النظام السوري ينتقم لخسائره في اللاذقية بقصف إدلب

11 يوليو 2019
هدفت الفصائل من الهجوم لاستنزاف قوات النظام (بهاء الحلبي/الأناضول)
+ الخط -

أربك الهجوم الذي شنته فصائل مقاتلة في ريف اللاذقية الشمالي قوات النظام والجانب الروسي، وهو ما تُرجم قصفاً جوياً، أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين في مدن وبلدات محافظة إدلب، في استمرار لسياسة النظام بتنفيذ عمليات انتقامية واسعة النطاق بحق المدنيين، للضغط على الفصائل كي توقف عمليات عسكرية يمكن أن تؤدي إلى انهيار قواته في محاور القتال المختلفة.

وكانت فصائل تدور في فلك "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، قد شنّت هجوماً عسكرياً واسع النطاق، الثلاثاء الماضي، على مواقع النظام في جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، باغت قواته وأجبرها على التراجع في 15 نقطة، من بينها 3 تلال مهمة. ووصل مقاتلو هذه الفصائل إلى أطراف تلة عطيرة وجبل زاهية الاستراتيجيين، إلا أنّهم انسحبوا بعد ذلك من المواقع التي تقدموا إليها. وتسبّب الهجوم في مقتل وإصابة وأسر العشرات من عناصر قوات النظام، فيما تواردت أنباء عن مقتل 3 عناصر من القوات الروسية الخاصة، وفق مصادر محلية في غربي إدلب المتاخم لشمال اللاذقية. وقالت هذه المصادر إن فصائل غرفة عمليات "وحرض المؤمنين" نفذت سلسلة عمليات "انغماسية" على أكثر من 20 نقطة لقوات النظام على عدة محاور في جبل التركمان، شمالي اللاذقية، أهمها تلة العطيرة والصراف، إضافة لتلة زاهية. وبثت الفصائل مقطعاً مصوراً يظهر جانباً من الاشتباكات العنيفة التي دارت على محور تلة زاهية، مشيرة إلى أن المعركة كانت عبارة عن هجمة محدودة، أو ما تطلق عليه الفصائل مصطلح "إغارة"، من دون تثبيت النقاط التي سيطرت عليها. وأبرز المجموعات المهاجمة "أنصار التوحيد"، و"أنصار الدين"، المنضوية في غرفة عمليات "وحرض المؤمنين" مع مجموعات أخرى.

من جهتها، أشارت وسائل إعلام تابعة للنظام إلى أن قوات الأخير تصدت لهجوم، قالت إنه "الأعنف منذ أشهر"، على محور تلة أبو علي، ومحاور أخرى في ريف اللاذقية الشمالي. ونقلت عن مصدر ميداني زعمه أن قوات النظام "صدت الهجوم، الذي لم يُحدث أي تغير في خريطة السيطرة في ريف اللاذقية الشمالي"، مشيرة إلى أن قوات النظام استقدمت تعزيزات إلى المنطقة لـ"مواجهة هذا الهجوم العنيف"، وفق وصفها.

وصعّد طيران النظام السوري، أمس الأربعاء، من وتيرة قصفه لريفي حماة وإدلب، في رد، كما يبدو، على الهجوم على محور جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، والذي منيت فيه قوات النظام بهزائم. وقتل ستة أشخاص وأصيب 10 آخرون، معظمهم من النساء والأطفال، جراء استهداف الطيران الحربي التابع للنظام مدينة جسر الشغور، غرب إدلب، بغارتين جويتين استهدفتا الأحياء السكنية ومستشفى المدينة. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن طيران النظام "استهدف مستشفى جسر الشغور بشكل مباشر، ما أدى إلى مقتل شاب وطفلة، فضلاً عن خروج المستشفى عن الخدمة في إطار السياسة الممنهجة من قبل النظام السوري وشريكه الروسي باستهداف المنشآت الطبية والمرافق العامة". وقال الدفاع المدني في إدلب إن إحدى الغارات استهدفت فرق الدفاع المدني وطواقم الإسعاف. وجسر الشغور واحدة من أقرب المدن إلى جبهات المعارك الحالية. كما قتل مدنيان، أمس الأربعاء، بقصف لطائرات النظام الحربية على قرية تل مرديخ بريف إدلب الجنوبي، في وقت كانت فيه هذه الطائرات تقصف مدينة سراقب، شرق مدينة إدلب، ومحيط مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، فيما ألقت طوافات النظام براميل متفجرة على قرية كنيسة نخلة، غرب إدلب، وقرية السرمانية بسهل الغاب، ومحور كبانة بجبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي. كما قصفت طائرات النظام الحربية قرية البوابية، جنوب حلب، في حين قصفت قوات النظام، بعشرات القذائف، تل ملح والجبين والحماميات ومورك بريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، ومحور القصابية، أقصى ريف إدلب الجنوبي، ومواقع في محور الكتيبة المهجورة وقرى ريان والشيخ إدريس وبجعاص بريف إدلب الشرقي، وقريتي زمار وجزرايا في ريف حلب الجنوبي.


ومن الواضح أن الفصائل، التي تدور في فلك "هيئة تحرير الشام"، التي شنت الهجوم في ريف اللاذقية الشمالي لم يكن ضمن خططها الاحتفاظ بالمواقع التي سيطرت عليها يوم الثلاثاء، بل تهدف غالباً إلى استنزاف وتشتيت قوى قوات النظام والمليشيات التابعة لها، إذ اضطرت الأخيرة إلى نقل مسلحين من ريف حماة الشمالي إلى ريف اللاذقية الشمالي، وهو ما يمنح فصائل المعارضة السورية القدرة على مهاجمة قوات النظام في محاور القتال الرئيسية في ريف حماة. وبدّل هجوم ريف اللاذقية الشمالي المباغت بعض المعطيات في معادلة الصراع في المنطقة، إذ استعادت الفصائل المسلحة زمام المبادرة، بعدما صدت عشرات محاولات الاقتحام من قبل قوات النظام خلال الشهرين الأخيرين. وانتقلت هذه الفصائل إلى الهجوم للدفاع عن مواقعها في جبل الأكراد، وفي المقدمة تلة الكبانة الاستراتيجية، وهو ما أربك النظام والجانب الروسي الذي كما يبدو فشلت مخططاته في دفع المعارضة السورية إلى الانخراط في سياسة المصالحات مع النظام، على غرار ما حدث في جنوب سورية وريف دمشق وريف حمص الشمالي. وتخوض الفصائل المسلحة حرب استنزاف لقوات النظام في شمال غربي سورية، إذ لا يكاد يمر يوم من دون عمليات عسكرية تؤدي إلى مقتل عناصر من هذه القوات، تؤكد مصادر في الفصائل أن جلهم من "مناطق المصالحات" كانوا يقاتلون مع فصائل المعارضة قبل تسوية أوضاعهم لدى النظام الذي دفعهم إلى جبهات القتال ليكونوا وقود معاركه.

وأشار القيادي في الجيش السوري الحر مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "ما حدث خلال الفترة الأخيرة من جرائم واعتداءات من قبل مليشيات النظام، وبدعم من الاحتلال الروسي، وعدم احترام اتفاق سوتشي قد فتح الباب أمام مرحلة جديدة". وأضاف سيجري، المتحدر من ريف اللاذقية الشمالي: "بات على الفصائل الثورية القيام بعمليات نوعية من شأنها تكبيد العدو خسائر كبيرة وسحبه إلى معارك استنزاف بشكل مستمر". وأوضح أن المعركة الدائرة في ريف اللاذقية الشمالي "تأتي أيضاً في سياق التخفيف عن ريف حماة، ولها خصوصية عالية وأهمية كبيرة، إن كان للثوار أو للاحتلال الروسي أو للنظام". وأشار إلى أن الأعمال العسكرية في ريف اللاذقية الشمالي "ستستمر في ظل عدم احترام اتفاق سوتشي من قبل الاحتلال الروسي، والأصل في هذه العمليات النوعية استنزاف العدو وبأقل الخسائر".

ولطالما كان ريف اللاذقية الشمالي مسرح معارك كبرى بين فصائل المعارضة وقوات النظام بدءاً من 2012، العام الذي شهد تقهقر هذه القوات في هذا الريف الذي يضم جبلي الأكراد والتركمان الاستراتيجيين. وبلغت المعارك ذروتها في العام 2014، عندما وصلت فصائل المعارضة إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط بسيطرتها على بلدة كسب ومحيطها. وبدعم روسي استعادت قوات النظام خلال عامي 2015 و2016 العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية في سياق مساعي الجانب الروسي لتأمين قواعده على الساحل السوري.