حرب السعودية على "حماس": عشرات المعتقلين لأسباب سياسية

11 سبتمبر 2019
مشاركون بذكرى تأسيس "حماس" بغزة في ديسمبر الماضي(محمود عيسى/Getty)
+ الخط -
أفصح بيان حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، المتعلّق باعتقال السعودية لمسؤول العلاقات السابق ومن يمكن وصفه بأنه ممثل الحركة "غير الرسمي" في المملكة محمد الخضري ونجله هاني عما ظلّ حبيس الأدراج لأشهر من قبل حماس، رغم أن الرياض تكرر وصف الحركة بالإرهابية على لسان أرفع مسؤوليها، مثل وزير الخارجية الفعلي المنتقل إلى وزارة الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير. وبدت الحركة وهي تعلن في بيان أوّل من أمس الإثنين، عن اعتقال جهاز أمن الدولة السعودي في إبريل/نيسان الماضي الخضري ونجله وكأنها تخشى مصيراً صعباً للرجلين، في ظلّ انقطاع تام للعلاقة بين الجانبين، وخصوصاً مع ما سربته وسائل إعلام سعودية عن محاولة غير مباشرة جرت أخيراً لمنع تطوير العلاقة بين "حماس" وإيران. 

وتعرّضت الحركة عقب إعادة تطوير علاقتها أخيراً مع إيران لسيل من الاتهامات في وسائل الإعلام السعودية ومن قبل الإعلام الموالي للمملكة وأيضاً من قبل صحافيين سعوديين، واتُهمت "حماس" في هذا الموضع وغيره، بأنها إحدى أذرع إيران في فلسطين، على الرغم من نفيها ذلك.

وقالت "حماس" في بيانها الإثنين الماضي، إنّ جهاز مباحث أمن الدولة السعودي "اعتقل يوم 4 إبريل الماضي، القيادي محمد صالح الخضري المقيم في جدّة منذ نحو ثلاثة عقود"، ووصفت الاعتقال بأنه "خطوة غريبة ومستهجنة". وذكرت أيضاً أنّ الجهاز نفسه يعتقل النجل الأكبر، للخضري، ويدعى هاني، "بدون أي مبرّر". وأشارت الحركة إلى أنّ اعتقال الخضري ونجله يأتي "ضمن حملة طاولت العديد من أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في السعودية"، من دون مزيد من الإيضاحات.

والخضري (81 عاماً) وهو طبيب استشاري لأمراض الأنف والأذن والحنجرة، كان مسؤولاً عن إدارة العلاقة مع المملكة العربية السعودية على مدى عقدين من الزمان، كما تقلّد مواقع قيادية عليا في الحركة، وتصفه أوساط في "حماس" بأنه الممثل "غير الرسمي" للحركة في المملكة لنحو عشرين عاماً. ووفق معلومات "العربي الجديد"، فإنّ الخضري قيادي في "حماس" وكان يتمتّع بهذه الصفة الرسمية في السعودية، ولم يكن قبل اعتقاله يعاني من أي مشاكل مع سلطاتها الأمنية والرسمية، وكان جزءاً من علاقة الحركة بالرياض، وضيفاً على المسؤولين الرسميين في البلاد.

وطاولت حملة الاعتقالات السعودية، وفق مصادر في "حماس" تحدّثت لـ"العربي الجديد"، أربعة وستين عنصراً مؤيداً ومناصراً وداعماً للحركة في المملكة، وكانت بدأت بالتزامن مع حملة الاعتقالات التي طاولت علماء ودعاة ومدافعين عن الحريات في السعودية، وتزامنت أيضاً مع فرض الحصار على دولة قطر وقطع العلاقات معها من قبل الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة في 5 يونيو/حزيران عام 2017. وذكرت المصادر نفسها أنّ المعتقلين فلسطينيون وأردنيون من أصول فلسطينية حاولت الحركة التوسّط للإفراج عنهم، لكنها لم تنجح في ذلك. وتشير مصادر "حماس" إلى أنّ الحركة تخشى توسّع دائرة الاعتقالات لتطاول آخرين، إضافة لخشيتها من تعرّض هؤلاء لأحكام قضائية قاسية.

وكان "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، قد طالب يوم الجمعة الماضي، السلطات السعودية بالكشف الفوري عن مصير عشرات الفلسطينيين ممن تعرضوا للإخفاء القسري، وإطلاق سراحهم ما لم يتم توجيه تهم لهم. وقال "المرصد الأورومتوسطي"، ومقره جنيف، في بيان، إنه لم يستطع تحديد رقم دقيق لعدد المعتقلين الفلسطينيين، غير أنه حصل على أسماء نحو 60 شخصاً، فيما تشير تقديرات الجالية الفلسطينية في السعودية إلى أنّ العدد يفوق ذلك بكثير.

وعلى الرغم من ذلك، رفضت مصادر "حماس"، إعلان أسماء أخرى لأشخاص معتقلين في المملكة، وقالت إنّ الإقدام على ذلك في الوقت الحالي قد يحدث مزيداً من الضغط على أسر هؤلاء المعتقلين ويعرضهم لمزيد من الخطر.

وفي السياق، ذكر مصدران في الجالية الفلسطينية في السعودية لـ"العربي الجديد"، أنّ المعتقلين يعانون أوضاعاً قاسية في السجون، وأنّه تمّ منع الزيارات عن غالبيتهم لفترات طويلة، ومن يسمح له بالزيارة تخضع لحراسة أمنية مشددة وبحضور من عناصر أمنية سعودية. وأوضح المصدران أنّ مجرد التعاطف مع "حماس" في السعودية حالياً يمكن أنّ يودي بالمتعاطف إلى السجن، عكس الفترات السابقة التي كان يجري فيها جمع التبرعات بشكل "علني" للحركة في المساجد السعودية المختلفة، ومن المسؤولين في البلاد.

وتعقيباً على إعلان "حماس" خبر اعتقال الخضري، قال الناطق باسم الحركة، حازم قاسم، لـ"العربي الجديد"، إنّ حركته التزمت الصمت على مدار الأشهر الماضية "لإفساح المجال أمام الاتصالات الدبلوماسية والوساطات، لكن هذا الحراك للإفراج عن الخضري ونجله والمعتقلين الآخرين وصل إلى طريق مسدود".

وأكدّ قاسم أنّ الاعتقالات "أمر مؤسف وغير مبرر ولا يمكن فهمه"، موضحاً أنّ "المناضلين من أمثال الدكتور الخضري، بحكم تاريخهم النضالي يجب أنّ يكونوا في مكان ترحاب في أي مكان ينزلون فيه، ولا يمكن ولا يعقل أن يكون مكانهم السجن".

وأشار قاسم إلى أنه من غير المقبول حديث البعض عن أنّ العلاقة مع إيران هي سبب هذه الاعتقالات، فـ"هذا أمر غير منطقي، ولا يمكن أنّ نقبله بحال من الأحوال"، مؤكداً أنّ حركته "مع علاقة متوازنة مع الجميع، وعلاقتها بإيران واضحة وعلنية، بحكم ما تقدمه دعماً للمقاومة". وشدّد الناطق باسم "حماس" على أنّ الحركة "تسعى لتجنيد الدعم للشعب الفلسطيني ومقاومته، ولم تدخل سابقاً ولن تدخل لاحقاً في أحلاف ضدّ أحلاف أخرى".

وفي السياق ذاته، استبعد الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ تكون العلاقة بين "حماس" وإيران أحد أسباب الأزمة بين الحركة والسعودية، موضحاً أنّ "حركة المقاومة الإسلامية تفصل بين التقائها مع إيران في العداء لإسرائيل، والدخول في حلف واسع مع طهران في ظلّ إشكالياتها الإقليمية".

ورأى المدهون أنّ خروج "حماس" ببيان حول المعتقلين هو "محاولة لإنهاء ملف الاعتقال، وليس لتفجير أزمة مع السعودية، فالحركة ليس سهلاً عليها أنّ تُخرج للعلن ما يمكن أنّ يؤثر على علاقتها، خصوصاً بالمملكة، وهي اضطرت لهذا البيان بعد محاولاتها العديدة لمنع استمرار اعتقال الخضري ونجله والمعتقلين الآخرين".

وأوضح المدهون أنّ "حماس" قامت بالعديد من المحاولات للإفراج عن المعتقلين وإنهاء الملف بعيداً عن الإعلام، في ظلّ القطيعة من طرف واحد التي تمارسها السعودية مع الحركة، موضحاً أنّ "المملكة لا تريد العلاقة والتواصل مع حماس، ولكن الأخيرة تريد هذه العلاقة، وتفضل أنّ تعود كما كانت عليه في السابق، وحاولت أكثر من مرة عبر أكثر من مبادرة التقارب مع السعودية، ولكن دون جدوى".

وتابع المدهون أنّ "حماس سعت كثيراً لتصفير مشاكلها مع أي دولة ولا سيما السعودية، وأدخلت دولاً وأشخاصاً كوسطاء للإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين في المملكة من دون أن ينجحوا في الوصول لحلّ". وأشار كذلك إلى أنّه "من الصعب على أي دولة تريد أنّ يكون لها فعالية إقليمية أو فعالية في القضية الفلسطينية تجاوز حماس".

وتدهورت علاقة "حماس" بالسعودية عقب انهيار اتفاق مكة للمصالحة مع حركة "فتح" في فبراير/شباط 2007، والذي حمّلت الرياض مسؤولية انهياره لـ"حماس" التي حسمت عسكرياً في غزة بعده بأربعة أشهر، وحمّلت السلطة الفلسطينية مسؤولية ما حدث.

لكن العلاقة بعد ذلك بأعوام تحسّنت قليلاً وإن لم تعد لسابق عهدها، واستضافت المملكة مسؤولين بارزين في "حماس" وذراعها العسكرية كتائب "القسام"، من غزة بشكل رسمي في مواسم حج وعمرة مختلفة، ولكن من دون أنّ ينجح هؤلاء في إعادة تصويب العلاقة مجدداً.

وحاولت "حماس" أكثر من مرة مجاملة السعودية، خصوصاً عقب اندلاع الأزمة في اليمن وقطيعة الحركة مع إيران قبل إعادة العلاقات أخيراً لمسارها الطبيعي بين الطرفين، لكن ذلك لم يشفع لها ولم يغيّر حال علاقتها بالسعودية الذي ينحدر نحو الأسوأ على نحو متسارع. ويرتبط الموقف السعودي من "حماس" عموماً بالخط السياسي العريض الذي تنتهجه المملكة منذ سنوات، تحديداً لجهة طي صفحة القضية الفلسطينية، والتطبيع الفعلي مع إسرائيل، التي باتت بمثابة الحليف بالنسبة لطيف وازن من القيادة السعودية وإعلاميين مقربين منها، على ما تفيد تصريحات وسلوكيات سياسية كثيرة تذهب في هذا الاتجاه، فضلاً طبعاً عن حسم الرياض قرارها باعتبار أن عدوها الوحيد هو طهران، لا تل أبيب.

وكان عادل الجبير قال عقب فرض الحصار على دولة قطر، إنّ بلاده تطلب وقف دعم الدوحة لحماس "المتطرفة والإرهابية". وردّت الحركة في حينها للمرة الأولى على موقف سعودي بإدانته ورفضه، ووصفته بالتضليل للرأي العام والتشويه لمقاومة الشعب الفلسطيني المشروعة.

المساهمون