توتر "حشد الشبك" والبشمركة: سهل نينوى ساحة لتصفية الحسابات

13 سبتمبر 2019
قوات من البشمركة في الموصل عام 2016 (يونس كلس/الأناضول)
+ الخط -
يفيد سياسيون ومراقبون عراقيون بتصاعد حدة الخلافات خلال الأسابيع الماضية بين قوات البشمركة، وتحديداً قوات "الزيرفاني" فيها، ومليشيا "حشد الشبك" في مناطق حدودية عند أطراف سهل نينوى، شمال وغربي الموصل، مع إقليم كردستان العراق، ما يرفع منسوب الخوف من تفجّر صدامات مسلحة بين الجانبين، على الرغم من استبعاد بعض المتابعين لهذا الأمر. وسهل نينوى ذو الغالبية العربية المسيحية، تسيطر على أغلب مدنه التسعة، منذ قرابة العامين مليشيات متعددة، أبرزها "حشد الشبك"، وهي مليشيا تتبع للأقلية "الشبكية"، إحدى مكونات محافظة نينوى الإثنية، وتتمتع بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني. وقد أدرج زعيمها وعد القدو الذي يتولى أمور المليشيا مع عدد من أشقائه وأبناء عمه، أخيراً على لائحة العقوبات الأميركية. وتعتبر "حشد الشبك" والمعروفة أيضاً بـ"اللواء 30" في "الحشد الشعبي"، أبرز الفصائل المسلحة المتهمة بجرائم تطهير طائفية وانتهاكات واسعة وعرقلة جهود إعادة العراقيين المسيحيين والآشوريين والمسلمين لمدنهم في بلدات برطلة وتلكيف وتلسقف والحمدانية وبعشيقة ومناطق أخرى، من خلال فرض إجراءات عديدة عليهم لا تعتبر قانونية ولا تتبناها الحكومة، من بينها تضييق محاولات إعادة تأهيل منازل ومبان سكنية مختلفة، واستخدام مزارع وعقارات كمخازن ومقرات، ورفض إخلائها.

في السياق، اتهم مسؤول محلي بارز في محافظة نينوى الحكومة في بغداد بأنها "فاقمت الأزمة في سهل نينوى بعد موافقتها على بقاء حشد الشبك هناك، وتسليمها ثلاث دبابات من طراز (تي 72) عقب تمردها الشهر الماضي على قرار هيكلة فصائل الحشد، إذ تمّ استثناء المليشيا في النهاية من القرار، في خطوة اعتبرت أنها جاءت بضغط من إيران التي تتبنى رعاية حشد الشبك". وأوضح المسؤول نفسه أنّ مليشيا "حشد الشبك أو اللواء 30، موجودة على خطوط تماس مع قوات تابعة للبشمركة ضمن أطراف سهل نينوى وسدّ الموصل وقرى مسيحية أخرى حدودية مع الإقليم"، لافتاً إلى أنّ "الدبابات الأخيرة التي تسلمتها المليشيا من الحكومة، تمّ نقلها إلى منطقة على طريق بلدة مخمور، جنوبي شرقي الموصل، مقابلة لقوات البشمركة، وهو ما اعتبر استفزازاً جديداً للأخيرة".

وعبّر المسؤول عن مخاوفه من أنّ ما وصفه بـ"تكدّس الفصائل المسلحة في مناطق سهل نينوى قد يحولها إلى ساحة تصفية حسابات، أو كسر إرادات، إذ يتزامن ذلك مع الحديث عن مشروع خطّ النفط الإيراني إلى منطقة بانياس السورية مروراً بسهل نينوى، فيما يتحدث آخرون عن أنها مناكفة إيرانية لمشروع أميركي، يعرف باسم تثبيت الاستقرار في سهل نينوى ويرتكز على إعادة العراقيين المسيحيين وباقي الأقليات إلى مناطقهم، وهو ما تعيق الوصول إليه المليشيات الموجودة هناك بشكل أو بآخر". ويعتبر مختصون في الشأن العراقي أنّ الخلاف بين الطرفين أساسه عداء قديم مرتبط بجوانب اقتصادية وعنصرية تاريخية. ويتعمّق هذا العداء كلما فُتح ملف المادة 140 من الدستور العراقي التي تضع آليات حلّ الخلافات بين بغداد وأربيل بشأن المناطق المتنازع عليها.


وفي الوقت الذي تسيطر فيه قوات مليشيا "حشد الشبك"، مع مليشيا "بابليون" التابعة لـ"الحشد الشعبي"، على أغلب مناطق سهل نينوى، تنتشر قوات البشمركة في المقابل لتأمين حدود إقليم كردستان، وتحديداً الفرقة السادسة ذات الخليط القومي، والتي تحمل اسم قوات "الزيرفاني"، وتضم الآلاف من العرب والتركمان والأكراد والمسيحيين. وتواصل وزارة البشمركة استقطاب المزيد من مكونات نينوى القومية والدينية ضمن "الزيرفاني"، في خطوة يراها قادة المليشيات أنها تأتي ضمن حركات توسعية من أجل السيطرة على المنطقة، ويعتبرون ذلك أمراً يجب التصدي له.

في الإطار نفسه، أكّد عضو في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، في حديث مع "العربي الجديد"، وجود توتر "متذبذب صعوداً ونزولاً" بين البشمركة و"حشد الشبك"، موضحاً أنّ "الأمر يزداد خطورة مع مرور الوقت، وتجمّع الحوادث بين فترة وأخرى، خصوصاً أنّ المليشيات عموماً في سهل نينوى هي الأقل انصياعاً للحكومة العراقية في بغداد من بين باقي الفصائل في مناطق أخرى كالأنبار وصلاح الدين". ولفت إلى أنّ "السبب الأبرز في هذا الشرر المتطاير حالياً هو ما يرتبط بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها"، مشيراً إلى أنّ "الحشد الشعبي عموماً لديه إشكالات مع هذه المادة، وهناك تزايد ملحوظ بالحساسية بين الطرفين التي ستؤدي في النهاية إلى مشاكل أمنية". ورأى أنّ هذا الأمر "قد يستغله تنظيم داعش الذي يملك خلايا نائمة في مخمور ومناطق أخرى".

من جهته، أشار عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، عماد باجلان، في اتصال مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "قوات البشمركة وتحديداً الزيرفاني مستمرة بالمرابطة في مواضعها على حدود الإقليم وبالقرب من سهل نينوى، على الرغم من وجود تحسّس بالغ من جانب الحشد الشعبي، وتحديداً حشد الشبك وقياداته. فهم يعملون على إثارة النزعات الطائفية العنصرية بين الأكراد والشبك، ويبثون شائعات وسموم عن أنّ قوات البشمركة تريد الاستحواذ على سهل نينوى، ونحن نلاحظ هذا الأمر منذ عشر سنوات".

وأضاف باجلان أنّ "معظم منتسبي حشد الشبك وقياداته يتجولون بكل حرية في مناطق إقليم كردستان. في المقابل، فإنّ قوات البشمركة حين تنزل إلى سهل نينوى تتم مضايقتها بحجج مثل رفع العلم الكردي، وهذا العداء تقوده عائلة القدو". ونفى باجلان أن يكون سبب الخلاف هو تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، موضحاً أنّ مليشيا "الحشد لا يمكنها تحديد ما يمكن وما لا يمكن تطبيقه من دستور العراق. هي قوة قتالية لا أكثر، وليس من حقها التدخّل بالأمور السياسية والقانونية، فالحديث عن المناطق المتنازع عليها هو حديث دستوري وليس عسكري".

بدوره، علّق القيادي في "حشد الشبك" في سهل نينوى، سعد القدو، على الوضع الحالي بالقول إنّ "حزب مسعود البارزاني يعمل باستمرار على استقطاع الأراضي والوحدات الإدارية من نينوى، مع العلم أنّ أهالي المحافظة من كل المكونات يرفضون ذلك، ولديهم سخط كبير على قوات البشمركة التي تخاذلت وانسحبت ولم تقاوم عناصر تنظيم داعش الذين احتلوا المحافظة، واقتحموا المناطق التي كانت القوات الكردية تسيطر عليها، مثل سهل نينوى وسنجار، وتركت الأهالي يواجهون إبادة جماعية". وتابع في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحزب الديمقراطي الكردستاني مستمرٌ بسياسة الاستيلاء على الأراضي في نينوى منذ عام 2003، وقد بلغت الوحدات الإدارية التي سيطرت عليها البشمركة بطرق غير قانونية، 16 وحدة إدارية. ولكن مع انطلاق عمليات تحرير نينوى، قبل عامين، تمَّت استعادة بعض هذه الوحدات ومنها الحمدانية وبرطلة وبعشيقة وتلكيف، والتي أصبحت بعهدة القوات العراقية". وأضاف: "لكن يزال الحزب الديمقراطي يسعى بكل جهوده من أجل استعادة المناطق التي كان يسيطر عليها، وبطبيعة الحال هذا الأمر لا يعني الاشتباك والاقتتال مع القوات الكردية، لأننا عراقيون وهم أيضاً عراقيون".

من جهته، استبعد المراقب للشأن الأمني في العراق سرمد البياتي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تصل الحساسية بين الحشد الشبكي وقوات البشمركة إلى الاشتباك العسكري"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن لإيران أن تدفع الحشد لهذا الخيار، والأمر نفسه بالنسبة لأميركا التي لا تستطيع دفع القوات الكردية نحو خيار الحرب". وأوضح البياتي أنه "من الصعب تحويل سهل نينوى إلى ساحة حرب وتصفية حسابات بين طهران وواشنطن، لا سيما مع وجود علاقات طيبة بين القادة العقلاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس الحكومة عادل عبد المهدي. ولكن هذا لا يمنع حصول حوادث تصنّف على أنها عرضية أو فردية بين الجنود على مستوى اشتباكات سرعان ما تنتهي، كما حدث قبل أشهر من الآن".