الحرب على إدلب ومحيطها: تضارب أنباء عن الدعم التركي

14 اغسطس 2019
دمار في خان شيخون جراء القصف(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال المعارك محتدمة في شمال غربي سورية بين فصائل المعارضة المسلحة وقوات النظام السوري ومليشيات تساندها، تضغط من أجل إحداث اختراق في ريف إدلب الشرقي من شأنه تغيير معادلات الصراع لصالحها، في ظل قصف روسي لم يتوقف يطاول أغلب مدن وبلدات ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي ويحصد يومياً أرواح مدنيين. وفي ظل تراجع فصائل المعارضة، تزداد مخاوف الشارع السوري المعارض من تكرار سيناريو مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة سقطت نتيجة القصف الروسي "المتوحش" وتقطيع الأوصال، وهو ما تحاول قوات النظام تطبيقه الآن في ريفي حماة وإدلب، ما فتح الباب أمام تساؤلات تتعلق بالموقف التركي إزاء ما يحدث من تصعيد مرشح لكل الاحتمالات بما فيها تراجع المعارضة السورية أكثر من ذلك.

وقُتل ثلاثة مدنيين، بينهم امرأة، وأصيب آخرون، أمس الثلاثاء، نتيجة قصف جوي روسي استهدف مدينة خان شيخون، في ريف إدلب الجنوبي، وفق مصدر من الدفاع المدني في إدلب، أشار إلى أن قصفاً مماثلاً طاول بلدة حيش، فيما قصفت طائرات مروحية بالبراميل المتفجرة قرية النقير، واقتصرت الخسائر على المادية. من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن طائرات النظام والمقاتلات الروسية واصلت غاراتها على شمال غربي سورية، فقصفت الطائرات الروسية بنحو 22 غارة مناطق في خان شيخون والتمانعة وكفرسجنة وترعي في ريف إدلب الجنوبي، ومحور كبانة في ريف اللاذقية الشمالي، فيما ألقى الطيران المروحي ما لا يقل عن 30 برميلاً متفجراً على مناطق في التمانعة وكفرسجنة والركايا، جنوب إدلب، ومحور كبانة في جبل الأكراد، ومحيط كفرزيتا واللطامنة، شمال حماة. كما نفذت طائرات النظام الحربية، وفق المرصد، نحو 14 غارة استهدفت خلالها مناطق في التمانعة وكفرسجنة وركايا وحيش وخان شيخون.

وأكدت مصادر في فصائل المعارضة لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام تحاول التقدّم باتجاه بلدتي التمانعة وترعي في ريف إدلب الشرقي في سياق محاولات انتزاع السيطرة على مدينة خان شيخون لإطباق الحصار على ريف حماة الشمالي. وأكدت مقتل وإصابة مجموعة من مليشيات النظام و"حزب الله"، أمس الثلاثاء، أثناء محاولتها التقدّم إلى ترعي، مضيفة: "بدأنا نتلافى لحظة الانهيار التام، وتقدّمنا عدة خطوات لتحقيق التوازن مع قوات النظام والمليشيات التي تساندها".

وأقلق تقدّم قوات النظام في ريفي حماة وإدلب الشارع السوري المعارض، الذي يتخوّف من تكرار سيناريو حلب الشرقية وغوطة دمشق الشرقية، عندما استطاعت قوات النظام إخضاع المنطقتين بعد اتّباع سياسة تقطيع الأوصال مع القصف الروسي المكثّف. ولكن الموقف يبدو مختلفاً في محافظة إدلب ومحيطها بسبب وجود حدود مع تركيا، إضافة إلى وجود منطقتي "غصن الزيتون" و"درع الفرات" الخاضعتين للنفوذ التركي المباشر.


ويؤكد قادة في الجيش السوري الحر أن أي قوة لا تستطيع الصمود في ظل قصف روسي هيستيري يستهدف كل شيء وهدفه قتل المدنيين وتدمير العمران أينما وجد. ويشيرون إلى أن الجانب الروسي وضع كل ثقله في المعارك التي تستعر في شمال غربي سورية منذ أواخر إبريل/ نيسان الماضي، وعلى الرغم من ذلك لم تحقق قوات النظام ذاك التقدّم الكبير الذي يمكن القول إنه اختراق من شأنه قلب معادلات الصراع. المقدّم سامر الصالح، القيادي في "جيش العزة"، أبرز فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، أوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أسباب تراجع فصائل المعارضة خلال الأيام القليلة الماضية، متحدثاً عن أن هناك جملة أسباب، منها "الإصرار والدعم الروسي اللامتناهي لقوات النظام والمليشيات، عدةً وعتاداً وعناصر"، إضافة إلى "الصمت الدولي عما يقوم به الروس والنظام من تدمير واستخدام لكافة الأسلحة المحرمة". وأشار الصالح إلى أن من أسباب تقدّم النظام "عدم اهتمامه بخسائره البشرية، لأن معظمها من المناطق التي أجرت مصالحات معه وهو غير مكترث بها"، إضافة إلى "دخول منظومات ليلية متطورة وأجهزة تشويش متطورة، واستخدامه الليل في كافة اقتحاماته".

وفتح تراجع فصائل المعارضة أمام قوات النظام، والذي بات يهدد ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، الباب أمام تساؤلات جدية تتعلق بالموقف التركي إزاء ما يحدث. ويخشى الشارع السوري المعارض من أن انشغال الأتراك بترتيب الوضع في منطقة شرقي نهر الفرات والقضاء على "الخطر الكردي" في شمال شرقي سورية، ربما دفع أنقرة إلى عدم إيلاء الموقف الصعب في شمال غربي سورية الاهتمام الكافي. وذهب البعض إلى حد الجزم بانقطاع الدعم التركي المباشر لفصائل المعارضة في سياق تفاهم مع الروس يتيح لهم السيطرة بالقوة على المنطقة منزوعة السلاح التي حددها اتفاق سوتشي والمقدّرة بنحو 20 كيلومتراً في محيط محافظة إدلب. ولكن المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم أغلب فصائل محافظة إدلب، النقيب ناجي مصطفى، أكد في تصريحات، الإثنين، "أن الدعم التركي لم يتوقف". ووفق مصادر إعلامية معارضة، برر مصطفى تقدّم النظام بالكثافة النارية، بقوله: "عصابات الأسد وقوات الاحتلال الروسي تستخدم كامل ترسانتها العسكرية من الأسلحة الحربية والطيران الحربي المقاتل والقاذف، إلى جانب الصواريخ العنقودية والفراغية والمتفجرة وشديدة الانفجار ومئات القذائف الصاروخية على هذه المحاور".

من جهته، قال القيادي في الجيش السوري الحر، العميد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد": "لا يوجد أي مؤشر على تخلّي تركيا عن الفصائل الثورية في منطقة إدلب". واعتبر أن "ما يتم نشره على بعض المعرفات المستترة للجيش الإلكتروني لنظام الأسد المجرم ما هي إلا حرب دعائية في محاولة منه لزعزعة ثقة الفصائل بتركيا التي تساندها لوحدها في هذه الحرب الشرسة التي تشنّها روسيا وإيران ومليشياتهما على المدنيين في منطقة إدلب". وتابع: "ما زال الدعم التركي السياسي واضحاً من خلال تصريحات القيادة السياسية في تركيا ولم يكن آخرها تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي قال إن نظام الأسد المدعوم من روسيا يواصل هجماته غير الأخلاقية على المدنيين في إدلب، من دون التفريق بين شاب ومُسن، إذ قتل قرابة 400 مدني وأصيب أكثر من ألف آخرين، من إخواننا السوريين منذ شهر".

وأشار حسون إلى أن "الدعم التركي العسكري ما زال واضحاً في الميدان وقد صرح بذلك قادة الجيش الحر، كما أن نقاط المراقبة التركية لم تغيّر من تمركزها بل يتم تعزيرها كلما زادت هجمات النظام"، مضيفاً: "المتضرر الثاني بعد السوريين من معارك حماة هي تركيا، فموجات النزوح القسري باتجاه الحدود التركية تزيد من الضغوط على تركيا، وفي حال زيادة وتيرة هذه المعارك فستزداد هذه الضغوط على تركيا". كما لفت حسون في سياق حديثه، إلى أن "روسيا تحاول تطبيق اتفاق قمة سوتشي حول إدلب بالقوة العسكرية، وتحاول بذلك تشكيل منطقة عازلة وفتح الطريقين م4 وم5 الدوليين"، مضيفاً: "لكن من الواضح أن ذلك لا يمكن تحقيقه في المرحلة الحالية، لا سيما أن الظروف التي عقدت فيها اتفاقية سوتشي قد تبدّلت، إذ لم توقف روسيا هجماتها على المنطقة، ولم تترك للسياسة التركية الناعمة الدور الفاعل في تحقيق ذلك".

وكان القيادي في الجيش السوري الحر، مصطفى سيجري، قد نفى في حديث مع "العربي الجديد"، أن تكون ‏المنطقة الآمنة في شمال شرقي سورية مقابل إدلب "كما يروّج العدو"، مضيفاً: "الاحتلال الروسي خارج التفاهمات الأميركية التركية، وفي إدلب أكثر من 50 ألف مقاتل، والجيش الوطني لم يتأخر في القيام بواجباته تجاه إدلب".

المساهمون