التحفّظ العراقي في مكة: خشية من إطاحة سعودية بالاتفاقيات

05 يونيو 2019
أيّد عبد المهدي تصرّف الوفد العراقي وتحفّظه على البيان(Getty)
+ الخط -
على الرغم من اتصالات عدة أجراها مسؤولون عراقيون في الأيام الثلاثة الماضية، مع شخصيات سعودية بارزة لتوضيح سبب التحفّظ العراقي على بيان القمة العربية الطارئة التي عُقدت في مكة الأسبوع الماضي، بقيت السلطات السعودية منزعجة جداً من هذا الموقف، بحسب ما تكشف مصادر رفيعة في بغداد لـ"العربي الجديد"، وهو ما قد ينعكس على العلاقات بين البلدين. وكان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، أعلن في مؤتمر صحافي في بغداد الأحد الماضي، تأييده تصرّف الوفد العراقي وتحفّظه على البيان، معللاً ذلك بأنّ بلاده لا تريد أن تكون مع محور ضدّ آخر. وقال إنّ "أداء وفدنا كان جيداً في قمة مكة، والدول المشاركة تفهّمت سبب موقف العراق المتحفّظ على البيان، وهو حرصه على ألا يكون في محور ضد آخر". لكن التبريرات العراقية المتعددة للتحفّظ والتي خرجت عقب عودة الوفد العراقي من مكة، لم تكن كافية، وفق ما قال مسؤول عراقي لـ"العربي الجديد"، لافتاً إلى أنّ "اتفاقاً تمّ بين الرئاسات الثلاث منذ شهر في بغداد على إبعاد العراق قدر الإمكان عن المحاور، وجرى بذل جهود داخلية نحو فصائل ومليشيات مسلحة وخارجية بهذا الإطار، وموقف الرئيس العراقي برهم صالح في مكة كان من ضمن صلب الاتفاق".

وكشف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، عن "اتصالات جرت بين مسؤولين عراقيين وسعوديين في الأيام الماضية لتوضيح الموقف وإزالة اللبس الحاصل، إلا أنّ مسؤولاً سعودياً بارزاً أوصل رسالة بأنّ نظام بلاده منزعج جداً من الموقف العراقي وأنه يعتبره كان منحازاً لإيران، وأصيب بخيبة أمل من الحكومة العراقية، وأنّ الرياض كانت تتوقّع من بغداد موقفاً أفضل من هذا، خصوصاً مع سلسلة المبادرات أحادية الجانب من السعودية للعراق في الفترة الماضية".

ورجّح المسؤول العراقي أن تتأثّر بعض الاتفاقيات والبرامج والمشاريع التي قدّمتها السعودية للعراق هذا العام والذي سبقه، كملعب الملك سلمان في بغداد، ومراكز غسل الكلى في المحافظات العراقية، ورفع حصة العراق من مقاعد الحج، ودعم الجامعات، واتفاقية إعادة فتح المنافذ البرية بين البلدين، وتدشين القنصلية السعودية في النجف. وأشار إلى أنّ "لغة الإعلام السعودي تجاه العراق، تغيّرت عقب المؤتمر الذي أعلن فيه الأخير رفضه البيان الختامي، وهذا مؤشر بالنسبة للعراقيين اعتادوا عليه من وسائل الإعلام السعودية في السنوات الخمس عشرة الماضية". واستدرك بالقول: "لكن هذه التكهنات حول مستوى العلاقة وهل ستتراجع أم ستبقى على حالها، سيجري التأكد منها مطلع الشهر المقبل، فحينها من المقرر أن تباشر السعودية برامج مشتركة مع العراق بينها المنافذ الحدودية وتفعيلها، واجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة، وتقديم مِنح لوزارة الصحة والتعليم والتربية وملفات أخرى".

في المقابل، قال عضو التيار المدني العراقي أحمد الطائي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "المسؤولين العراقيين كان يمكنهم الاعتذار عن المشاركة من الأساس في قمم مكة والتعذّر بالوضع الداخلي، وهذا أفضل من أن يشاركوا ويحرجوا أنفسهم ويعرضوا التقدّم الذي تحقق أخيراً مع السعودية للانهيار"، مشيراً إلى أنّ "التحفّظ العراقي لم يُحسب كنأي بالنفس، بل عُدّ اصطفافاً مع إيران، ولو صدر من دولة أخرى ربما كان فهم نأياً بالنفس".

ورأى الطائي أنّ قيام وسائل إعلام سعودية بنبش ملفات عراقية والتشكيك بعروبة العراق من قبل بعض الكتّاب السعوديين "تعبير عن مراهقة وتخبّط سياسي سعودي، يجب على العراق ألا ينجرّ وراءه حتى يثبت فعلاً أنّه لا يريد الدخول في محور ضد آخر"، مؤكداً أنّ "العلاقة بين البلدين تعرّضت لهزّة واضحة، وعلى الحكومة أن تحاول امتصاص ردّ الفعل السعودي، وأن تواصل الضغط على الساسة لوقف تصريحاتهم العدائية أو المؤيدة لإيران والحوثيين على وجه التحديد".

إلا أنّ مهدي تقي، عضو البرلمان عن تحالف "الفتح" المدعوم من طهران، تحدّث صراحة عما وصفه "نصرة إيران" من خلال الموقف العراقي في مكة، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "موقف رئيس الجمهورية يعبّر عن موقف العراق، ودفاعنا عن إيران يشبه دفاعنا عن أي بلد مظلوم"، مضيفاً "نحن نرفض أي عملية عسكرية تستهدف دولة جارة، وإيران ساعدت العراق خلال الحرب على تنظيم داعش، وكذلك المستشارون الإيرانيون ساعدوا المقاتلين العراقيين". وأكّد تقي في الوقت نفسه أنّ "موقف العراق لن يؤثر على علاقاته الحالية مع دول خليجية، لأننا مستمرون بسياسة الاعتدال والحياد مع المحيط العربي بما يخدم مصالحنا".

من جهته، قال المحلل السياسي، الباحث في الشأن العراقي، علي اللامي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "السعودية كانت ستعتبر موقف العراق إنجازاً لها لو وافق على بيان مكة، وكذلك انتصاراً للدبلوماسية السعودية، وستستخدمه داخلياً وخارجياً أيضاً على اعتبار أنها ساهمت في إخراج العراق من الاصطفاف الإيراني"، مضيفاً: "لذا كان تحفّظ بغداد أكثر شدة على الرياض مما لو كان من أي دولة أخرى، كونها بذلت خلال عام كامل جهوداً كبيرة في سبيل تطوير العلاقات، وبدا بشكل واضح أنه إقبال سعودي على العراق، وليس رغبة دولتين جارتين بتحسين علاقاتهما بعد قطيعة طويلة".

وأضاف اللامي: "لكن إيران سبق أن اعتبرت التشكيلة الحكومية في العراق نقطة جديدة لصالحها، ووصلت لرئاسة الوزراء والجمهورية والبرلمان شخصيات غير التي كانت مدعومة من واشنطن، بل مقربين من طهران. لذا، لا يمكن بهذه التشكيلة أن يتوقّع أحد من العراق، كموقف رسمي، أن يكون ضدّ إيران". واعتبر أنّ "الأفضل للعراقيين الآن هو الابتعاد عن مثل هذه المؤتمرات والتحشيدات الإقليمية، لأنّ إيران تمتلك الكثير من الأوراق في العراق وملف الأمن أبرزها".

المساهمون