العراق: تمرد "الحشد الشبكي" ينتهي بتسوية على حساب الحكومة

08 اغسطس 2019
اتهامات لـ"الحشد الشعبي" بالتمرد على قرارات الحكومة (مارتن إيم/Getty)
+ الخط -
انتهى تمرد فصيل "اللواء 30"، أو مليشيا "حشد الشبك"، الذي استمر يومي الإثنين والثلاثاء في مناطق سهل نينوى شرقي الموصل، بعد وصول قياديين عسكريين رفيعين في الجيش العراقي، ومسؤولين محليين إضافة إلى قائد "الحشد الشعبي" فالح الفياض ومساعده أبو مهدي المهندس، إلى سهل نينوى، مساء الثلاثاء، ليتم الإعلان عقب اجتماع دام ساعات عن التوصل إلى اتفاق تسوية، اعتُبر رضوخاً من الحكومة العراقية وتراجعاً عن تطبيق "المرسوم الديواني" لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي، القاضي بهيكلة فصائل "الحشد" وإعادة توزيع مواقعها وإخضاع ترسانتها العسكرية ومقراتها لسلطة الدولة. وكانت احتجاجات عناصر الفصيل المسلح قد تسبّبت بقطع طريق الموصل ــ أربيل، وتطورت إلى اعتداءات على قوات الجيش والشرطة التي حاولت دخول بلدات في سهل نينوى، من بينها اعتداء على موكب قائد عمليات نينوى اللواء الركن قاسم نومان الزوبعي.

مليشيا "حشد الشبك"، أو "اللواء 30"، البالغ تعداد عناصره نحو ثلاثة آلاف عنصر، والذي تأسس عام 2014 وحظي بتسليح ودعم إيراني كبير على غرار فصائل أخرى، يسيطر حالياً على مناطق واسعة من سهل نينوى ذي الغالبية العربية المسيحية والمسلمة، وأدرج زعيمه وعد قدو قبل نحو أسبوعين في لائحة العقوبات الأميركية بتهمة ارتكاب مخالفات وانتهاكات واسعة في ملف حقوق الإنسان. ويتذرع هذا الفصيل في رفض تطبيق قرار الحكومة بأنه يريد حماية مناطق المكوّن الشبكي الذي يوجد في نحو 60 قرية ومنطقة متلاصقة في سهل نينوى، ومجاورة لقرى الآشوريين والكلدان والأيزيديين والكاكائيين. وأبرز قرى هذا المكوّن هي، علي رش ومنارة الشبك وشهرزاد وكوكجلي وطوبزاوة وشيخ شيلي. ويتحدث أبناء هذا المكوّن الشبكية أو الباجلانية وهي لغة قريبة للكردية، ويقال إنها كردية عتيقة لم تعد مستعملة. غير أن الشبك يرفضون اعتبارهم أكراداً ويصنّفون أنفسهم كمكوّن قومي مستقل، يدينون بالإسلام وينقسمون بين المذهبين السنّي والشيعي.

ويرتبط قادة "الحشد الشبكي" ومنهم وعد قدو وأخوه النائب في البرلمان العراقي حُنين قدو، بعلاقات واسعة مع إيران، ويؤكد أعضاء برلمان عن محافظة نينوى أن إيران مارست ضغوطاً على الحكومة العراقية في بغداد للتجاوب مع مطالب إبقاء هذا الفصيل في مناطق سهل نينوى، وهو ما تم فعلاً عصر الثلاثاء، إذ جرى التوصل إلى اتفاق يقضي بأن يبقى "الحشد الشبكي" في المنطقة ويدخل الجيش والشرطة كقوة مساندة له، بحسب مؤتمر صحافي عُقد في سهل نينوى وضم قياديي "الحشد" وأعلن خلاله عن الاتفاق، فيما أكد مسؤول في بغداد لـ"العربي الجديد" أن الاتفاق تم بدعم إيران.
وعلى الرغم من أن المكوّن العربي في سهل نينوى هو الأكبر على الإطلاق، إلا أن من يمسك بالسلاح هو من يسود هناك، كما في حال مدينة تلعفر غرب الموصل التي يدير شؤونها فصيل مسلح تركماني، منذ تحريرها عام 2016 من قبضة تنظيم "داعش".

وبحسب عضو بارز في البرلمان العراقي، عن محافظة نينوى، فإن "أطرافاً خارجية وداخلية ضغطت على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لإبقاء الحشد الشبكي في مناطق سهل نينوى"، وذلك في إشارة إلى إيران، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن موافقة الحكومة على استثناء "الحشد الشبكي"، كما أعلن رسمياً في المؤتمر الصحافي الذي عقده فالح الفياض، مساء الثلاثاء، ستفتح الباب أمام "الحشد المسيحي" أو "مليشيا بابليون" بالتمسك بمواقعها أيضاً لحماية مناطقها، وكذلك "الحشد التركماني" ضمن محور الشمال.
وأضاف أن مسلحي الفصيل عادوا مجدداً صباح أمس الأربعاء إلى ثكناتهم ومواقعهم بعد أن فتحوا الطرق ورفعوا الحواجز التي أقاموها في عدد من مناطق سهل نينوى، على الرغم من أن تلك المناطق لا وجود للمكوّن الشبكي فيها، لافتاً إلى أن هذا الفصيل يفرض إجراءات فيها رائحة تغيير ديمغرافي مثل منع البناء ومنع أسر كاملة من العودة بزعم صلتها بتنظيم "داعش". وبحسب عضو البرلمان ذاته، فإن المليشيا لديها سجل كبير من الانتهاكات ذات البُعد الطائفي طاولت عشرات المدنيين الذين تم خطفهم ثم عثر على جثثهم لاحقاً خلال السنوات الثلاث الماضية.


وعلى الرغم من تقارير وتصريحات صدرت في الساعات الأخيرة وتشير إلى أن المشاركين في الاعتصام وأعمال العنف يومي الإثنين والثلاثاء كانوا أفراد مليشيا "الشبك" أنفسهم، للاحتجاج على قرار سحبهم من سهل نينوى، إلا أن المتحدث باسم "الحشد الشبكي" سعد قدو، قال لـ"العربي الجديد"، إنهم "مواطنون من أنصار حشد الشبك"، موضحاً أن "القرار الحكومي أثار حفيظة أهالي سهل نينوى، فانطلقوا بتظاهرات رافضة لخروجنا، لا سيما الأهالي الذين عانوا كثيراً من الإرهاب والتهجير والنزوح"، وفقاً لقوله. وأضاف أن "وحدات اللواء عادت بعد ذلك بناءً على طلب الأهالي، ونجد حالياً كحشد شبكي أنفسنا مرغمين على البقاء من أجل الحفاظ على كرامة الأهالي وأمنهم".

من جهته، قال النائب عن محافظة نينوى، شيروان دوبرداني، إن "شخصيات قيادية من المكوّن الشبكي تحلم بإقامة محافظة سهل نينوى، وإقليم خاص به "شبكستان"، مع العلم أن المنطقة بالكامل تخضع للمادة 140 من الدستور العراقي، وهي المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، ولكن اللواء 30، يحظى اليوم بدعم لوجستي عبر التسليح الحكومي، والسياسي عبر النائب حنين قدو"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "الحشد الشبكي يمارس ابتزازاً علنياً لأصحاب الشاحنات التجارية والتجار والمواطنين ويرتكب مخالفات كثيرة جداً".

وأضاف أن "الحشد الشعبي في الموصل لا ينفذ أوامر القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي، ولا أي قرار منه، وهناك حالة من العصيان والتمرد، بسبب غياب العقوبات الشديدة"، لافتاً إلى أن "الاجتماع الأمني الأخير الذي جمع قادة الشبك مع قادة الحشد الشعبي والجيش العراقي، أهمل بل وضرب قرارات عبد المهدي عرض الحائط، بعد الاتفاق على بقاء لواء 30 في المحافظة".
وأشار دوبرداني إلى أن "وعد قدو، وهو قائد اللواء، خطط خلال الفترة الماضية لإقامة إقليم شبكستان، الخاص بالشبك، والذي سيشمل مناطق كثيرة داخل محافظة نينوى وصولاً إلى قضاء تلكيف والقيارة، مع العلم أن هناك تدخلاً مباشراً من إيران في منطقة سهل نينوى".

أما عضو المجلس المحلي في نينوى، أضحوي الصعيب، فرأى أن "القرارات التي صدرت من قبل عادل عبد المهدي، مسَّت مصالح الحشد الشبكي في سهل نينوى، لذلك رفضوا الانسحاب من المنطقة على اعتبارها منطقتهم الخاصة وأرض أجدادهم، وهذا اللواء يؤمن بأن وجوده في سهل نينوى هو بقاء وجود المكون الشبكي بالكامل". وأكد في حديث لـ"العربي الجديد" أن "غالبية الفصائل المسلحة لم تخضع لقرارات عبد المهدي، ونحن في الحكومة المحلية لا نريد أن تستمر الفوضى، وعلى الحكومة معالجة ملف ألوية وفصائل الحشد، ومنع التوتر الحاصل بين الفصائل والجيش من جهة، وبين الفصائل مع بعضها من جهة أخرى".

إلى ذلك، رأى الباحث في شؤون محافظة نينوى، علي الحياني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حالة التمرد التي قام بها اللواء 30 في الحشد الشعبي، مثّلت حالة اختبار لرئيس الحكومة، فالحشد الشعبي وقائده وعد قدو، يمثّل فصيلاً صغيراً داخل الحشد، ولم ينصع لقرارات الحكومة، فكيف سيكون الحال مع الفصائل ذات القوة والنفوذ الواسع مثل حزب الله والنجباء وغيرهما"، مضيفاً: "هذا التمرد وضع عبد المهدي في حرج، خصوصاً أن هناك معلومات تشير إلى أن القرار الذي اتخذه عبد المهدي بشأن الحشد الشبكي جاء بضغوط أميركية نتيجة ورود شكاوى وتقارير عديدة من الكنيسة ورجال الدين من المسيحيين، ومن حكومة إقليم كردستان والحزب الديمقراطي الذي هو على تماس مباشر مع مناطق سيطرة اللواء 30". واعتبر أن "بقاء الحشد الشبكي ضمن نقاط التفتيش التي أمر عبد المهدي بتركها، يبرهن عمق النفوذ الإيراني في نينوى".