إصلاح القضاء العراقي: خطوات متسارعة للانعتاق من التأثيرات السياسية

04 اغسطس 2019
وجهت انتقادات عدة للمؤسسة القضائية (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
أقدمت السلطة القضائية العراقية أخيراً على اتخاذ سلسلة من القرارات للتخلص من نفوذ الأحزاب التي طوقت عملها على مدى السنوات الماضية، ما جعلها محط اتهامات من قبل مواطنين وقوى عدة، بالخضوع للأحزاب والجهات السياسية، الأمر الذي أضعف ثقة المواطنين بهذه المؤسسة. وفيما اعتبر سياسيون أن الوقت الحالي يشكل فرصة ذهبية لإصلاح القضاء، أثنى مراقبون قانونيون على التحركات الأخيرة، إلّا أنهم حمّلوا السلطة القضائية مسؤولية التأخر في بدء هذا الحراك. 

وشملت القرارات الأخيرة التي اتخذتها السلطة القضائية، بهدف إعادة هيبتها والسعي لبناء مؤسسة قضائية قائمة على أسس مهنية، جوانب مختلفة منها التحرك نحو مقاضاة النواب المقامة دعاوى ضدهم، ومحاولات رفض القوانين التي تحد من مهنيتها، فضلاً عن إصلاح المؤسسة من الداخل.
وبحسب مسؤول قضائي عراقي، تحدث مع "العربي الجديد"، فإنّ "حراك السلطة القضائية يأتي من داخلها حصراً بعيداً عن أي دور حكومي أو سياسي". وأوضح أنّ "رئاسة السلطة القضائية المتمثلة بمجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية عقدت اجتماعات عدة لبحث تطوير المؤسسة القضائية، واتخذت قرارات صارمة بهذا الصدد سيكون لها دور في تطوير أداء العمل القضائي بشكل مهني بعيداً عن أي تسلط خارجي".
وأكد المسؤول القضائي نفسه أنّ "تلك الاجتماعات أفرزت قرارت مهمة، تم تطبيق البعض منها وتجرى دراسة لجزء آخر، بما في ذلك مطالبة البرلمان رفع الحصانة عن النواب الذين أقيمت ضدّهم دعاوى قضائية مختلفة". ولفت إلى أنه "تم تشكيل لجنة لمتابعة الملف مع البرلمان، وسيتم إخضاع النواب للقضاء حال تم رفع الحصانة عنهم، وستتم محاسبتهم بشكل مهني بعيدا عن أي ضغوط خارجية".


وأشار المسؤول نفسه إلى أنّ "رئاسة القضاء اتخذت قراراً أيضا بفصل أي قاضٍ يثبت جمعه مع الوظيفة القضائية عملاً آخر في مؤسسات الدولة، إذ يعتبر هذا الأمر خللاً وظيفياً كبيراً يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي نعمل على تثبيت دعائمه". وبحسب المصدر نفسه فإن "السلطة القضائية بدأت تحركات عملية أيضاً باتجاه رفض إقرار قانون المحكمة الاتحادية، الذي تحاول بعض الجهات السياسية تمريره في البرلمان، وهو قانون يحد من إمكانية حيادية المؤسسة القضائية". وأكد أنّ "بعض الجهات تدعم موقفنا تجاه هذا القانون، الذي يجب إعادته وتعديل صياغته الحالية بما لا يتعارض مع الدور المهني للقضاء". وذكر أنه "ستكون هناك قرارات أخرى بإعادة فتح ودراسة الملفات القضائية التي أثير اللغط تجاهها، والتي تخص جهات وشخصيات سياسية، لأجل دراستها قانونياً"، مؤكداً أنّ "تلك الإجراءات تتم بمعزل كامل عن أي تدخلات سياسية".

ويصب الظرف السياسي الحالي لصالح السلطة القضائية وتحركاتها الجديدة، إذ إنّ حكومة عادل عبد المهدي لا تمارس أي ضغوط عليها، كما الحال في زمن الحكومات السابقة.
وقال عضو الحزب الشيوعي العراقي، جلال العامري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التحركات الأخيرة للسلطة القضائية لم تكن متوقعة، إذ إنّه في السنوت الماضية لم نشهد أي تحرك إيجابي لتعزيز ثقة المواطن بهذه السلطة". ورأى أنه "يجب على السلطة القضائية استغلال الظرف الحالي لحراكها هذا، إذ إنّ حكومة عبد المهدي تختلف عن سابقاتها، فهي لا تتدخل بعمل القضاء كما كان في السابق، خصوصاً بعهد حكومة نوري المالكي، الأمر الذي يشكل فرصة ذهبية لانتشال السلطة القضائية من سلطة أي جهة أخرى". واعتبر أن "إصلاح السلطة القضائية هو إصلاح لكافة مؤسسات الدولة".
من جهته، قال خبير القانون الدستوري، إياد الدوري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "السلطة القضائية تتحمل مسؤولية صمتها طوال السنوات الماضية عن الخروق الدستورية والتدخل السياسي في عملها، والذي كانت له نتائج سلبية على مهنية وهيبة السلطة القضائية وعلى بناء مؤسسات الدولة المستقلة". ولفت إلى أن "الحراك الجديد هو بمثابة إصلاح لهذا الخلل الكبير في المؤسسة القضائية، والذي يتطلب جهوداً حثيثة ومستمرة".
وبرأيه فإنه "في حال نجحت السلطة القضائية بمحاكمة النواب المتهمين بقضايا مختلفة ومنها قضايا فساد، بعد أن يرفع البرلمان الحصانة عنهم، وفي تعديل صياغة قانون المحكمة الاتحادية، فإنها ستكون قد حققت إنجازاً كبيراً بمستوى حيادية ومهنية المؤسسة القضائية، كما ستفتح الباب واسعا لأجل خطوات عملية لإصلاح شامل بعمل المؤسسة".

المساهمون