في السياق، يؤكد دبلوماسي ليبي رفيع أن ما وصلت إليه ألمانيا يتصل بتكامل التحضيرات وقبول الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالملف الليبي بالجلوس لصياغة حل سياسي يضمن مصالحها، لافتاً إلى أن العراقيل التي كانت تقف أمام الوصول إلى قمة برلين كانت تتمثل بتشبث الأطراف الداعمة لحفتر بانفرادها بطاولة التفاوض، في وقت كان فيه معارضو الحل العسكري في ليبيا يصعّدون من رفضهم.
وكان المصدر الدبلوماسي ذاته قد أكد، في مناسبات سابقة لـ"العربي الجديد"، أن ألمانيا شددت على ضرورة وقف القتال قبل إعلانها القمة.
وحول شكل سيناريوهات الحل في ليبيا التي يمكن أن تفرزها القمة، أكد أنها لا تزال ذات السيناريوهات السابقة التي لم تتغير، فـ"التفاوض في برلين سيكون حول خريطة مصالح الدول المعنية بليبيا، بينما سيكون هناك مسار آخر خاص بالليبيين يبدأ الإعداد له في تونس أو جنيف، قبل أن ينتقل إلى داخل ليبيا".
واشار إلى أن "المسار الخاص بالليبيين سينتج مجلساً وطنياً مكوناً من شخصيات ليبية، تتولى مهام المصادقة على نتائج برلين، في وقت سيكون فيه ممثلو مجلسي الدولة والنواب في ليبيا في مفاوضات مباشرة ستبدأ قريباً من أجل تشكيل لجنة عسكرية موحدة تشرف على حوار أمني واسع في ليبيا، بهدف توحيد المؤسسة العسكرية".
من جهته، يؤكد الباحث الليبي بقاسم كشادة أن "عقد الحل كانت تتمثل طوال الوقت بالموقف الروسي، الذي يبدو أن جهوداً أميركية غير مباشرة تمكنت من زحزحته بشكل كبير، وربما تحصلت روسيا على حصتها من الكعكة الليبية بعد أن وصلت الأوضاع إلى حافة الانهيار".
ويشرح كشادة رأيه لـ"العربي الجديد" بالقول إن "روسيا أرسلت دعماً عسكرياً غير مباشر إلى حفتر، وكانت تستخدمه لمصلحتها دون أن تتورط معه، من خلال مرتزقة "الفاغنر"، ما أزعج الأميركيين والأوروبيين، فقد كانت طوال الوقت تضغط للحصول على كرسي في برلين يناسب مصالحها"، مرجحاً أن يكون انخراط تركيا المفاجئ في الملف الليبي قد "جاء بدفع أميركي، فهي الدولة الأنسب لإحداث مقاربة مع روسيا".
وبينما يؤكد كشادة أن "كل ذلك تجلى في قمة أنقرة، الأربعاء الماضي، بين الرئيسين رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، وفي موسكو أمس بوصول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لتعلن من هناك عقد القمة"، يرى المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، أن "روسيا وفرنسا ودول عربية كانت بالفعل تدعم مشروع حفتر، بل حتى المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يراقب من كثب إمكانات حفتر لإنجاح مشروعه العسكري".
وبتفصيل أكثر يقول ذويب متحدثاً لـ"العربي الجديد" إن "المجتمع الدولي كان يريد حلاً سياسي في برلين، فلمَ صمت، بما فيه الأمم المتحدة، عن اكتساح حفتر لقمة غدامس التي كانت آخر حلقات سلسلة مفاوضات السلام بين الليبيين؟"، مؤكداً أن "مشروع حفتر سعت دول، كمصر والإمارات والسعودية، بكل ثقلها لإقناع الدول الكبرى به، وقدمت فرنسا الدعم له".
ويذكّر ذويب بوقوف موسكو وواشنطن أمام صدور قرارات مجلس الأمن لوقف حرب حفتر أكثر من مرة، كما هو معلن ومعروف، مؤكداً أن "فشل مشروع حفتر هو من أرجع الملف الليبي إلى طاولة التفاوض السياسي بين الأطراف الدولية".
وأبرز المحلل السياسي ذاته أن "فشل حفتر عسكرياً تأكد لدى تلك الدول التي كانت تراقبه، وأفسحت له المجال منذ مدة"، مشيراً إلى أن "كل الأحداث الماضية، وآخرها دخول روسيا وتركيا، كانت تتعلق بالصراع على كراسي طاولة التفاوض في برلين، وانتهى بالقبول بشراكة روسيا وتركيا ودول عربية مجاورة لليبيا".
وحول ما إذا كانت هناك عراقيل أخرى لوصول الملف الليبي فعلياً إلى الحل السياسي، قال ذويب: "إننا اليوم نعيش هدنة، وليس وقفاً نهائياً للقتال، وحفتر لم يوافق إلا مجبراً بعد أن تخلى عنه شركاؤه الساعون إلى مصالحهم في ليبيا، وإمكانية تمرد حفتر ودخوله في معركة انتحار ممكن جداً، خصوصاً إذا كان الحوار الأمني الذي ستطلقه لجنة مشتركة من مجلسي النواب والدولة لا يناسبه أو يقصيه من المشهد".
ولفت إلى ضرورة حلحلة آثار الاتفاقات الموقعة بين حكومة الوفاق والحكومة التركية، خصوصاً ما يتعلق بترسيم الحدود المائية في البحر المتوسط، التي لا تزال تمسّ مصالح العديد من الدول البحرية، ولا يزال الصراع حولها قائماً، مؤكداً أنه "مستبعد أن تترك دول منافسة لتركيا المجال لها لتنجح في قلب كل الأوضاع لمصلحة حكومة الوفاق ونقلها من خانة المهزوم إلى خانة المنتصر، من خلال الاتفاق الأمني، لتنتصر أيضاً في الشق الآخر من الاتفاق المعني بالحدود البحرية، وعلى رأس هذه الدول مصر".