على الرغم من تحسن أرقام الأحزاب التقليدية في استطلاعات الرأي الأخيرة في ولايتي سكسونيا وبراندنبورغ شرقي ألمانيا، واللتين ستخوضان انتخابات برلمانية إقليمية، في الأول من سبتمبر/أيلول، إلا أنّ اليمين الشعبوي يزخم الناخبين بخطاب يصوب على اللاجئين ويستغل عثرات الحكومة، إذ لم يتمكن الائتلاف الحالي إلا من تقديم المزيد من الوعود.
ويطارد اليمين الشعبوي مقترحات الحكومة الاتحادية بخصوص القضايا التي تهم المواطنين، مستغلّاً التلكؤ الحاصل في تنفيذ العديد من القرارات التي تواجَه بعراقيل، وفي كثير من الأحيان بفعل تضارب المصالح مع الجيران من الدول الأوروبية، والتي يكون وقعها سلبياً على الناخبين الفاقدين للكثير من الثقة بتطلعات حكومتهم، لإهمالها، ولفترات طويلة، مصالحهم، ما يدفعهم لتأييد "البديل من أجل ألمانيا".
التوجهات التي يخوض "البديل" على أساسها الانتخابات، ما زالت قابلة للصرف في صفوف الناخبين؛ فبعدما كان يُنظر إلى اليمين الشعبوي على أنّه المناهض لأوروبا واليورو، بات رافعاً للواء الرفض للاجئين، ومطالبته بأولوية المعاشات التقاعدية، والضمان الاجتماعي، وإصلاح السياسات الضريبية، وعدم مبالاته، والى حد كبير، بمستقبل الاتحاد الأوروبي والرقمنة والمناخ.
كل ذلك في وقت تتشدد السلطات ببعض القرارات، بينها ترحيل اللاجئين المرفوضة طلبات لجوئهم، بالإضافة الى الأحكام التي تصدر بحق المرتكبين، مع التوجه نحو المزيد من التقديمات في الولايات الشرقية، كما والعمل على رفع مستوى البنية التحتية فيها ومزيد من العمالة؛ بينما جمهور اليمين الشعبوي متشائم أساساً ويسيء فهم طروحات المسؤولين، وعدم قدرتهم على إنقاذ الوضع، من ضمنها التصدي لأزمة السكن، والصحة، والتعليم، وقضايا الإرهاب، والأمن، واللاجئين.
وعلى الرغم من إدراك الجميع، ومنذ فترة طويلة، تحوّل ألمانيا إلى دولة متعددة الثقافات، يمكن الاستنتاج أنّ البلاد بحاجة لمواجهة التحديات الحقيقية، بينها الحدّ من تقلص كتلة أصحاب الطبقة المتوسطة، من خلال زيادة المؤهلات للمشاركة بفرص عمل أفضل، بالإضافة إلى تحسين الحياة الثقافية والتعليمية.
في المقابل، هناك من يعتبر أنّ هؤلاء قد يكونون ممتنين للاجئين، بفعل التغيرات التي حصلت بعد العام 2015، إذ إنّ الواقع صار أفضل من أي وقت مضى، وبنظر هؤلاء فإنّ الدولة، وبحكم تعاملها الإنساني مع اللاجئين، يبدو أنّها بدأت أخيراً في إصلاح البعض من أخطاء الماضي في المجال الاجتماعي، من خلال السخاء لتحقيق الاندماج مع المهاجرين.
وفي السياق، تشير الدراسات إلى أنّه ليس هناك من تجانس بين ناخبي "البديل" ومعظمهم من الذكور؛ ويقرب متوسط المتعلمين بينهم إلى ما نسبته 30%، وأكثريتهم من ذوي الدخل المتوسط، حيث يقوم "البديل" بجذبهم وتعبئتهم بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات المستقلة؛ مع العلم أنّ ناخب اليمين الشعبوي يُعتبر من الأشخاص الرافضين للتغيرات المجتمعية أكثر من غيره، وهذا ينطبق على المساواة مع المرأة، وكذلك تكوين الأسرة، إلى الهجرة، والعولمة، وهو من ينكر أنّ تغيّر المناخ من صنع الإنسان.
وهنا، تبرز فئة المهاجرين الروس الألمان، حيث هناك كتلة كبيرة ناخبة تناصر "البديل" في الولايات الشرقية، إذ يعتبر العديد منهم أنّه ما زال غير معترف بهم على أنّهم "ألمان حقيقيون"، بعد أن تم نسيانهم وتجاهلهم لسنوات من قبل الطبقة السياسية الحاكمة، وتُركوا لمصيرهم، وبنتيجة ذلك، كوّنوا شبكاتهم وهياكلهم الخاصة، وباتوا شبه منغلقين داخل ثقافتهم وبيئتهم.
وهذا ما ينطبق أيضاً، إنما بنسبة أقل، على الأكراد الألمان، وغيرهم من السكان العرب المولودين في ألمانيا، علماً أنّ السكان الروس الألمان قد يكونون أكثر قبولاً عند المواطنين الألمان بشكل عام، وقد يكون لونهم، بالمقارنة مع المهاجرين الآخرين يؤثر بصرياً أو نفسياً بشكل "إيجابي" على هؤلاء، بالمقارنة مع صعوبة تقبلهم لأصحاب البشرة والشعر الداكن، والذين يُنظر إليهم على أنهم "أجانب"، في ما يمكن وصفه بأنّه تحامل على المهاجرين الآخرين.
وتجلّى هذا الأمر، بشكل أوضح بعد أن تمكّن "البديل" من دخول البوندستاغ (البرلمان الألماني)، بعد الانتخابات العامة عام 2017، بفعل تكون مجموعة إضافية من العوامل والشعارات، التي خاض على أساسها الحزب اليميني الشعبوي الانتخابات، وبينها التصويب على المستشارة أنجيلا ميركل، وسياستها تجاه الهجرة واللاجئين ودخول الآلاف منهم عام 2015، فضلاً عن الاضطرابات، والأعمال الإرهابية والإجرامية التي تعرضت لها البلاد من إسلاميين، والتي ساهمت في تعزيز مصداقية "البديل" لدى الكثير من الناخبين، بعد التململ وتراجع الثقة بالائتلاف الحاكم، والذي من المتوقع أن يتعزز في الانتخابات الإقليمية، حيث حضور "البديل"، على الرغم من أنّه لا يملك الحل لجميع المشاكل الفعلية في ألمانيا.
وفي هذا الإطار، يعتبر الكاتب ألكسندر غرلاش، أنّ "اليمين الشعبوي يستميل الناخبين بأسلوب بلاغي وليس إيديولوجياً، على الرغم من تصويبه على الضرر الاقتصادي الذي نتج عن وصول المهاجرين الجدد، وتكبد الدولة للمصاريف الباهظة بدافع تحسين ظروفهم الإنسانية، وهي من العوامل التي لعبت دوراً في الاستراتيجية الشعبوية، وتصويبه على التهميش الاجتماعي لباقي المواطنين الألمان مقابل توفير المال للوافدين من اللاجئين".
وقد استغلّ الحزب هذا الموضوع لتحقيق أغراضه الخاصة، حتى أنّ الأمر وصل بزعيمه ألكسندر غاولاند إلى القول إنّ وصول اللاجئين إلى البلاد كان "هدية من الله"، بعدما لم يكن يتمكن، حتى ذلك الحين، إلا من توجيه انتقادات لليورو ورفضه لمساعدة مجموعة دول اليورو المتعثرة.
ويشير كذلك غرلاش إلى أنّه "لدى العرق الأبيض نزعة لتفوقه بيولوجياً ووراثياً واجتماعياً على الآخرين، وهذا الأمر بالغ الخطورة"، حتى أنّ صحيفة "دي تسايت" الألمانية، كتبت أخيراً، مشيرة إلى أنّ ما يصل إلى ثلث الناخبين مستعدون للاعتقاد بفكرة "التغيير والأسلمة "وقد يكون اليأس من مستقبلهم الاجتماعي والاقتصادي، هو الدافع الحقيقي وراء ذلك".