مسؤول مصري يعترف: قرارات الإزالة في جزيرة الوراق مخالفة للإجراءات

16 اغسطس 2019
معاناة أهالي الوراق مستمرة منذ سنوات (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

حصلت "العربي الجديد" على أقوال مدير عام الملكية في الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، محمد محمود طلبة إبراهيم، بصفته ممثلاً عن وزارة الزراعة المصرية، في التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة حول الواقعة التي أحالت بمقتضاها 35 شاباً من أهالي جزيرة الوراق إلى المحاكمة الجنائية بدعوى التعدي على القوات المكلفة بإزالة ما زعمته بـ"التعديات على الجزيرة". أقوال الشاهد في التحقيقات كشفت عن مفاجأة، وهي أن قرارات الإزالة الصادرة من وزير الزراعة بشأن جزيرة الوراق صدرت على عكس الإجراءات المتّبعة في شأنها، وأنها لم تتم وفق الإجراءات المتّبعة، بل تمت بهذه الطريقة تماشياً مع قرار القيادة السياسية بوقف التعدي على أملاك الدولة، في إشارة منه إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وأكد إبراهيم، في تحقيقات النيابة العامة في القضية، أن كل أراضي جزيرة الوراق تُعتبر طرحَ نهرٍ وخاضعة لإشراف وولاية الهيئة، بما فيها الملكيات الخاصة للمواطنين، ولا يجوز البناء عليها بأي حال، وذلك سنداً لنص القانون رقم 7 لسنة 1991 وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2906 لسنة 1995. وأوضح أن المساحات الخاضعة للهيئة حوالي 53 فداناً، تم حصر 492 حالة تعدٍّ ومخالفة عليها، وتحرر عنها محاضر مخالفات بمعرفة حي الوراق والهيئة العامة للإصلاح الزراعي.

وأضاف أنه صدرت 3 قرارات بإزالة التعديات والمخالفات آنفة الذكر من وزير الزراعة بصفته صاحب الاختصاص الأصيل، كما قرر بأن وزير الزراعة أصدر تلك القرارات على عكس الإجراءات المتّبعة في شأنها، والتي يصدرها مدير إدارة حماية نهر النيل لسرعة اتخاذ تلك الإجراءات، تماشياً مع قرار القيادة السياسية بوقف التعدي على أملاك الدولة. وقال إن السند القانوني لإصدار قرارات الإزالة هو نص القانون آنف البيان وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2906 لسنة 1995، وأنها قرارات واجبة التنفيذ ولم يتم الطعن عليها ولا يوجد نص ملزم بإعلان المخالفات بقرارات الإزالة، وقدّم صورة ضوئية من قرارات الإزالة المنوّه عنها.
جدير بالذكر أن النيابة أحالت 35 شاباً من أهالي جزيرة الوراق إلى المحاكمة الجنائية بدعوى تعديهم على قوات الأمن، في القضية التي حملت الرقم 9157 لسنة 2019 جنايات الوراق، وقيدت تحت رقم 1156 لسنة 2019 كلي شمال الجيزة، والمقرر النظر في أولى جلساتها في 21 سبتمبر/أيلول المقبل.

وكانت أحداث جزيرة الوراق الأخيرة قد بدأت عندما قامت قوات من الجيش والشرطة، بتاريخ 16 يوليو/تموز 2017، بإزالة وهدم نحو 18 منزلاً من منازل جزيرة الوراق، ما أدى إلى اشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن، التي قامت بإطلاق الأعيرة النارية "الخرطوش" وقنابل الغاز المسيلة للدموع، وهو ما أدى إلى وفاة أحد أهالي الجزيرة، وهو سيد الغلبان، وإصابة العديد، ليصدر معه قرار من وزير الداخلية بوقف حملة الإخلاء القسري لأهالي جزيرة الوراق.


وإثر ذلك، تم تحرير محضر بالواقعة واتهام 22 من أهالي جزيرة الوراق بالتظاهر وتمت إحالة القضية على محكمة الجنح، وحددت أول جلسة لنظرها في 30 يوليو/تموز 2018، ولا تزال القضية منظورة أمام المحكمة. ومطلع العام الماضي، أصدر رئيس مجلس الوزراء المصري قراراً بنقل تبعية الجزيرة إلى هيئة المجتمعات العمرانية، وتعيين رئيس لها، من أجل إتمام "خطة التطوير" التي أعلنتها الحكومة منذ شهر مايو/أيار 2017، والتي يرفض سكان جزيرة الوراق أن تكون على حساب حياتهم ومنازلهم.

ومنذ ذلك الحين، توالت اﻻستدعاءات الأمنية لأهالي جزيرة الوراق، من أجل الضغط عليهم لبيع أراضيهم ومنازلهم، للبدء في تطبيق خطة التطوير والتهجير التي تتبناها الحكومة، وهو الأمر الذي دفع بالعديد من أهالي الجزيرة، تحت تهديد الحصار والقمع الأمني، إلى التنازل فعلياً عن أراضيهم لهيئة المجتمعات العمرانية.

وفي 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تجدَّد الصراع من جديد على أرض جزيرة الوراق، إذ حاصرت قوات الشرطة، صباح 18 ديسمبر، معدية دمنهور، وهي أهم المعديات التي تربط الجزيرة بشبرا الخيمة من الناحية الشرقية، وأمرت أصحاب المعدية بإخلاء المرسى لإزالته من أجل تشغيل عبَّارة تابعة للجيش مكانها، وما إن علم الأهالي حتى تصدَّوا للشرطة لوقف عملية الإزالة، وتبع ذلك حضور قوات أكبر من الأمن المركزي والقوات الخاصة، ثم حضر مدير أمن القليوبية الذي أمر بسحب القوات خشية من تطوُّر الأحداث.

وتُعَدّ جزيرة الوراق الكبرى في نهر النيل، إذ تبلغ مساحتها 1850 فداناً، ويصل عدد سكانها إلى ما يقرب من 200 ألف مواطن. وتحتل موقعاً متميِّزاً، إذ تمثّل الرابط بين محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية)، وتُعَدّ كذلك من أهم المناطق الزراعية، إذ تشغل الأراضي الزراعية أكثر من نصف مساحتها، وتنتج هذه الأراضي أجود أنواع المحاصيل، بينما يعمل معظم سكانها بالزراعة والصيد.

وكانت الوراق تُعتَبَر هي و16 جزيرة نيلية أخرى، محميات طبيعية، وفقاً لقرار رئيس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998، حتى أصدر رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل، في 19 يونيو/حزيران 2017، قراراً مُفاجِئاً باستبعاد 17 جزيرة وعلى رأسها الوراق من هذا القرار. وحسب حركة الاشتراكيين الثوريين، فإن الشركتين المسؤولتين عن عملية تطوير الجزيرة، بجانب اللجنة الهندسية للقوات المسلحة، هما شركة "آر إس بي" الإماراتية السنغافورية للتخطيط المعماري، التي تم التعاقد معها عام 2013، وشركة "كيوب" للاستشارات الهندسية التي تعاقَدَت معها حكومة أحمد نظيف عام 2010، وقد أعلنت شركة "آر إس بي" التصميم التي تودّ أن تُنفِّذه على موقعها الإلكتروني، لكنها حذفته بعد توجيه انتقاداتٍ شديدة لها.