المعارضة الموريتانية: تشتت وضعف يستثمرهما النظام

15 سبتمبر 2019
لم تستثمر المعارضة مكاسب الحراك الشعبي (حبيبو كوياتي/فرانس برس)
+ الخط -
تحصد المعارضة الموريتانية حالياً ثمار ما جنته يداها في الانتخابات التشريعية والبلدية والرئاسية التي نظمت ما بين سبتمبر/أيلول 2018 ويونيو/حزيران 2019، فبعدما فشلت في جرّ المرشح الفائز، أي الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، إلى جولة ثانية، بعدما كانت قاب قوسين أو أدنى من ذلك لو كانت توافقت على مرشح واحد، عجزت عن التصويت مجتمعة ضد البرنامج الحكومي الذي أقرّه البرلمان أخيراً بأغلبية ساحقة. ويرى مراقبون أن ما تعيشه المعارضة الموريتانية من تشتت وضعف يرتبط أساساً بالفترة التي سبقت الانتخابات، حين فشلت في الاستعداد الجيد لها، والاتفاق على مرشحين قادرين على خوض منافسة قوية مع مرشحي النظام، الذين اعتمدوا على محيطهم الاجتماعي والدعم المادي السخي الذي قدمه رجال الأعمال الموالون للأغلبية.

ولم تستثمر المعارضة كل المكاسب التي حققتها خلال فترة الربيع العربي والحراك الشبابي الشعبي الذي رفع عدد أنصارها، ما سمح لها بالخروج في مسيرات حاشدة لم تعرفها موريتانيا من قبل، ودفعت الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الى التراجع عن فكرة تعديل الدستور ليتمكن من الترشح لولاية ثالثة. كما أوقفت المعارضة، في أوج قوتها المستمدة من الحراك الشعبي الرافض لولاية ثالثة للرئيس، مشروع التعديلات الدستورية الذي عرض على مجلس الشيوخ، وتمكنت من إقناع هذا المجلس برفض المقترح المقدم من رئيس البلاد، ليلجأ الأخير الى الاستفتاء الشعبي الذي لم تحسن المعارضة التعامل مع ما يتطلبه من تعبئة واستعداد، فحصل ولد عبد العزيز على إقرارٍ بالتعديلات الدستورية، لكن بعد إلغاء بند الولاية الثالثة.



وإمعاناً منه في التنكيل بكل من يساند المعارضة، ألغى الرئيس الموريتاني السابق الغرفة الثانية في البرلمان (مجلس الشيوخ)، التي عارضته ورفضت مقترحه، قبل أن يدفع بكل ثقله في الانتخابات التشريعية والبلدية مسانداً وداعماً لمرشحي النظام، ورافضاً لأي دور مستقبلي قد تؤديه المعارضة إن تمكنت من الفوز بنسبة مهمة من المقاعد النيابية أو في المجالس البلدية والجهوية.

ويرى المحلل السياسي محمد السالك ولد الشيخ، أن إصرار ولد عبد العزيز على الفوز الكاسح في الانتخابات التشريعية والبلدية، سلب المعارضة كل الألق الذي كسبته إبان الربيع العربي، إذ إنها حققت نتائج هزيلة هي الأدنى في تاريخها منذ سنوات. 

ويعتبر ولد الشيخ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المعارضة ساعدت النظام في سعيه هذا، حين تقاعست عن الاستعداد الجيد للانتخابات، وقدمت شخصيات لا تملك تأثيراً شعبياً قوياً، وبالتالي لم تستطع منافسة مرشحي النظام. كما أن قياداتها التاريخية استمرت في مراكزها على الرغم من أنها تجاوزت السن القانونية للترشح، فهي بالتالي فوّتت على الأحزاب فرصة الفوز بالمقاعد النيابية، إضافة الى عدم حصولها على التمويل الكافي بعدما حاصر النظام رجال الأعمال الداعمين للمعارضة بالضرائب والتهم، وجمّد بعض أرصدتهم المصرفية.

ويشير المحلل السياسي الموريتاني الى أن تخلي بعض القيادات عن نهجها المعارض وانصهارها في ركب الداعمين للرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، انعكس بدوره سلباً على مكانة المعارضة في الشارع السياسي. كما أن ما يروج حالياً عن عزم الرئيس تعيين شخصيات معارضة في مناصب مهمة، سيزيد الوضع تعقيداً بالنسبة لها.

ويلفت ولد الشيخ إلى وجود رسائل سياسية يصر البعض على إقناع الرأي العام بها، مفادها بأن المعارضة تعرضت لهزات وانشقاقات قوية وأنها باتت تحتضر ولا يمكن التعويل عليها في أي تنافس انتخابي، فيما تتهم المعارضة النظام بخلط الأوراق داخل أحزابها ومحاولة إغراء القادة والناشطين في صفوفها للالتحاق بالأغلبية التي تدعم الغزواني.

ويرى المحلل السياسي أن المعارضة الموريتانية لا تزال تفتقر إلى سياسة النفس الطويل، والى ديناميكية حقيقية ترتكز على برامج وخطط وأهداف لكل مرحلة، خاصة أنها تواجه نظاما لا تتغير أساليبه رغم اختلاف الأزمنة والقادة.  

ولم تعترف المعارضة ممثلة في "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" بنتائج الانتخابات الرئاسية ووصفتها بـ"المزورة والتي لا تعكس الإرادة الشعبية للناخبين"، وقدمت طعوناً رفضت من قبل المجلس الدستوري الذي أعلن فوز مرشح الأغلبية الحاكمة محمد ولد الغزواني بالجولة الأولى من الانتخابات، بعدما حصل على 52 في المائة من أصوات الناخبين.

ودفعت المعارضة بأربعة مرشحين في الانتخابات الرئاسية، مقابل مرشح واحد للسلطة، لم ينجح أي منهم في جر مرشح النظام لجولة ثانية، وهو ما اعتبره المراقبون إخفاقاً كبيراً للمعارضة.

ويضم "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" 11 ائتلافاً حزبياً، إضافة الى منظمات المجتمع المدني ونقابات، وتأسس بهدف معارضة نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، واستمر في معارضته للرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، لكنه فشل في خطّته السياسية التي رسمها منذ عشر سنوات بفرض التغيير الحقيقي، رغم أنه تمكن من إزاحة ولد عبد العزيز عن المشهد السياسي، ولو الى حين.

ويرى الباحث السياسي محمد ولد سيدي أحمدنا أن استراتيجية المعارضة للمرحلة الحالية لا تزال غير واضحة، فهي تنتظر النهج الذي سيسلكه الرئيس الجديد لتبني عليه مواقفها من النظام وخطتها المقبلة لمعارضته. ويضيف ولد سيدي أحمدنا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الرئيس لم يظهر حتى الآن ميلاً، لا الى التغيير ولا إلى الاستمرار في النهج السابق، فهو بين هذا وذاك يتحسس خطواته بحذر فيما تتفادى المعارضة انتقاده حالياً، في انتظار أن تتضح الرؤية أمامها. ويرى الباحث السياسي أنه يتوجب على المعارضة الموريتانية البحث عن قيادات جديدة وانتخاب أطر قادرة على إنجاز أهداف المرحلة المقبلة والدخول في تحالفات حقيقية مع أحزاب أخرى ووضع خطط بعيدة المدى لتجديد خطابها.



 

 

المساهمون