ووضعت تلك الاستقالة قادة الحزب أمام مسؤولياتهم بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها الاشتراكي في الانتخابات الأوروبية، وإزاحته من المركز الأول كأقوى قوة تمثيلية في ولاية بريمن، منذ أكثر من سبعة عقود، في الانتخابات البلدية التي جرت أخيراً لصالح المسيحي الديمقراطي، إذ يبدو أن الحزب وضع نفسه في محنة قد تكون لها تداعيات سلبية وخيمة على مستقبل الحزب العريق.
وعن تقديم ناليس لاستقالتها، يعتبر خبراء في الشؤون السياسية الألمانية، بينهم فينكه برنسن، أن ناليس وصلت إلى طريق مسدود، لأن المواجهة خلال الاجتماع الذي كان مقرراً غداً لتحديد زعيم جديد لكتلة الحزب في البوندستاغ كانت ستؤدي إلى نوع من الفوضى، بعد فشل محاولات الوساطة بفعل قرار عدد من النواب عدم التصويت لها، مطالبين بضرورة انسحابها من رئاسة الكتلة، رغم عدم إعلان أي شخصية نيتها منافستها.
يأتي ذلك بعد ما رشح عن أن ناليس تريد الاحتفاظ برئاسة الكتلة مع زعامة الحزب لعدم التضييق والتشويش على قيادتها. وعليه لم يعد أمامها خيار لمنع تقسيم الحزب سوى الإقدام على الاستقالة وتفادي الإذلال السياسي بعد مهاجمتها بشكل منهجي خلال الأيام الأخيرة، حتى إن الأمر وصل بالبعض لوصف ما يحصل مع ناليس بـ"التنمر"، ناهيك عن إطلاق الشائعات والهمهمات بحصول انقلاب ضدها، وفق ما ذكرت تقارير صحافية عدة.
في السياق، اعتبر نائب رئيس البوندستاغ الاشتراكي توماس أوبرمان، في حديث مع القناة الأولى في التلفزيون الألماني، اليوم الإثنين، إنه لم يكن من العدل التعامل معها بهذا الشكل، على الرغم من أن الانتقادات مشروعة، لكن الكثير منها "كان تحت الحزام"، قبل أن يضيف أن "خليفة ناليس يحتاج إلى التضامن الكامل والولاء من الحزب"، طارحاً "عدم الجمع بين زعامة الحزب ورئاسة الكتلة البرلمانية، لأن أي خطأ يرتكب في الكتلة يرتد مباشرة على قيادة الحزب"، فيما أكد زميله رالف شتيغنران أن "ناليس تحملت مسؤولية النتائج السيئة في انتخابات البرلمان الأوروبي وولاية بريمن، لكن بالطبع لم تكن وحدها المسؤولة إنما القيادة بأكملها، والآن علينا العودة إلى العمل بروح الفريق".
وفي خضم الأزمة التي يعيشها الاشتراكي، حذر الباحث السياسي توماس سيغموند من تفكك الحزب، لأن وجوده كحزب شعبي بات على المحك، مشككاً بما إذا كان لا يزال ينظر إليه كقوة سياسية في المستقبل وبعدما بات يعاني من الهرم، وهو ما بينته العديد من التحقيقات التي تفيد بأن الأخير يفتقد إلى قيادات شابة تحاكي تطلعات المؤيدين والناخبين وبعناوين مغايرة بينها ملفات الرقمنة وحماية المناخ والبيئة والابتكار، وشكلت نقاط قوة للأحزاب الصغرى، مثل الخضر، ترجمت نتائجها الباهرة أخيراً في صناديق الاقتراع.
وفي هذا الإطار، قال عمدة مدينة فلنسبورغ، سيمونه لانغه، لإذاعة ألمانيا، إن "حزبه يحتاج إلى وجوه جديدة، والأمر لا يتعلق بالأسماء، بل كيف يجب أن تسير الأمور بالنسبة للاشتراكي، ومناقشة أسئلة أساسية، بينها اقتصاد الرفاهية والدخل الأساسي غير المشروط"، علماً أن أحدث استطلاعات الرأي، بيّنت، أمس الأحد، أن الخضر حل أولاً وتقدم على الحزبين التقليديين المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي.
وعن الشخصيات المتوقع توليها قيادة الحزب، استبعد نائب المستشارة ووزير المالية، أولاف شولز، نفسه من المنافسة على المنصب الجديد بصورة مؤقتة أو دائمة، لأن الأمر لا يتوافق مع طبيعة عمله في وزارة المالية الاتحادية، فيما فضل رئيس وزراء ولاية سكسونيا السفلى ستيفان وايل البقاء في منصبه الحكومي، وأكد أنه ليس لديه أي طموحات أخرى.
كما أن الثلاثي، نائبة زعيمة الحزب ورئيسة وزراء ولاية راينلاند، بفالس مالو درايير، ورئيسة وزراء ولاية ماكلنبورغ فوربومرن مانويلا شفيزيغ، وسياسي الحزب في ولاية هيسن شيفر غومبيل، الذين سيتولون القيادة المؤقتة للاشتراكي، لا نية لهم بالترشح لزعامة الحزب في المرحلة المقبلة، من دون إغفال ما سيقدم عليه مارتن شولتز الزعيم الأسبق، وقد يقدم على الترشح مجدداً للاستفادة من فرصة ثانية، بعدما لم ينجح في قيادته للحزب قبل الانتخابات العامة عام 2017.