السيسي بـ"غياب الإرادة الحرة للحكومة ووقوعها أسيرة للتشكيلات المسلحة والإرهابية"، وما لوّح به من قدرته على التدخل المباشر في ليبيا. هذا الأمر دفع مصر إلى الرد من جديد عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الذي أطلق تغريدة قصيرة تساءل فيها عن هوية المجلس الرئاسي الليبي، ومكان وجود أعضائه، في إشارة إلى عدم اعتراف مصر به، فضلاً عن عدم ذكر صفة السراج الرسمية في أي بيان لاحقاً، وذلك بعدما كان السراج يحل ضيفاً على السيسي والقاهرة بصفته رئيساً لهذا المجلس الذي تأسّس عام 2016 برعاية الأمم المتحدة في أعقاب اتفاق الصخيرات.
وعلى الرغم من أن الفجوة بين السيسي وحكومة الوفاق اتسعت على مدى العامين الماضيين، إلا أنه كان يكتفي بالتصريح باستمرار دعم "الجيش الوطني الليبي" من دون التعرض المباشر لحكومة الوفاق، بل كان المسؤولون المصريون، وعلى رأسهم السيسي، يتحدثون دائماً في الفعاليات الدولية عن مسؤولية المجتمع الدولي في مواجهة انتهاكات قرارات مجلس الأمن وتقديم الدعم السياسي والأيديولوجي واللوجيستي من سلاح وعتاد لتنظيمات إرهابية، وتكريس فوضى المليشيات، وحرمان الشعب الليبي السيطرة على مقدراته وموارده، وضرورة عمل دول جوار ليبيا، وفي إطار الاتحاد الأفريقي، ومع الأمم المتحدة، لدفع جهود التسوية في ليبيا، انطلاقاً من الاتفاق السياسي الليبي، ومواجهة التدخّلات الخارجية المرفوضة شكلاً وموضوعاً في ليبيا، وإنهاء حالة الانسداد السياسي وتغليب الأهواء الشخصية والضيقة على المصالح الوطنية الليبية.
وكان السيسي قد أبلغ ميركل ووزير خارجيتها هايكو ماس، في أثناء التحضيرات لمؤتمر برلين، بضرورة استبعاد جميع التيارات الإسلامية من المشهد السياسي قبل الدخول في أي مفاوضات، وكذلك اعتبار مليشيات حفتر جيشاً نظامياً ورفع حظر التسليح عنه. وأبدى تحفظه على الهدف الأول المعلن من المؤتمر، وهو الوقف الفوري لإطلاق النار، فضلاً عن تنافر موقفه مع الهدف الثاني للمؤتمر، بحسب ما أعلنته برلين والمبعوث الدولي غسان سلامة، الذي يتمثل بخلق آلية تمكّن لجنة العقوبات من محاسبة الدول المزودة للأطراف المتصارعة بالسلاح وتجار السلاح في ظل شواهد وتقارير دولية تؤكد تزايد خرق قرار حظر التسليح، علماً بأن ألمانيا نفسها هي رئيسة لجنة العقوبات في مجلس الأمن، وبالتالي لديها الفرصة لإدارة تلك الآلية.
وتغيّر موقف السيسي من هذا المسار السياسي بسبب عاملين مهمين، أولهما الفشل الميداني الذي يسيطر على حملة حفتر على طرابلس منذ إبريل الماضي، وهي الحملة التي لم يكن السيسي متحمساً لها في البداية، لكن رفضه التضحية بحفتر جعله يصرّ على دعمها بقوة، في الأطر المحسوبة، ويعارض رغبة الإمارات في تغيير قيادة مليشيا شرق ليبيا الصيف الماضي. أما العامل الثاني، فهو أنه بات واضحاً، ولا سيما بعد تدفق المساعدات التركية لحكومة الوفاق، أنه حتى باستمرار الدعم الروسي والإماراتي والمصري، من المستحيل نجاح حفتر من دون مساهمة عسكرية مصرية نظامية على الأرض، بينما يرى السيسي أن من المخاطرة إنفاق الأموال على حرب، بالنسبة إلى بلد مأزوم اقتصادياً مثل مصر.
وفي ظل هذا الوضع، يبدو مسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لإطاحة القوى الإسلامية الموالية لحكومة الوفاق، صعب التحقيق، في ظل ما يبدو من رغبة روسية في تخفيف حدة الصراع في ليبيا، حتى إذا اقتضى الأمر اتّباع النموذج السوري بتقسيم مناطق النفوذ مع تركيا، وتقسيم الثروات المتنازع عليها مع القوى الأوروبية، وهو ما انعكس في تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال استقباله المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في موسكو السبت الماضي، عندما تبرأ، ظاهرياً، من المرتزقة الروس الذين يحاربون إلى جانب حفتر، وزعم أنهم لا يمثلون الموقف الرسمي الروسي "الطامح إلى التهدئة والتسوية السياسية".
في المقابل، قال مصدر محسوب على معسكر شرق ليبيا، إن "هناك حالة من الغضب بين مكوّنات معسكر حفتر من إعلانه وقف إطلاق النار، وإن ثقة البعض ممن انحازوا إلى حفتر آخذة في الاهتزاز بسبب عدم قدرته على الحسم، على الرغم من حجم الدعم الكبير الذي يتلقاه والخطاب التعبوي الذي كان ينذر بقرب القضاء على حكومة الوفاق والقوات الداعمة لها".
وتحاول كل من إيطاليا وفرنسا اللحاق بركب التسوية المرتقبة، بهدف تأمين مصالحهما الاستراتيجية والاقتصادية، باعتبارهما الدولتين الأكبر والأكثر استثماراً في حقول النفط الليبية، وكذلك الأكثر تضرراً من موجات الهجرة التي ازدهرت في السنوات الماضية استغلالاً للانفلات الأمني في ليبيا.
وبحسب مصادر دبلوماسية أوروبية في القاهرة، فإن كلاً من البلدين في إطار التنافس المحموم بينهما يرغب في عقد اتفاقات مستقلة غير معلنة، مع كل من روسيا وتركيا لتأمين مصالحه، في ظل المؤشرات القائمة على الأرض باستحالة الرهان بشكل كامل على واحد من الطرفين المتصارعين، على الرغم من أن فرنسا لديها مشكلة مبدئية في التعامل مع حكومة الوفاق بسبب المليشيات الإسلامية التي تصفها باريس بـ"الإرهابية" وتخشى تأثيرها بالمناخ العام في الجزائر ومنطقة النفوذ الفرنسية في أفريقيا جنوبي الصحراء والساحل الغربي للقارة.
وأوضحت المصادر أن العلاقة المتوترة بين باريس وروما في هذا الملف لا يبدو أنها ستتحسن، على الرغم من بعض المستجدات، كخشيتهما المشتركة من النفوذ التركي والروسي، وقبولهما الجلوس إلى طاولة واحدة مع مصر واليونان وقبرص في القاهرة الأسبوع الماضي، واشتراكهما في إصدار بيان ضد التدخّل التركي، لكن "هذا كله يأتي في إطار تحركات رد الفعل، ويبدو أقرب للإهدار منه للبناء عليه، بسبب رغبة كل دولة منهما في الاستئثار بأكبر قدر من المكاسب".
في المقابل، هناك مجموعة من المحددات التي ترغب روسيا، وكذلك القوى الأوروبية وخصوصاً فرنسا، في فرضها على تركيا التي أصبحت طرفاً لا غنى عن حضوره في أي مؤتمر مقبل بشأن ليبيا، وأبرزها بحسب المصادر نفسها: ضمان حماية الثروات واقتسامها، والسيطرة الكاملة على المليشيات الإسلامية وتحجيمها، ربما بأسلوب أقرب لما حدث بتجميع العديد من مليشيات الشرق تحت لواء حفتر، ولكن بصورة أكثر نظامية، سواء تحت قيادة ذات هيكل واضح من حكومة الوفاق والقوات التنسيقية التركية، أو في صورة كيان آخر.
وتأكيداً لذلك، قال مصدر مصري مطلع، إن القاهرة وموسكو أدتا دوراً كبيراً في تحديد مجموعة من المهمات المطلوبة من تركيا، من بينها القبول بدور سياسي لحفتر في حال التوصل إلى اتفاق سياسي يُنهي المعارك المندلعة في الوقت الراهن وتهيئة البلاد للاستحقاقات الانتخابية المُعطَّلة.
وذكر المصدر أن التفاهمات تتضمن أيضاً الحصول على ضمانات واضحة بعدم تسريب الأسلحة في غرب ليبيا إلى الجماعات المتطرفة، على أن يكون هناك إشراف دولي على القوات الموالية لحكومة الوفاق إلى حين التوصل إلى اتفاق سياسي. وكشف أن "مسؤولين أميركيين أبلغوا حلفاء حفتر أن واشنطن لن يكون في وسعها غضّ الطرف أكثر من ذلك عن العملية التي يقودها حفتر، مؤكدين أن استمرار الأعمال المسلحة أكثر من ذلك سيحوّل ليبيا إلى سورية جديدة في ظل حدود مترامية وغير مسيطر عليها".
وبالعودة إلى الاهتمامات المصرية، قالت المصادر الأوروبية في القاهرة إنه "ما زال من المبكر الحديث عن إلغاء مذكرة التفاهم التركية بشأن الحدود البحرية مع حكومة الوفاق، التي ترفضها أوروبا، لكن المؤشرات ترجّح عدم طرح هذا الموضوع في المفاوضات الممهدة لمؤتمر برلين أو أي مؤتمر آخر".
وذكرت المصادر أن تقاطع المصالح بين جميع الأطراف يجعل مصر تحديداً في موقف صعب، ويفقدها نفوذها الذي كانت تحاول تكريسه في الشهور الماضية، ويجعلها تبحث فقط عن حلول لا تؤثر في أمنها المحلي. فعلى الرغم من أن القرار اليومي لمليشيات حفتر يُصنع بشكل كبير في القاهرة، إلا أن القرارات الاستراتيجية لا بد أن تشارك الإمارات في اتخاذها، باعتبارها المموّل والداعم الأكبر لحفتر والسيسي سوياً، ولذلك لم يكن غريباً أن يصدر قرار وقف إطلاق النار بعد ساعات من اتصال بوتين بمحمد بن زايد، قبيل لقائه بميركل.
وأشارت المصادر إلى أن مصلحة مصر الآنية المتمثلة بالابتعاد عن الحرب وإحياء المسار السياسي كانت تتطلب بالتأكيد قبول وقف إطلاق النار، لكن هذا لا ينفي أن القرار يعني عملياً هزيمة مساعي السيسي وحفتر في اقتحام طرابلس قبل عقد مؤتمر برلين أو غيره، لتحسين الموقف التفاوضي أولاً، وثانياً بغية إلغاء المليشيات الإسلامية، الأمر الذي لم يتحقق عملياً.
واعتبرت المصادر الأوروبية أن تسرّع مصر في قطع كل الصلات بحكومة الوفاق يصعّب موقفها كوسيط في المستقبل، وصورة الوسيط هي التي كان السيسي يحرص على رسمها لنفسه ظاهرياً، على الرغم من دعمه المستمر لحفتر، حتى الصيف الماضي.
وعلى الرغم من أن الفجوة بين السيسي وحكومة الوفاق اتسعت على مدى العامين الماضيين، إلا أنه كان يكتفي بالتصريح باستمرار دعم "الجيش الوطني الليبي" من دون التعرض المباشر لحكومة الوفاق، بل كان المسؤولون المصريون، وعلى رأسهم السيسي، يتحدثون دائماً في الفعاليات الدولية عن مسؤولية المجتمع الدولي في مواجهة انتهاكات قرارات مجلس الأمن وتقديم الدعم السياسي والأيديولوجي واللوجيستي من سلاح وعتاد لتنظيمات إرهابية، وتكريس فوضى المليشيات، وحرمان الشعب الليبي السيطرة على مقدراته وموارده، وضرورة عمل دول جوار ليبيا، وفي إطار الاتحاد الأفريقي، ومع الأمم المتحدة، لدفع جهود التسوية في ليبيا، انطلاقاً من الاتفاق السياسي الليبي، ومواجهة التدخّلات الخارجية المرفوضة شكلاً وموضوعاً في ليبيا، وإنهاء حالة الانسداد السياسي وتغليب الأهواء الشخصية والضيقة على المصالح الوطنية الليبية.
وكان السيسي قد أبلغ ميركل ووزير خارجيتها هايكو ماس، في أثناء التحضيرات لمؤتمر برلين، بضرورة استبعاد جميع التيارات الإسلامية من المشهد السياسي قبل الدخول في أي مفاوضات، وكذلك اعتبار مليشيات حفتر جيشاً نظامياً ورفع حظر التسليح عنه. وأبدى تحفظه على الهدف الأول المعلن من المؤتمر، وهو الوقف الفوري لإطلاق النار، فضلاً عن تنافر موقفه مع الهدف الثاني للمؤتمر، بحسب ما أعلنته برلين والمبعوث الدولي غسان سلامة، الذي يتمثل بخلق آلية تمكّن لجنة العقوبات من محاسبة الدول المزودة للأطراف المتصارعة بالسلاح وتجار السلاح في ظل شواهد وتقارير دولية تؤكد تزايد خرق قرار حظر التسليح، علماً بأن ألمانيا نفسها هي رئيسة لجنة العقوبات في مجلس الأمن، وبالتالي لديها الفرصة لإدارة تلك الآلية.
وتغيّر موقف السيسي من هذا المسار السياسي بسبب عاملين مهمين، أولهما الفشل الميداني الذي يسيطر على حملة حفتر على طرابلس منذ إبريل الماضي، وهي الحملة التي لم يكن السيسي متحمساً لها في البداية، لكن رفضه التضحية بحفتر جعله يصرّ على دعمها بقوة، في الأطر المحسوبة، ويعارض رغبة الإمارات في تغيير قيادة مليشيا شرق ليبيا الصيف الماضي. أما العامل الثاني، فهو أنه بات واضحاً، ولا سيما بعد تدفق المساعدات التركية لحكومة الوفاق، أنه حتى باستمرار الدعم الروسي والإماراتي والمصري، من المستحيل نجاح حفتر من دون مساهمة عسكرية مصرية نظامية على الأرض، بينما يرى السيسي أن من المخاطرة إنفاق الأموال على حرب، بالنسبة إلى بلد مأزوم اقتصادياً مثل مصر.