ولا يكف العاهل الأردني عبد الله الثاني عن الدعوة لتشكيل حزبين أو ثلاثة أحزاب قوية في البلاد، على غرار الدول الغربية، لكن البيئة العامة في الأردن تكشف عن غياب الإرادة السياسية للإصلاح السياسي والتردد الواضح من قبل السلطة بالتخلي عن جزء من صلاحياتها. ويأتي في هذا السياق تصريحات رئيس الوزراء عمر الرزاز، في 21 يونيو/حزيران الماضي، التي ألمح فيها إلى أنه لن يتم إجراء تعديلات جوهرية على قانون الانتخاب، الذي سيرسل إلى مجلس النواب في الدورة العادية المقبلة، وهو ما يعني أنه لا نية لتغيير جوهري على السياسات الحكومية في هذا الإطار.
فالوضع السياسي في الأردن يجسد رغبة "قوى الأمر الواقع" بكل مؤسساتها للإبقاء على الوضع القائم لقطع الطريق على الأحزاب، والقوى الشعبية، والحيلولة دون حصول أية "اختراقات محتملة" للمنظومة السياسية الحالية. وتُجمع غالبية الأحزاب على ضرورة اجتراح قوانين انتخابية عصرية تسمح بتقدم الأحزاب والنخب السياسية في البرلمان، لتكون البوابة لتشكيل الحكومات البرلمانية؛ وفي الوقت ذاته تطالب أحزاب المعارضة، بشكل خاص، بكف يد الأجهزة الأمنية عن التضييق على الحياة الحزبية وممارسة العقاب الجماعي الذي يحصل بحق الحزبيين وذويهم.
وفي ظل هذه الظروف السياسية العامة، وعوامل داخلية ذاتية، فإن غالبية الأحزاب الأردنية هي أحزاب مغمورة شعبياً لا يعرف الشارع الأردني عنها الحد الأدنى من المعلومات. ويستثنى من ذلك حزب جبهة العمل الإسلامي، وبعض الأحزاب القومية واليسارية، وعدد محدود من الأحزاب الوسطية. ويقول الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر الأحزاب الأردنية وأكثرها تمثيلاً في البرلمان، مراد العضايلة، لـ"العربي الجديد"، إن "المشكلة هي أنه تم تهميش الحياة السياسية في الأردن، وأكثر الجهات تأثراً بذلك هي الأحزاب السياسية. فالأحزاب تحتاج إلى بيئة صحية وسليمة للعمل السياسي، وهذه البيئة غير متوفرة في الأردن حالياً، ولا توجد رغبة لدى مؤسسات الدولة بأن تكون الأحزاب صاحبة دور وقائدة في المجتمع لتُغير المشهد السياسي". ويوضح أنه "في الديمقراطيات العالمية هناك تداول سلمي للسلطة مرتبط بالأحزاب، وهذا غير متوفر في الأردن، وهناك مساعٍ دائمة لمنع تمكين أي قوى سياسية كبرى قادرة على منافسة القوى الحالية التي تسيطر على كل مفاصل الحياة، السياسية والمدنية والاجتماعية، في الدولة". ويضيف أن "قانون الانتخابات الحالي لا يسمح بأي تشكل سياسي"، مشيراً إلى أن "قوانين الانتخاب، ومنذ اعتماد مبدأ الصوت الواحد، فتحت المجال بشكل واسع للانتماءات العشائرية والمناطقية، والفئويات الصغيرة، على حساب الأحزاب والعمل السياسي المنظم".
ويوضح العضايلة أن "ما يضعف الأحزاب أيضاً هو أن الحزبيّ مستهدف هو وأفراد أسرته بالحرمان من حقوقهم بالوظائف العامة، ويُضيق عليه بالمتابعة والملاحقة"، مشيراً إلى أن "هناك قلة من الأحزاب القادرة على التحرك بحرية، والعديد من الأحزاب أقرب إلى الديكور، بما فيها الأحزاب التي خرجت من رحم الدولة". ويقول إن "هناك أيضاً مشاكل داخلية في الأحزاب الأردنية، فهناك الكثير منها ارتبط تشكيلها بأشخاص، شخص المؤسس، وبعض الأحزاب القديمة لم يتغير أمينها العام منذ التأسيس، وهناك مشاكل في الأنظمة الداخلية، وهو ما أدى إلى عجز الأحزاب". ويضيف العضايلة أنه "منذ ربع قرن، ونحن نعيش ثنائية بين الحركة السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي والسلطة".
ويقول الأمين العام للحزب الوطني الدستوري (من الأحزاب الوسطية)، أحمد الشناق، في قراءة للمشهد الحزبي: "الأحزاب الأردنية ليست لها فاعلية على مستوى الشأن الداخلي للقضايا التي تهم الوطن والمواطنين، وعلى مستوى الشأن الخارجي في ما يتعلق على سبيل المثال بموقف الأردن تجاه القضية الفلسطينية، والقضية السورية، وغيرها". ويضيف: "هذا الوضع يتطلب من الأحزاب مراجعة برامجها في الشأن الداخلي، وتقديم حلول. لا نرى موقفاً حقيقياً حيال الحكومة وأدائها، وخصوصاً أن هذه الأحزاب تمثل رقابة شعبية، وآن لها أن تطرح بدائل، في قضايا الفقر والبطالة والاقتصاد"، مشيراً إلى أن "الأحزاب لم تتقدم ببرامج وحلول بديلة لما تطرحه الحكومة". ويؤكد الشناق ضرورة أن تطور الأحزاب أداءها حتى تؤثر في الرأي العام الأردني، وبما يكسبها المؤازرين لبرامجها وخططها، معتبراً أن على الأحزاب أن تطور لغة خطابها بما يتناسب مع وسائل الإعلام الحديثة، وهو جانب مهم من أجل الحضور لدى الرأي العام، وحتى تُعرف بنفسها على الأقل. ويوضح أن "الأحزاب في الأردن لا يمكن لها أن تمارس دوراً حقيقياً، فقانون الانتخاب هو العائق أمام مشاركة الأحزاب بشكل فاعل في الحياة السياسية"، مشيراً إلى أن "فكرة القانون الحالي قائمة على الانتخاب الفردي، وهو معيق جداً، فالحزبية لا يمكن أن يكون لها حضور إذا لم تشارك في البرلمان أو الحكومة".
ويؤكد أن "قانون الانتخاب هو العقبة الحقيقية أمام تطور العمل الحزبي، والانتقال من أحزاب مرخصة بموجب القانون إلى حياة حزبية سياسية حقيقية"، معتبراً أن "قانون الانتخاب يجب أن يحتوي على القائمة الحزبية، وإذا لم يحدث ذلك فستبقى الحياة الحزبية في الأردن تراوح مكانها، كما هي منذ استئناف المسيرة في العام 1989".
وتقول النائب السابقة، والأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي الأردني "حشد" (يسار)، عبلة أبو علبة إن "دور الأحزاب في الحياة السياسية يعتمد على مدى ما وصلت إليه الحريات العامة في البلاد، والتي تحدّدها التشريعات من جهة والسياسات الرسمية المعمول بها من جهة أخرى. فالإقرار بالتعددية السياسية واحترامها والتعامل معها تتطلب قوانين متقدمة تنظم الحياة السياسية في البلاد على أسس ديمقراطية واعتماد المشاركة الشعبية التمثيلية". وتوضح أنه "منذ إلغاء الأحكام العرفية رسمياً في العام 1992 وإقرار قانون الأحزاب السياسية وعودة الحياة البرلمانية، فإن السياسات الرسمية تحاصر الأحزاب السياسية، وذلك من خلال قوانين انتخابات برلمانية تستهدف إقصاء الأحزاب السياسية والقوى المنظمة، وتحديداً القوى الديمقراطية والتقدمية، ناهيك بالضخ الإعلامي المتواصل للتشكيك في الأدوار الوطنية للأحزاب السياسية. هذا بالإضافة إلى قانون الأحزاب السياسية نفسه المليء بمواد تشريعية تقيد حركة الأحزاب السياسية، وذلك خلافاً لما جاء في الدستور الأردني". وتقول: "إننا نعتقد أن تقدم الوضع السياسي في البلاد مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإقرار الفعلي بالتعددية السياسية واحترام دور الأحزاب، ليس فقط في الخطاب الرسمي وإنما في التشريعات والسياسات اليومية، وهذا الأمر يتطلب تعديل قانون الانتخابات النيابية ومغادرة نظام الصوت الواحد واعتماد القائمة الوطنية المغلقة والتمثيل النسبي الشامل.
وتسعى الحكومة الأردنية حالياً لتغيير وتعديل نظام "المساهمة في دعم الأحزاب السياسية" الصادر بموجب قانون الأحزاب السياسية، والذي وضع شروطاً لمساهمة الحكومة في تمويل الحزب بمبلغ 50 ألف دينار سنوياً (70 ألف دولار) وشروطاً أخرى لتمويل إضافي للحزب لا يتجاوز 50 ألف دينار. ويستطيع الحزب أن يحصل على تمويل سنوي قد يصل في حده الأعلى إلى 100 ألف دينار إذا حقق الشروط الواردة في النظام، ومنها ألا يقل عدد أعضائه عن 500 عضو عند استحقاق المساهمة المالية، موزعين على 7 محافظات، وألا تقل نسبة الأعضاء من كل محافظة عن 5 في المائة، وألا تقل نسبة النساء بين أعضائه عن 10 في المائة. ووفق بيانات وزارة التنمية السياسية الأردنية، لقد بلغ عدد الأحزاب السياسية المرخصة 47 حزباً. ويعتبر "جبهة العمل الإسلامي" أقدم الأحزاب عقب عودة الحياة الديمقراطية في العام 1989، إذ إنه تأسس في 7 ديسمبر/كانون الأول 1992، فيما تأسست أحزاب البعث العربي الاشتراكي والشيوعي والشعب الديمقراطي (حشد) في 17 يناير/كانون الثاني 1993، وتبعها تأسيس حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي في 9 فبراير/شباط ثم البعث العربي التقدمي في 13 إبريل/نيسان من العام ذاته، ومن ثم توالى تأسيس الأحزاب الأردنية. ويعد حزب جبهة العمل الإسلامي الأكبر بعدد الفروع، إذ لديه 23 فرعاً، يليه الوسط الإسلامي بـ14 فرعاً، ثم جبهة النهضة الوطنية بـ 11 فرعاً، و"حشد" بـ 9 فروع. وتم حل 27 حزباً منذ العام 2008: اثنان منهما بقرار من محكمة استئناف عمان نتيجة وجود مخالفات مالية وإدارية، هما "دعاء" و"الرفاه"، فيما طاول الحل 25 حزباً آخر نتيجة عدم تصويب أوضاعها.