مع دخول العملية العسكرية الواسعة التي تقوم بها قوات النظام السوري مدعومة بالمليشيات والطيران الحربي الروسي، شهرها الخامس أمس الجمعة، وسيطرتها على بلدة التمانعة، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن وقف إطلاق نار في شمالي غرب سورية بدءاً من اليوم السبت. ونقلت وسائل إعلام روسية عن وزارة الدفاع الروسية قولها إن "الجيش السوري" سيوقف إطلاق النار في إدلب. بدوره، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن التطورات في منطقة خفض التصعيد بإدلب، ليست على النحو الذي نرغب فيه. وأضاف في تصريحات للصحافيين في أنقرة، أن "نقطتي المراقبة التركية التاسعة والعاشرة في إدلب، تعرضتا لبعض التحرشات، وبعد لقائنا الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين، تم إبلاغ التحذيرات اللازمة بهذا الصدد". وتابع: "سنلتقي السيد (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (سبتمبر/أيلول المقبل)، وسنبحث مجدداً التطورات في سورية". وأردف: "أما بشأن المنطقة الآمنة شمالي سورية فاقترحنا عمق 30 كيلومتراً لكن الجانب الأميركي طلب عمقاً أقل، وتوافقنا على هذا ولو بشكل مؤقت". وشدّد على أنه "سنبحث عن بدائل إذا واصلت الولايات المتحدة موقفها الحالي بخصوص مقاتلات إف 35"، التي ترفض واشنطن تسليمها لأنقرة بسبب شراء الأخيرة منظومة "أس 400" من روسيا.
ميدانياً، قطعت قوات النظام السوري مع المليشيات المتحالفة معها وبغطاء جوي روسي خطوة أخرى نحو هدفها الجديد، المتمثل في الوصول إلى مدينة معرة النعمان بعد خان شيخون، وذلك بعد سيطرتها على التمانعة شرقي خان شيخون، والتي كانت تشكّل مرتكزاً أساسياً للفصائل المسلحة التي تقاتل النظام، وسط توقعات بأن يحاول النظام السيطرة على معرة النعمان قبل القمة الثلاثية التي تجمع الرؤساء التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، والإيراني، حسن روحاني في 16 سبتمبر/أيلول المقبل في أنقرة.
وفيما دخل رتل عسكري تركي جديد الأراضي السورية، بالتزامن مع تحذيرات من وزير الدفاع التركي خلوصي أكار من المس بالقوات التركية ونقاط المراقبة التابعة لها، أثيرت تساؤلات في أوساط المعارضة حول جدوى وجود هذه القوات ونقاط المراقبة، طالما أنها لم تسهم في الحدّ من تقدم قوات النظام وسيطرتها على مزيد من المناطق، بل باتت في حاجة إلى من يحميها، وهو ما طلبته تركيا رسمياً من روسيا خلال القمة الأخيرة التي جمعت زعيمي البلدين، يوم الثلاثاء الماضي.
وقد سيطر النظام على التمانعة ومزرعة السويكاتية الواقعتين غرب بلدة الخوين الكبير، بعد معارك عنيفة مع فصائل المعارضة، وذلك بعد يوم من سيطرتها على بلدة الخوين وتل أغبر وقرية الزرزور في ريف إدلب الجنوبي. وقالت مصادر محلية إن قوات النظام قصفت التمانعة بشتى أنواع الأسلحة والصواريخ، بالتزامن مع قصف الطيران الروسي والسوري لخطوط دفاع فصائل المعارضة. وأشارت إلى أن الفصائل صدّت محاولات تقدم للنظام واستهدفت مواقعه في محيط التمانعة بسيارة مفخخة، كما دمرت عربة "شيلكا" مجنزرة بعد استهدافها بصاروخ مضاد للدروع.
وذكرت مصادر عسكرية أن النظام يتبع في المعارك الحالية سياسة الالتفاف ومن ثم الحصار، فسيطر على الخوين من الشرق وسكيك من الجنوب وخان شيخون من الغرب، وبذلك باتت التمانعة ساقطة عسكرياً، في وقت كثّفت فيه قوات النظام المتمركزة في خان شيخون ومحيطها، من القصف المدفعي باتجاه بلدات كفرسجنة وموقة والعامرية، لمنع أي مؤازرة تحاول الوصول إلى التمانعة، إضافةً إلى قصف الطيران الروسي والمروحي السوري لمواقع المعارضة في معرة النعمان ودير الشرقي وقرى جبل الزاوية، فضلاً عن الضغط النفسي الذي يولده تصاعد عمليات النزوح من جانب الأهالي باتجاه مناطق الشمال السوري.
وتمهّد السيطرة على التمانعة الطريق لقوات النظام من أجل الوصول إلى معرة النعمان، إذ لم يبق في طريقها سوى بعض البلدات الصغيرة مثل التح والديرين الشرقي والغربي ومعرشمارين ومعرشمشة. وبموازاة هذه المعارك، صدّت الفصائل محاولة تسلل للقوات الخاصة الروسية وقوات النظام على محور القصابية في ريف إدلب الجنوبي، واستهدفت بقذائف الهاون نقاط تمركز تلك القوات في حرش الكركات بريف حماة الغربي.
وذكرت "الجبهة الوطنية للتحرير" أن 15 من مقاتلي الفصائل سقطوا خلال التصدي لمحاولة التسلل على منطقة حرش عابدين والقصابية، مشيراً إلى أن القوات الروسية نصبت كميناً لمجموعة دعم طلبتها الفصائل العسكرية ما أسفر عن هذا العدد من القتلى.
في غضون ذلك، واصلت طائرات النظام الحربية والمروحية والطائرات الروسية قصف بلدات ريف معرة النعمان الجنوبي الشرقي. ولوحظ أن عمليات القصف تركزت على جانبي الطريق الدولي الواصل بين ريف إدلب الجنوبي ومدينة معرة النعمان، في مسعى واضح من قوات النظام لدفع أهالي تلك المناطق للنزوح، تمهيداً للتقدم نحو معرة النعمان. وتأتي هذه التطورات بعد 3 أيام من القمة التي جمعت الرئيسين التركي والروسي في العاصمة الروسية موسكو، والتي اشترط خلالها الرئيس التركي وقف هجمات النظام السوري في إدلب للعمل على استكمال تنفيذ اتفاق سوتشي الموقع بين الدولتين.
في غضون ذلك، وصلت أمس الجمعة تعزيزات جديدة من الجيش التركي إلى ريف إدلب، بعد عبورها الحدود السورية التركية. وقالت مصادر مطلعة من المعارضة لـ"العربي الجديد" إن التعزيزات التي تضم 20 سيارة مدرعة ومصفحة وناقلات جند، وصلت إلى ريف إدلب الجنوبي الشرقي، مضيفة أن هذا الرتل يستهدف كما يبدو تعزيز النقاط التركية في إدلب وتبديل الدوريات المناوبة في النقاط. وبرزت أنباء في الأيام الأخيرة مفادها أن تركيا تعمل على إقامة نقاط جديدة في محيط مدينة سراقب، جنوبي شرق إدلب ومدينة أريحا جنوب إدلب وبلدة محمبل ومدينة جسر الشغور جنوبي غرب إدلب، وذلك بالتزامن مع تقدم قوات النظام في محور التمانعة وخان شيخون.
وقالت مصادر محلية إن فرقة استطلاع تركية قامت يوم الخميس الماضي، بجولة على الطريق الدولي حلب - اللاذقية في منطقة ريف إدلب الجنوبي الغربي، ومن المتوقع إنشاء نقطة عسكرية جديدة في المنطقة قرب مدينة جسر الشغور. وكانت تركيا قد أنشأت نقطة في المنطقة الواصلة بين معرة النعمان وخان شيخون، عقب محاصرة نقطتها في مورك بريف حماة، إثر سيطرة النظام على خان شيخون وريف حماة الشمالي.
من جهته، قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو إن روسيا قدّمت لتركيا تأكيدات بأن النظام لن يهاجم نقاط المراقبة التركية في إدلب، محذراً من أن استمرار هجمات النظام قد يتسبب في موجة نزوح أخرى للاجئين السوريين إلى أوروبا. وذكر جاووش أوغلو من العاصمة النرويجية أوسلو، أن "الجيش التركي سيغادر سورية عند إيجاد حل سياسي".
وشهدت الحدود أمس تجمعات للأهالي عند معبري باب الهوى وأطمة الحدوديين مع تركيا، فاقتحم العشرات منهم معبر باب الهوى من الطرف السوري. وخرجت تظاهرات في مدينة الباب ومدينة مارع بريف حلب الشمالي، تضامناً مع المتظاهرين والأهالي في مدينة إدلب. وخرجت تظاهرات في مخيم الإيمان ومنطقة شمارين شمال حلب طالبت بوقف المجازر التي يرتكبها النظام السوري والقوات الروسية بحق المدنيين في إدلب. وذكر ناشطون لـ"العربي الجديد" أن لغماً انفجر على الحدود السورية ــ التركية أثناء محاولة متظاهرين اجتياز الشريط الحدودي بالقرب من معبر باب الهوى، مشيرة إلى عدم وقوع إصابات. وقال الناشط محمد الإدلبي لـ"العربي الجديد" إن الدعوات للتظاهر لم تشمل فقط منطقة معبر باب الهوى بل جميع من هم في "المنطقة المحررة". كما تشمل السوريين في بلاد اللجوء للخروج في تظاهرات أمام السفارات الروسية.