تفاهمات أميركية تركية بشأن "المنطقة الآمنة" في سورية

08 اغسطس 2019
واصل الأتراك حشد قواتهم (محمد سعيد/Getty)
+ الخط -

مع إعلان تركيا استكمال استعداداتها للقيام بعملية عسكرية شمال شرقي سورية من أجل إقامة "المنطقة الآمنة" الخالية من المليشيات الكردية، تصاعد الدخان الأبيض من محادثات أنقرة بين المسؤولين الأتراك والأميركيين، مع الإعلان أمس الأربعاء عن التوصل إلى اتفاق لإقامة مركز عمليات مشترك في تركيا لتنسيق وإدارة إنشاء "المنطقة الآمنة"، وذلك بعدما كانت أنقرة قد هددت بأنها قادرة على إقامة هذه المنطقة لوحدها.
وبعد مباحثات أميركية-تركية استضافها مقر وزارة الدفاع التركية في أنقرة لثلاثة أيام، أعلنت الوزارة التركية، في بيان أمس، استكمال المباحثات مع المسؤولين العسكريين الأميركيين حول "المنطقة الآمنة" المخطط إنشاؤها شمال سورية، "والتوصل إلى اتفاق لتنفيذ التدابير التي ستُتخذ في المرحلة الأولى من أجل إزالة الهواجس التركية، في أقرب وقت". ووفقاً للوزارة، "يقضي الاتفاق بإنشاء مركز عمليات مشترك في تركيا خلال أقرب وقت لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة"، معلنة أنه "تم الاتفاق مع الجانب الأميركي على جعل المنطقة الآمنة ممر سلام، واتخاذ كل التدابير الإضافية لضمان عودة السوريين إلى بلادهم".

سبق ذلك إعلان وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أن المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة إيجابية وبنّاءة، مشيراً إلى أن واشنطن تتفهم وجهة النظر التركية فيما يتعلق بـ"المنطقة الآمنة". من جهة أخرى، أكد آكار أن بلاده استكملت خططها وتمركز قواتها على الأرض في شرق الفرات، لكنها ترغب في التحرك مع الولايات المتحدة، وليس بشكل منفرد. وكان المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري قال، في وقت سابق، إن "المشروع الجديد بشأن المنطقة الآمنة يتضمن أن تدير هذه المنطقة قوات أميركية وتركية مشتركة"، مضيفاً أن "الموقف التركي متشدد للغاية، لكننا سنواصل مباحثاتنا على مختلف الأصعدة، ومنها المحادثات في الجانب العسكري".

في غضون ذلك، ذكرت مصادر محلية أن "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) أنزلت الأعلام من مدن وبلدات محافظتي الرقة والحسكة شمالي شرق سورية، خشية من عملية عسكرية تركية مرتقبة، وتحسبّاً لقصف من الطيران الحربي التركي. وخلال الأيام القليلة الماضية، تصاعد الحديث الرسمي التركي عن اقتراب بدء العمل العسكري في المنطقة، على الرغم من التحذيرات الأميركية من أي عمل تركي منفرد، وقال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، إن أي عملية تركية في شمال سورية ستكون "غير مقبولة"، وإن الولايات المتحدة ستمنع أي توغل أحادي الجانب.

وواصلت "قسد" تحضيراتها لعملية عسكرية محتملة، فيما حذّر قائدها العسكري، مظلوم عبدي، من عودة "داعش" والإرهاب، نتيجة "الفراغ" الذي سوف يشكله القتال بين "قسد" وتركيا، لا سيما في ريف دير الزور الشرقي، حسب قوله. وفي إطار محاولات الابتزاز هذه، حذّر عضو المجلس التنفيذي في "حركة المجتمع الديمقراطي"، آلدار خليل، من أن القتال مع تركيا قد يجعلهم غير قادرين على حراسة السجون المؤقتة شرقي سورية، التي تحتجز قرابة 8000 مقاتل من تنظيم "داعش" من السوريين والعراقيين، و2000 من دول أخرى. وذكر خليل أنهم لا يبنون أوهاماً بشأن النصر على الجيش التركي، موضحاً أنهم "إذا دخلوا، سيتم تدمير أرضنا".

بدورها، أفادت مصادر محلية بأن "قسد" تواصل حفر عشرات الخنادق على أطراف مدينة تل أبيض شمال مدينة الرقة، قرب الحدود السورية التركية، وهي المنطقة التي من المتوقع أن تكون الهدف الأول لأي تحرك عسكري تركي، في حين يواصل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة دعمه لـ"قسد"، مع دخول 200 شاحنة محمّلة بمساعدات لوجستية وعربات عسكرية تابعة للتحالف إلى مدينة القامشلي، عبر معبر سيمالكا الذي يربط محافظة الحسكة مع شمال العراق. غير أن مسؤولين أكرادا عبّروا عن اعتقادهم بأن واشنطن ستتخلّى عنهم في حال كانت هناك عملية عسكرية تركية، وهي في النهاية لن تواجه تركيا من أجل الأكراد.



ونقلت وكالة "سمارت" عن مسؤول كردي قوله إن الولايات المتحدة أبلغت القيادات العسكرية والسياسية الكردية بوضوح أنها لن تواجه تركيا لحماية "قسد"، مؤكدة جدية تركيا بشن عملية عسكرية في المنطقة. وقال المسؤول، إن الأميركيين يحاولون تجنب أي تصعيد مع الأتراك لمنع اقترابهم من روسيا أكثر، لكنهم يبذلون كل جهد ممكن لمنع تركيا من شن عملية عسكرية، غير أن الأتراك مصرون على شروطهم بـ "منطقة آمنة" على طول الحدود السورية ـ التركية وبعمق 40 كيلومتراً وتحت سيطرتهم.

وأرسلت "قسد" و"الإدارة الذاتية" وفوداً عدة إلى دول غربية وأوروبية، من أجل التدخل ومنع تركيا من شن عملية عسكرية على مناطق سيطرتهم، كما أجرت "قسد" محادثات مع النظام السوري في محاولة للحصول على مساندته ضد تركيا، إلا أن النظام اشترط تسليم المنطقة له وانخراط "قسد" في صفوف قواته، الأمر الذي رفضته "قسد" و"الإدارة الذاتية". كما جرت لقاءات عدة في روسيا للضغط على النظام للتراجع عن الشروط وتقريب وجهات النظر، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى اتفاق، وفق المسؤول.

من جهته، اعتبر المتحدث باسم "حزب العدالة والتنمية" التركي، عمر جليك، أن بلاده تمتلك بمفردها القدرة على إنشاء "منطقة آمنة" شمالي سورية. وأضاف خلال مؤتمر صحافي في العاصمة أنقرة، أن "تركيا عازمة على إنشاء ممر آمن يكون تحت إدارتها بالتعاون مع حلفائها، إلا أنها في الوقت نفسه تمتلك القدرة على اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية أمنها القومي، في حال واصل الحلفاء سياسة المماطلة وإهدار الوقت". وتتطلع تركيا إلى إقامة المنطقة الآمنة بعمق 32 كيلومتراً من الحدود التركية باتجاه الأراضي السورية، وتولّي السيطرة عليها، بينما تريد واشنطن أن تكون المنطقة بعمق يتراوح بين 5 و15 كيلومتراً تحت قيادة أميركية ـ تركية مشتركة.

وحسبما ذكرت وسائل إعلام أميركية أخيراً، فإن العرض "الأخير" الذي قدّمه الجانب الأميركي لتركيا كان يتضمن القيام بعملية عسكرية مشتركة بين الجانبين لتأمين منطقة عازلة جنوبي الحدود التركية ـ السورية، بعمق 14.4 كيلومتراً وبطول 140 كيلومتراً، ستكون خالية من أي وجود للوحدات الكردية، على أن تقوم القوات التركية والأميركية بتدمير التحصينات الكردية، وتسيير دوريات مشتركة في المنطقة.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن تركيا سبق ورفضت اقتراحاً مماثلاً، خلال الاجتماع الأخير بين الطرفين في 23 يوليو/تموز الماضي بأنقرة، وأصرّت على إقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتراً على الأقل، والسيطرة عليها بشكل أحادي. وأوضحت الصحيفة أنه في حال رفض تركيا للعرض، فإن أميركا لن تستطيع، تحت سلطة الكونغرس الحالية، التدخل لحماية المقاتلين الأكراد. وتشير تصريحات وزير الدفاع التركي الأخيرة إلى أن الأميركيين قدموا عرضاً آخر أكثر "سخاء" لتركيا، لكن لم تتضح تفاصيل العرض الجديد حتى الآن بانتظار استكمال المحادثات بين الجانبين.