وفيما تجمع آراء عدة على أنّ عهد محمد السادس طبع بقدر كبير من الاستقرار في منطقة تهزها التحولات السياسية والأمنية، وأن عهده شهد محاولات إصلاحية عدة تفاوت حجمها ومدى الالتزام بها بقدر ما شهد حراكاً سياسياً واحتجاجات تباين تجاوب السلطات معها، يقرّ مستشارا الملك عمر عزيمان وعبد اللطيف المنوني، في حوار مع "فرانس برس" بأن التحديات لا تزال كبيرة وبأن نتائج سياسات المملكة، خصوصاً على صعيد التنمية والإصلاحات الديموقراطية، لم يستفد منها جميع المغاربة، وهو ما تعززه الإحصائيات والأرقام.
يحتفظ ملك المغرب عملياً بسلطات تنفيذية واسعة وسلطة القرار في ميادين السياسة الخارجية والدفاع والشؤون الأمنية والقطاعات الاقتصادية الأساسية، بالإضافة إلى الأمور الدينية بصفته "أمير المؤمنين"، وذلك على الرغم من توسيع سلطات رئيس الحكومة في التعديل الدستوري لسنة 2011، الذي اعتمد إثر تظاهرات قادتها "حركة 20 فبراير" في عدة مدن ضد الفساد والاستبداد، وللمطالبة بإرساء ملكية برلمانية عوض ملكية تنفيذية. وساهم هذا الحراك الذي تزامن مع الربيع العربي في التمهيد لتحولات سياسية غير مسبوقة في المغرب بدأت تظهر تباعاً، لا سيما بعد تعديل الدستور، والانتخابات المبكرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، التي دعا إليها العاهل المغربي، وانتهت بفوز حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، وبالتالي تصدر الحكومة بداية عام 2012.
ولا تزال تداعيات هذا الحراك مستمرة حتى اليوم، بشكل أو بآخر، لا سيما بعد الحركات الاحتجاجية التي شهدتها المملكة في 2017 و2018 في منطقة الريف ومدينة جرادة. وشهدت مناطق مغربية مختلفة حركات احتجاجية في السنوات الماضية، كان من أبرزها الحركتان الاحتجاجيتان في الريف وجرادة في 2017 و2018. كما ظهر في ربيع 2018 أسلوب احتجاجي غير مسبوق في المغرب تمثل في مقاطعة منتجات ثلاث شركات تستحوذ على حصة الأسد في أسواق المحروقات والحليب والمياه المعدنية، رفضاً لغلاء الأسعار.
ولقيت الحملة التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يتبناها أحد، تجاوباً واسعاً. وتلا الاحتجاجات التي شهدها الريف وجرادة الإعلان عن مشاريع تنموية في المنطقتين، لكن التحرك الاحتجاجي انتهى أيضاً باعتقالات وصدور أحكام قاسية طاولت مئات الأشخاص، بحسب تقارير منظمات حقوقية. واستفاد حتى الآن نحو 250 معتقلاً على خلفية تلك الملاحقات من عفو ملكي.
واعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تقرير صدر مطلع يوليو/ تموز الحالي، أن السنة الماضية "عرفت تردياً كبيراً نتيجة المقاربة القمعية التي تعاملت بها الدولة مع التنظيمات السياسية ونشطاء الحراك الاجتماعي". في المقابل، أكد وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان مصطفى الرميد أن "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تم القطع معها، وأصبحت بالنسبة للمغرب من الماضي".
كما تسجل ملاحظات على السياسة الأمنية المشددة المتبعة تحت شعار مكافحة الإرهاب، منذ الاعتداءات الإرهابية التي هزت الدار البيضاء في 16 مايو/ أيار 2003، والتي أدت إلى سقوط 33 قتيلاً، ومراكش في 28 إبريل/ نيسان 2011 والتي أسفرت عن سقوط 17 قتيلاً. كما تبرز ملاحظات حول الحريات الإعلامية.
وإذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي قد وسّعت هامش حرية التعبير في السنوات الأخيرة، فإن وسائل الإعلام التقليدية تبقى في ظل حكم محمد السادس مرتهنة لدعم الدولة المالي وخاضعة لمراقبتها.
من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية محمد الطوزي، أن "أي مسار إصلاحي لا يمكن أن يسير في خط مستقيم، ولا بد أن يتأرجح بين التقدم والتراجع"، مشدداً على "نجاح المغرب في الحفاظ على استقراره" في محيط إقليمي تهزه التحولات السياسية. وأشار الطوزي، الذي شارك في لجنة مراجعة الدستور في 2011، إلى مؤشرات تدل على أن ثمة "تغييرات مهمة حصلت".
وتتمثل هذه التغييرات في أعمال "هيئة الإنصاف والمصالحة" لطي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتبني قانون أسرة يعزز حقوق النساء في 2004، فضلاً عن دستور 2011، ووجود هيئات رقابة مثل المجلس الأعلى للحسابات. وإلى جانب التحديات السياسية، تظهر المعطيات أن المغرب لا يزال مطبوعاً بفوارق اجتماعية عميقة بالرغم من الجهود المبذولة لتحقيق التنمية. وأطلق محمد السادس دعوة للتفكير في صياغة نموذج تنموي جديد على خلفية الحركات الاحتجاجية شهدتها المملكة في 2017 و2018 في الريف وجرادة.
وحاول الملك التخفيف من حدة الاحتجاجات، إذ اعتبر، في خطاب في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أن النموذج التنموي الحالي أصبح "غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية".
وبحسب دراسة رسمية نشرت أواخر 2016، فإن المغرب لا يزال يواجه "العديد من التحديات التي يتعيّن رفعها، لا سيما ما يتعلق بالبطالة في صفوف الشباب، والفوارق الاجتماعية والجهوية". وأكد المستشار الملكي عمر عزيمان، في حوار مع وكالة "فرانس برس"، أن "ثمار التنمية التي تحققت خلال العشرين سنة الماضية لم يستفد منها الجميع، هناك شعور بالسخط. لا نستطيع خلق فرص عمل لشبابنا، ولا تزال لدينا مناطق مهمشة". وأوضح أن "تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية" أولى أولويات المغرب حالياً. ولا يبدو الشباب المغربي إجمالاً مطمئناً للمستقبل، ويفكر 7 من كل 10 شبان مغاربة في الهجرة، بحسب نتائج دراسة نشرت أخيراً لمؤشر "البارومتر العربي". وخلصت الدراسة إلى أن المغرب منقسم بين "جيل قديم أكثر ثقة، وآخر شاب أكثر تشاؤماً".
(العربي الجديد، فرانس برس)