لم تكد تمر أيام على إعلان النظام السوري تقويضه تفاهم الثلاثي، الروسي والتركي والإيراني، في جولة "أستانة 13" على هدنة في شمال غربي سورية، حتى حققت قواته، تحت غطاء جوي غير مسبوق، تقدماً في ريف حماة الشمالي، يؤكد أن النظام ماضٍ في خطته قضم مناطق المعارضة في محافظة إدلب ومحيطها، وفتح الطرق الدولية بالقوة. وسيطرت قوات النظام، أمس الأربعاء، على قريتين هامتين في ريف حماة الشمالي الذي يعد خط الدفاع الأول عن عمق محافظة إدلب، معقل المعارضة البارز، بل وتحاول التقدم باتجاه أبرز مدن هذا الريف، وهو ما يدفع المنطقة إلى صدام كبير، بهدف فرض إرادة النظام والجانب الروسي على فصائل المعارضة، التي تحاول صد محاولات النظام إحداث اختراق كبير في مناطق سيطرتها الاستراتيجية.
وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام سيطرت، بعد اشتباكات مع الفصائل دامت لساعات، ووسط قصف جوي ومدفعي وصاروخي مكثف، على قريتي الأربعين والزكاة في ريف حماة الشمالي، ما يجعلها على مشارف بلدتي اللطامنة وكفرزيتا الهامتين في نفس الريف. وكانت قوات النظام شنت هجوماً، الثلاثاء الماضي، على قرية الأربعين، استخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة المدفعية والصاروخية، بمؤازرة سلاح الجو الحربي والمروحي والطائرات الحربية الروسية.
وأكد العقيد مصطفى البكور، قائد العمليات في "جيش العزة"، أبرز فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "شدة القصف" وراء تراجع فصائل المعارضة السورية، مشيراً إلى أن الزكاة سقطت نارياً بعد سيطرة قوات النظام على قرية الأربعين. وأوضح أن قوات النظام تحاول التقدم باتجاه كفرزيتا، واصفاً ما يجري بأنه "معارك صد من قبلنا وهجوم من قبلهم"، مضيفاً أن "المناطق المحصنة صامدة حتى الآن".
وكانت قوات النظام السوري سيطرت الخميس الماضي على قريتي حصرايا وأبو رعيدة، بعد اشتباكات مع الفصائل المسلحة، بعد أن كانت استعادت نهاية الشهر الماضي السيطرة على قريتي تل ملح والجبين بريف حماة الشمالي. وجاءت سيطرة النظام على قريتي الأربعين والزكاة بعد يومين من انهيار الهدنة التي اتفق عليها المشاركون في جولة "أستانة 13"، حيث شنّ النظام، الإثنين الماضي، حملة قصف على مدينة خان شيخون وكفرسجنة والتمانعة وحيش والشيخ ودامس والتح ومدايا وبسيدا وأطراف معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، ما خلّف دماراً كبيراً. ومن الواضح أن النظام وداعميه الروس يحاولون تطبيق ما اتفق عليه المشاركون في "أستانة 13" بالقوة، خصوصاً لجهة دفع فصائل المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، 20 كيلومتراً داخل محافظة إدلب للسيطرة على طريقي حلب - الساحل، وحلب - حماة، اللذين يمران في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي. وكان اتفاق سوتشي المبرم بين تركيا وروسيا، والذي أكد عليه بيان جولة "أستانة 13"، نص على إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. كما نص اتفاق سوتشي على "استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب - اللاذقية) وإم 5 (حلب - حماة) بحلول نهاية عام 2018". وتسيطر المعارضة السورية على أوتوستراد حلب ـ اللاذقية من منطقة الراشدين في ريف حلب الغربي، والتي تعتبر منطقة اشتباك، مروراً بمدينتي سراقب وأريحا ثمّ ريف جسر الشغور في ريف إدلب، إلى ريف اللاذقية الشمالي عند منطقة الناجية. كما تسيطر فصائل المعارضة على جانب من طريق حلب - حماة المفضي إلى مدينة حمص وسط البلاد، وبعد ذلك إلى العاصمة دمشق، والذي يعد أهم الطرق التي تربط شمال البلاد بجنوبه. وهذا ما يفسر الحملة العسكرية الكبيرة التي يقوم بها النظام والروس للسيطرة على ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي اللذين يتعرضان لقصف جوي كثيف منذ أكثر من 3 أشهر، ما أدى إلى تهجير أكثر من نصف مليون مدني.