بلغت أزمة سد النهضة الإثيوبي ذروتها في الأيام الماضية، بعد فشل الجولة الرابعة والأخيرة ضمن "آلية واشنطن"، التي عقدت يومي 8 و9 يناير/كانون الثاني الحالي في أديس أبابا، وذلك جراء اتهام مصر لإثيوبيا بتبنّي موقف مغال يهدف إلى سيطرتها على النيل الأزرق، وملء وتشغيل السد من دون مراعاة للمصالح المائية لدول المصبّ.
وتطورت الأزمة عقب بيان أصدرته الخارجية الإثيوبية، يوم الخميس الماضي، في أعقاب انتهاء الجولة الرابعة، وقالت فيه إن مصر تقدمت بتصوّر يقترح ملء خزان السد في فترة تتراوح بين 12 إلى 21 سنة، مشددة على أن هذا "أمر غير مقبول"، ما عدّ بمثابة أكبر تصعيد من جانب إثيوبيا منذ انطلاق المفاوضات. واستدعى هذا الأمر رداً مصرياً شديد اللهجة، أول من أمس الجمعة، لتبقى الأنظار متجهة إلى الاجتماع المقبل في واشنطن، وسط خيارات محدودة متاحة أمام مصر التي تلقت، بحسب مصادر "العربي الجديد"، رسائل طمأنة أميركية، بعدما نقلت إليها خطورة الموقف.
وكان وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا سامح شكري وأسماء عبد الله وجيدو أندارجاشيو، قد اتفقوا، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في واشنطن، بحضور وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، ورئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، على خريطة عمل، تنتهي باجتماع في 13 يناير الحالي إلى واحد من أمرين: إما وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق شامل ودائم بين الدول الثلاث حول ملء بحيرة سد النهضة وقواعد تشغيله، والآلية التي سيتم من خلالها مراقبة تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، أو الاتفاق على تمديد المفاوضات بطلب من الراعي الأميركي لها، لفترة محددة أخرى، بعد تقييم ما تم إنجازه خلال المفاوضات الفنية.
وتواصلت "العربي الجديد" مع عدد من المصادر الدبلوماسية والفنية المعنية بمفاوضات سد النهضة، للوقوف على سيناريوهات الفترة المقبلة ومستقبل الأزمة. وفي هذا الصدد، أكد مصدر دبلوماسي مصري أن الأزمة وصلت إلى طريق مسدود، خاصة بعدما كشفت أديس أبابا عن جوابها بشكل صريح، ورفْضها حتى الاعتراف بالاتفاقيات القديمة المنظمة لإدارة نهر النيل، وهو ما يعني أنها تجاهلت مقترحاً أميركياً شاملاً لحل الأزمة بشأن صياغة اتفاقية جديدة بديلة لاتفاقية 1929، والتي تم توقيعها خلال فترة الاحتلال البريطاني، مقابل تجاوُب أديس أبابا مع المطالب المصرية الرامية إلى تأمين حصتها المائية بشكل يخفض الأضرار التي ستتعرض لها خلال فترة عملية ملء خزان السد.
وقال الدبلوماسي المصري نفسه، لـ"العربي الجديد"، إن لقاء واشنطن المقرر غداً الاثنين، لا بد أن يشهد خطاباً شديد اللهجة من المفاوضين المصريين، ولا مفر من استحضار مصطلحات تم استبعادها أخيراً مثل "الخيار العسكري"، وتهديد الأزمة للمنطقة واستقرارها بالكامل، وخطورة ذلك على أمن أوروبا، ومناطق المصالح الأميركية في القارة الأفريقية.
وأكد المصدر أن أديس أبابا لا تبحث عن حلول وسط لحل الأزمة، لكنها تهدف في الأساس إلى تحقيق مصالحها بدون النظر للخسائر والأضرار التي ستلحق بدول المصب. وقال إن "الاجتماع المقبل لن تكون معه حلول رمادية، إما انفراجة واضحة وموثقة برعاية المراقب الأميركي، أو تصعيد كامل".
وأضاف المصدر أن "مصر ستسير في أكثر من اتجاه، أولها متعلق بالخطاب المستخدم، والثاني في التحركات الدولية وفقاً للاتفاقيات المعترف بها في الأمم المتحدة، إذ سيتم تسجيل انتهاك إثيوبيا للاتفاقيات الدولية المعترف بها في الأمم المتحدة، ومن ثم التقدم بشكوى للاتحاد الأفريقي، والعمل على إصدار قرار دولي بوقف عمل السد".
اقــرأ أيضاً
من جهته، قال مصدر خاص إن "الإعلان عن إطلاق المناورات العسكرية قادر 2020، قبل تنفيذها من جانب المتحدث العسكري المصري (تامر الرفاعي)، وقبل انطلاق اجتماع واشنطن المقبل، وشمولها للبحرين الأحمر والمتوسط، رسالة لكافة الأطراف في المنطقة وليس لتركيا فقط".
وأوضح المصدر أن اتصالات على مستوى رفيع جرت بين مسؤول مصري وآخرين أميركيين بعد جولة أديس أبابا الأخيرة، أطْلعهم خلالها على خطورة الموقف وتداعياته، مؤكداً أن الإدارة المصرية ستكون مطالبة برد قوي حال تأكد فشل المفاوضات بشكل كامل، وذلك لتهدئة الشارع الغاضب والذي يتهمها بالتفريط في حقوق مصر المائية.
وكشف المصدر نفسه عن تلقي المسؤول المصري رسائل طمأنة من الجانب الأميركي، بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق ينزع فتيل الأزمة خلال اجتماع واشنطن، أو على الأقل يمنع مزيداً من التدهور في مسار المفاوضات، بحد تعبير المصدر.
في مقابل ذلك، قال مصدر مسؤول في وزارة الري المصرية، له اطلاع على مسار المفاوضات، "إن البيان الأخير الذي أصدرته الخارجية المصرية رداً على البيان الإثيوبي، بعد التشاور مع وزير الري الدكتور محمد عبد العاطي لا يعني الانسحاب من المفاوضات". وأكد أنّ مصر ستحشد كل ما لديها من دراسات فنية وآراء علمية بنت عليها تصورها الذي قدمته خلال جولات المفاوضات الأخيرة بشأن ملء وتشغيل السد.
وقال المصدر إن هدفها الأساسي الذي بنت عليه موقفها وتصورها قائم على الفيضان وإدارة المياه في حالة الفيضان والجفاف وليس عدد السنوات، لافتاً إلى أن مفاوضات واشنطن ستدور حول ملء خزان السد وتشغيله، لوضع قواعد ملزمة لكل الأطراف، بهدف تجنب حدوث أضرار جسيمة لدول المصب.
وكانت وزارة الخارجية الإثيوبية تحدثت في بيانها الأخير الذي تسبب في التصعيد المصري، عن تقديم مصر مقترحاً لملء خزان السد في فترة تتراوح بين 12 و21 سنة، الأمر الذي نفته الأخيرة. وقالت الخارجية الإثيوبية إنها اقترحت خطة لملء خزان السد تعتمد على مراحل وتستغرق من 4 إلى 7 سنوات، استناداً إلى تدفقات الفيضان. وأشارت إلى أن مقترحها يُراعي التخفيف في حالات الجفاف أو الجفاف المطول أثناء ملء وتشغيل السد، ويأخذ بعين الاعتبار عدم إلحاق ضرر جسيم بدولتي المصب، في إشارة إلى مصر والسودان. وذكرت الخارجية الإثيوبية أن أديس أبابا "ترفض أي محاولة مباشرة أو غير مباشرة لجعلها تقبل معاهدات استعمارية جائرة وغير منصفة أو غيرها من المعاهدات التي ليست طرفاً فيها".
واستدعى هذا البيان رداً من وزارة الخارجية المصرية، مساء الجمعة الماضي، وصفت فيه ما أوردته أديس أبابا بالمغالطات. وشددت وزارة الخارجية المصرية في بيانها على أن "القاهرة انخرطت في مفاوضات السد بحسن نية، وبروح إيجابية تعكس رغبتها في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يحقق المصالح المشتركة لمصر وإثيوبيا"، مستدركة أن "مصر لم تطلب ملء السد في فترة تمتد من 12 إلى 21 سنة، بل تمسكت بعملية الملء على مراحل، تعتمد سرعة تنفيذها على الإيراد السنوي للنيل الأزرق".
واعتبرت الخارجية المصرية أن الاجتماعات الوزارية الأربعة لم تُفضِ إلى تحقيق تقدم ملموس بسبب تعنت إثيوبيا وتبنّيها مواقفا مغاليا فيما تكشف عن نيتها في فرْض الأمر الواقع وبسْط سيطرتها على النيل الأزرق وملء وتشغيل سد النهضة بدون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب، وبالأخص مصر بوصفها دولة المصب الأخيرة، بما يخالف التزامات إثيوبيا القانونية وفق المعاهدات والأعراف الدولية، وفي مقدمتها اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 23 مارس/آذار 2015، وكذلك اتفاقية 1902 التي أبرمتها إثيوبيا بإرادتها الحرة كدولة مستقلة، واتفاقية 1993 التي تعهّدت فيها بعدم إحداث ضرر بمصالح مصر المائية، إلا أن إثيوبيا تسعى للتحكم في النيل الأزرق كما تفعل في أنهار دولية مشتركة أخرى تتشاطر فيها مع دول شقيقة.
اقــرأ أيضاً
وكشفت مصادر برلمانية مصرية أن مجلس النواب بصدد إصدار بيان رسمي يُدين فيه "التعنت الإثيوبي" إزاء مفاوضات سد النهضة، لا سيما بعد اتهام القاهرة لأديس بابا بمخالفة التزاماتها القانونية وفق المعاهدات الدولية. ووفقاً للمصادر نفسها، فإن مؤسسة الرئاسة أبلغت رئيس المجلس، علي عبد العال، بضرورة دخول البرلمان على خط الأزمة، باعتباره "ممثلاً شرعياً لجميع المصريين".
وقالت المصادر، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إن دائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي طالبت عبد العال بالتصعيد النيابي في مواجهة أزمة سد النهضة، بعد إعلان فشل الاجتماعات الوزارية الأربعة بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وأضافت المصادر أن الأيام المقبلة ستشهد هجوماً غير معتاد من مجلس النواب ورئيسه على إثيوبيا، وتلويحاً بإمكانية مناقشة طلب برلماني بشأن اتفاق "إعلان المبادئ" الموقع بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) عام 2015 (تنازل بموجبه السيسي عن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل)، في تغيّر نوعي لموقف البرلمان الذي آثر الصمت طوال فترة المفاوضات، بحجة عدم التأثير سلباً على موقف المفاوض المصري.
وأفادت المصادر بأن لجنة الشؤون الأفريقية تجهز حالياً سلسلة من الخطابات، بغرض إرسالها إلى البرلمانات الدولية والأوروبية والأفريقية، تتضمن اتهاماً لإثيوبيا بشأن تجاوزها لأحكام القانون الدولي للمياه، وتهديدها لحق الإنسان في الحياة بتهديد الملايين من المصريين بالعطش، من خلال مضيّها قدماً في خطة ملء السد بما ينتقص من حصة مصر المائية.
وأشارت المصادر إلى عقد لجان العلاقات الخارجية والدفاع والأمن القومي والشؤون الأفريقية اجتماعاً مشتركاً في البرلمان، على هامش جلساته العامة هذا الأسبوع، لمناقشة تطورات مفاوضات سد النهضة في وجود بعض الوزراء والمسؤولين المعنيين، في ضوء سعي أديس بابا لملء خزان السد من دون قيد أو شرط، وعدم التزامها بقواعد حماية دول المصب من الأضرار المحتملة لعملية الملء.
في السياق ذاته، أعربت لجنة الشؤون الأفريقية في البرلمان المصري أخيراً عن استنكارها الشديد من تعامل الجانب الإثيوبي خلال مفاوضات ملء خزان سد النهضة على النيل الأزرق، متهمة أديس بابا بـ"محاولة كسب الوقت بعدم التوصل إلى حل للأزمة، على الرغم من المفاوضات المستمرة بين الدول الثلاث على مدار السنوات الماضية".
واعتبر رئيس اللجنة، النائب طارق رضوان، يوم الجمعة الماضي، أن "إثيوبيا تريد فرض سيطرتها على النيل الأزرق، من خلال ملء وتشغيل سد النهضة بلا أدنى مراعاة للمصالح المائية المشتركة لدول المصب"، مدعياً أن القيادة السياسية ممثلة في السيسي "لن يُفرض عليها أي قرار يضر بمصالح الشعب المصري، أو تفرط في حق المصريين في مياه نهر النيل، كونه شريان الحياة، وقضية أمن قومي في المقام الأول".
وقال رضوان، في تصريح بثته وكالة أنباء "الشرق الأوسط" الرسمية، إن البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية المصرية عن فشل المفاوضات الوزارية بين مصر والسودان وإثيوبيا حول ملف السد "كشف للعالم أجمع تعنت الجانب الإثيوبي، ورفضه الحفاظ على أمن مصر المائي"، مستطرداً أن "السياسة التي تتبعها إثيوبيا لا تستهدف حل الأزمة على الإطلاق، بل تعقيدها بشكل أكبر". وأشار إلى أن مشاركة مصر في الاجتماع المقرر عقده في واشنطن قريباً، مع وزراء الخارجية والمياه لمصر والسودان وإثيوبيا، بحضور وزير الخزانة الأميركي ورئيس البنك الدولي، يعكس مدى اتباع مصر لسياسة الحوار أملاً في حل الأزمة القائمة، وهو الاجتماع الذي بات بلا أفق، بعد فشل اجتماع أديس أبابا يوم الخميس الماضي.
التغير المرتقب في موقف البرلمان المصري حيال أزمة السد، جاء بعد فترة من الصمت استمرت على مدى ثلاثة أشهر، منذ أن تلقى رضوان تعنيفاً لفظياً من عبد العال، في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على خلفية إصدار لجنة الشؤون الأفريقية بياناً تهاجم فيه إثيوبيا، عقب إعلان وزارة الري المصرية فشل مفاوضات سد النهضة، ووصولها إلى "طريق مسدود".
وكان مصدر مصري مسؤول قد قال لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، إن النهج الإثيوبي الحالي "لا ينبئ بحل في المدى القريب عبر آليات التفاوض الطبيعية"، موضحاً أن "استمرار أمد المفاوضات بهذه الطريقة يجرد مصر من كافة أوراق الضغط لديها، ومع الوقت سيدفعها إلى القبول بالأمر الواقع، وهو ما تراهن عليه أديس أبابا"، على حسب تعبيره.
وتطورت الأزمة عقب بيان أصدرته الخارجية الإثيوبية، يوم الخميس الماضي، في أعقاب انتهاء الجولة الرابعة، وقالت فيه إن مصر تقدمت بتصوّر يقترح ملء خزان السد في فترة تتراوح بين 12 إلى 21 سنة، مشددة على أن هذا "أمر غير مقبول"، ما عدّ بمثابة أكبر تصعيد من جانب إثيوبيا منذ انطلاق المفاوضات. واستدعى هذا الأمر رداً مصرياً شديد اللهجة، أول من أمس الجمعة، لتبقى الأنظار متجهة إلى الاجتماع المقبل في واشنطن، وسط خيارات محدودة متاحة أمام مصر التي تلقت، بحسب مصادر "العربي الجديد"، رسائل طمأنة أميركية، بعدما نقلت إليها خطورة الموقف.
وكان وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا سامح شكري وأسماء عبد الله وجيدو أندارجاشيو، قد اتفقوا، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في واشنطن، بحضور وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، ورئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، على خريطة عمل، تنتهي باجتماع في 13 يناير الحالي إلى واحد من أمرين: إما وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق شامل ودائم بين الدول الثلاث حول ملء بحيرة سد النهضة وقواعد تشغيله، والآلية التي سيتم من خلالها مراقبة تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، أو الاتفاق على تمديد المفاوضات بطلب من الراعي الأميركي لها، لفترة محددة أخرى، بعد تقييم ما تم إنجازه خلال المفاوضات الفنية.
وتواصلت "العربي الجديد" مع عدد من المصادر الدبلوماسية والفنية المعنية بمفاوضات سد النهضة، للوقوف على سيناريوهات الفترة المقبلة ومستقبل الأزمة. وفي هذا الصدد، أكد مصدر دبلوماسي مصري أن الأزمة وصلت إلى طريق مسدود، خاصة بعدما كشفت أديس أبابا عن جوابها بشكل صريح، ورفْضها حتى الاعتراف بالاتفاقيات القديمة المنظمة لإدارة نهر النيل، وهو ما يعني أنها تجاهلت مقترحاً أميركياً شاملاً لحل الأزمة بشأن صياغة اتفاقية جديدة بديلة لاتفاقية 1929، والتي تم توقيعها خلال فترة الاحتلال البريطاني، مقابل تجاوُب أديس أبابا مع المطالب المصرية الرامية إلى تأمين حصتها المائية بشكل يخفض الأضرار التي ستتعرض لها خلال فترة عملية ملء خزان السد.
وقال الدبلوماسي المصري نفسه، لـ"العربي الجديد"، إن لقاء واشنطن المقرر غداً الاثنين، لا بد أن يشهد خطاباً شديد اللهجة من المفاوضين المصريين، ولا مفر من استحضار مصطلحات تم استبعادها أخيراً مثل "الخيار العسكري"، وتهديد الأزمة للمنطقة واستقرارها بالكامل، وخطورة ذلك على أمن أوروبا، ومناطق المصالح الأميركية في القارة الأفريقية.
وأكد المصدر أن أديس أبابا لا تبحث عن حلول وسط لحل الأزمة، لكنها تهدف في الأساس إلى تحقيق مصالحها بدون النظر للخسائر والأضرار التي ستلحق بدول المصب. وقال إن "الاجتماع المقبل لن تكون معه حلول رمادية، إما انفراجة واضحة وموثقة برعاية المراقب الأميركي، أو تصعيد كامل".
وأضاف المصدر أن "مصر ستسير في أكثر من اتجاه، أولها متعلق بالخطاب المستخدم، والثاني في التحركات الدولية وفقاً للاتفاقيات المعترف بها في الأمم المتحدة، إذ سيتم تسجيل انتهاك إثيوبيا للاتفاقيات الدولية المعترف بها في الأمم المتحدة، ومن ثم التقدم بشكوى للاتحاد الأفريقي، والعمل على إصدار قرار دولي بوقف عمل السد".
من جهته، قال مصدر خاص إن "الإعلان عن إطلاق المناورات العسكرية قادر 2020، قبل تنفيذها من جانب المتحدث العسكري المصري (تامر الرفاعي)، وقبل انطلاق اجتماع واشنطن المقبل، وشمولها للبحرين الأحمر والمتوسط، رسالة لكافة الأطراف في المنطقة وليس لتركيا فقط".
وأوضح المصدر أن اتصالات على مستوى رفيع جرت بين مسؤول مصري وآخرين أميركيين بعد جولة أديس أبابا الأخيرة، أطْلعهم خلالها على خطورة الموقف وتداعياته، مؤكداً أن الإدارة المصرية ستكون مطالبة برد قوي حال تأكد فشل المفاوضات بشكل كامل، وذلك لتهدئة الشارع الغاضب والذي يتهمها بالتفريط في حقوق مصر المائية.
وكشف المصدر نفسه عن تلقي المسؤول المصري رسائل طمأنة من الجانب الأميركي، بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق ينزع فتيل الأزمة خلال اجتماع واشنطن، أو على الأقل يمنع مزيداً من التدهور في مسار المفاوضات، بحد تعبير المصدر.
في مقابل ذلك، قال مصدر مسؤول في وزارة الري المصرية، له اطلاع على مسار المفاوضات، "إن البيان الأخير الذي أصدرته الخارجية المصرية رداً على البيان الإثيوبي، بعد التشاور مع وزير الري الدكتور محمد عبد العاطي لا يعني الانسحاب من المفاوضات". وأكد أنّ مصر ستحشد كل ما لديها من دراسات فنية وآراء علمية بنت عليها تصورها الذي قدمته خلال جولات المفاوضات الأخيرة بشأن ملء وتشغيل السد.
وقال المصدر إن هدفها الأساسي الذي بنت عليه موقفها وتصورها قائم على الفيضان وإدارة المياه في حالة الفيضان والجفاف وليس عدد السنوات، لافتاً إلى أن مفاوضات واشنطن ستدور حول ملء خزان السد وتشغيله، لوضع قواعد ملزمة لكل الأطراف، بهدف تجنب حدوث أضرار جسيمة لدول المصب.
وكانت وزارة الخارجية الإثيوبية تحدثت في بيانها الأخير الذي تسبب في التصعيد المصري، عن تقديم مصر مقترحاً لملء خزان السد في فترة تتراوح بين 12 و21 سنة، الأمر الذي نفته الأخيرة. وقالت الخارجية الإثيوبية إنها اقترحت خطة لملء خزان السد تعتمد على مراحل وتستغرق من 4 إلى 7 سنوات، استناداً إلى تدفقات الفيضان. وأشارت إلى أن مقترحها يُراعي التخفيف في حالات الجفاف أو الجفاف المطول أثناء ملء وتشغيل السد، ويأخذ بعين الاعتبار عدم إلحاق ضرر جسيم بدولتي المصب، في إشارة إلى مصر والسودان. وذكرت الخارجية الإثيوبية أن أديس أبابا "ترفض أي محاولة مباشرة أو غير مباشرة لجعلها تقبل معاهدات استعمارية جائرة وغير منصفة أو غيرها من المعاهدات التي ليست طرفاً فيها".
واستدعى هذا البيان رداً من وزارة الخارجية المصرية، مساء الجمعة الماضي، وصفت فيه ما أوردته أديس أبابا بالمغالطات. وشددت وزارة الخارجية المصرية في بيانها على أن "القاهرة انخرطت في مفاوضات السد بحسن نية، وبروح إيجابية تعكس رغبتها في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يحقق المصالح المشتركة لمصر وإثيوبيا"، مستدركة أن "مصر لم تطلب ملء السد في فترة تمتد من 12 إلى 21 سنة، بل تمسكت بعملية الملء على مراحل، تعتمد سرعة تنفيذها على الإيراد السنوي للنيل الأزرق".
واعتبرت الخارجية المصرية أن الاجتماعات الوزارية الأربعة لم تُفضِ إلى تحقيق تقدم ملموس بسبب تعنت إثيوبيا وتبنّيها مواقفا مغاليا فيما تكشف عن نيتها في فرْض الأمر الواقع وبسْط سيطرتها على النيل الأزرق وملء وتشغيل سد النهضة بدون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب، وبالأخص مصر بوصفها دولة المصب الأخيرة، بما يخالف التزامات إثيوبيا القانونية وفق المعاهدات والأعراف الدولية، وفي مقدمتها اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 23 مارس/آذار 2015، وكذلك اتفاقية 1902 التي أبرمتها إثيوبيا بإرادتها الحرة كدولة مستقلة، واتفاقية 1993 التي تعهّدت فيها بعدم إحداث ضرر بمصالح مصر المائية، إلا أن إثيوبيا تسعى للتحكم في النيل الأزرق كما تفعل في أنهار دولية مشتركة أخرى تتشاطر فيها مع دول شقيقة.
وكشفت مصادر برلمانية مصرية أن مجلس النواب بصدد إصدار بيان رسمي يُدين فيه "التعنت الإثيوبي" إزاء مفاوضات سد النهضة، لا سيما بعد اتهام القاهرة لأديس بابا بمخالفة التزاماتها القانونية وفق المعاهدات الدولية. ووفقاً للمصادر نفسها، فإن مؤسسة الرئاسة أبلغت رئيس المجلس، علي عبد العال، بضرورة دخول البرلمان على خط الأزمة، باعتباره "ممثلاً شرعياً لجميع المصريين".
وقالت المصادر، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إن دائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي طالبت عبد العال بالتصعيد النيابي في مواجهة أزمة سد النهضة، بعد إعلان فشل الاجتماعات الوزارية الأربعة بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وأضافت المصادر أن الأيام المقبلة ستشهد هجوماً غير معتاد من مجلس النواب ورئيسه على إثيوبيا، وتلويحاً بإمكانية مناقشة طلب برلماني بشأن اتفاق "إعلان المبادئ" الموقع بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) عام 2015 (تنازل بموجبه السيسي عن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل)، في تغيّر نوعي لموقف البرلمان الذي آثر الصمت طوال فترة المفاوضات، بحجة عدم التأثير سلباً على موقف المفاوض المصري.
وأفادت المصادر بأن لجنة الشؤون الأفريقية تجهز حالياً سلسلة من الخطابات، بغرض إرسالها إلى البرلمانات الدولية والأوروبية والأفريقية، تتضمن اتهاماً لإثيوبيا بشأن تجاوزها لأحكام القانون الدولي للمياه، وتهديدها لحق الإنسان في الحياة بتهديد الملايين من المصريين بالعطش، من خلال مضيّها قدماً في خطة ملء السد بما ينتقص من حصة مصر المائية.
وأشارت المصادر إلى عقد لجان العلاقات الخارجية والدفاع والأمن القومي والشؤون الأفريقية اجتماعاً مشتركاً في البرلمان، على هامش جلساته العامة هذا الأسبوع، لمناقشة تطورات مفاوضات سد النهضة في وجود بعض الوزراء والمسؤولين المعنيين، في ضوء سعي أديس بابا لملء خزان السد من دون قيد أو شرط، وعدم التزامها بقواعد حماية دول المصب من الأضرار المحتملة لعملية الملء.
في السياق ذاته، أعربت لجنة الشؤون الأفريقية في البرلمان المصري أخيراً عن استنكارها الشديد من تعامل الجانب الإثيوبي خلال مفاوضات ملء خزان سد النهضة على النيل الأزرق، متهمة أديس بابا بـ"محاولة كسب الوقت بعدم التوصل إلى حل للأزمة، على الرغم من المفاوضات المستمرة بين الدول الثلاث على مدار السنوات الماضية".
واعتبر رئيس اللجنة، النائب طارق رضوان، يوم الجمعة الماضي، أن "إثيوبيا تريد فرض سيطرتها على النيل الأزرق، من خلال ملء وتشغيل سد النهضة بلا أدنى مراعاة للمصالح المائية المشتركة لدول المصب"، مدعياً أن القيادة السياسية ممثلة في السيسي "لن يُفرض عليها أي قرار يضر بمصالح الشعب المصري، أو تفرط في حق المصريين في مياه نهر النيل، كونه شريان الحياة، وقضية أمن قومي في المقام الأول".
وقال رضوان، في تصريح بثته وكالة أنباء "الشرق الأوسط" الرسمية، إن البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية المصرية عن فشل المفاوضات الوزارية بين مصر والسودان وإثيوبيا حول ملف السد "كشف للعالم أجمع تعنت الجانب الإثيوبي، ورفضه الحفاظ على أمن مصر المائي"، مستطرداً أن "السياسة التي تتبعها إثيوبيا لا تستهدف حل الأزمة على الإطلاق، بل تعقيدها بشكل أكبر". وأشار إلى أن مشاركة مصر في الاجتماع المقرر عقده في واشنطن قريباً، مع وزراء الخارجية والمياه لمصر والسودان وإثيوبيا، بحضور وزير الخزانة الأميركي ورئيس البنك الدولي، يعكس مدى اتباع مصر لسياسة الحوار أملاً في حل الأزمة القائمة، وهو الاجتماع الذي بات بلا أفق، بعد فشل اجتماع أديس أبابا يوم الخميس الماضي.
التغير المرتقب في موقف البرلمان المصري حيال أزمة السد، جاء بعد فترة من الصمت استمرت على مدى ثلاثة أشهر، منذ أن تلقى رضوان تعنيفاً لفظياً من عبد العال، في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على خلفية إصدار لجنة الشؤون الأفريقية بياناً تهاجم فيه إثيوبيا، عقب إعلان وزارة الري المصرية فشل مفاوضات سد النهضة، ووصولها إلى "طريق مسدود".
وكان مصدر مصري مسؤول قد قال لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، إن النهج الإثيوبي الحالي "لا ينبئ بحل في المدى القريب عبر آليات التفاوض الطبيعية"، موضحاً أن "استمرار أمد المفاوضات بهذه الطريقة يجرد مصر من كافة أوراق الضغط لديها، ومع الوقت سيدفعها إلى القبول بالأمر الواقع، وهو ما تراهن عليه أديس أبابا"، على حسب تعبيره.