تهاوي الاشتراكي يهدد الائتلاف الحاكم: ميركل نحو حكومة أقلية؟

23 يونيو 2019
القيادة الثلاثية للحزب الاشتراكي (الأناضول)
+ الخط -
يعيش الديمقراطيون الاشتراكيون في ألمانيا أعمق أزمة في تاريخهم السياسي، بعد كشف استطلاع لمعهد "فورسا"، صادر في 15 يونيو/ حزيران الحالي، أن الحزب يأتي في المرتبة الرابعة بين الأحزاب الألمانية بنسبة 11 في المائة من الأصوات، في أسوأ نتيجة له منذ عام 1949. وبحسب الاستطلاعات، فإن الديمقراطي الاشتراكي حلّ رابعاً خلف "الخضر" بـ27 في المائة، والمسيحي الديمقراطي بـ24 في المائة، و"البديل لأجل ألمانيا" اليميني المتطرّف بـ13 في المائة.
وتتجه الأنظار إلى يوم الاثنين المقبل، إذ ستقرر قيادة الاشتراكي كيفية الاستمرار بسياستها لإنقاذ الحزب العريق، وبينها تقريب موعد المؤتمر العام المقرر أساساً في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، إلى سبتمبر/ أيلول المقبل، لانتخاب زعيم جديد أو شخصيتين لقيادته على غرار حزبي "الخضر" واليسار، وذلك في موازاة مناقشته تقريب ما يُعرف بـ"مراجعة منتصف مدة التحالف الكبير (الحكومي) لتقييم وضع الائتلاف الحاكم"، التي كانت مقررة في الخريف المقبل. بالإضافة إلى مناقشة خيار الاعتماد على انتخابات أولية أو الإبقاء على أصوات المندوبين في المؤتمر العام. مع العلم أن الحزب حالياً بات في مرحلة قيادة ثلاثية انتقالية (مالو دراير، مانويلا شفيسيغ، ثورستن شافر ـ غومبل)، بعد استقالة زعيمته أندريا ناليس.

من جهته، يراقب الاتحاد المسيحي حالة عدم اليقين لدى شريكه في الائتلاف الحاكم باهتمام كبير، ويستعد لاحتمال انسحاب الاشتراكي من الائتلاف، على الرغم من التعويل على استمراريته حتى موعد الانتخابات العامة عام 2021. وهذا ما عبرت عنه صراحة زعيمة الحزب أنيغريت كرامب ـ كارينباور أخيراً بعد اجتماع لقيادة حزبها قائلة: "هناك أسباب وجيهة لعدم إنهاء الحكومة بتهوّر"، مشيرة إلى أنه "في ضوء التحديات الدولية سيكون كل شيء غير مؤات لألمانيا إذا دخلت البلاد في أزمة حكومية أو حملة انتخابية طويلة الأجل". ومع تأكيدها على أنه "يجب أن تظل ألمانيا قادرة على التحرك"، لفتت إلى أن حزبها مستعد لكل الخيارات. مع العلم أن الترجيحات حول خطوة الاشتراكي المستقبلية، تفيد بأنه قد يعمد إلى اتخاذ قرار الانسحاب من الائتلاف الحكومي، بعد الانتخابات البرلمانية في ثلاث ولايات شرقي البلاد في الخريف المقبل، حيث من المتوقع تعرّضه لخسائر فادحة.



ويرى قياديون في الاتحاد المسيحي أن انسحاب الاشتراكي من الائتلاف الحاكم لا يجب بالضرورة أن يستتبع بانتخابات جديدة، ويمكن للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن تستمر في السلطة بحكومة أقلية. وهو ما عبّر عنه أخيراً القيادي في الاتحاد المسيحي، ألكسندر ميتش، في حديث مع "دي فيلت"، معرباً عن انفتاحه على حكومة أقلية. وقال إن "التحوّل لن يتحقق إلا عندما يتضح للمسيحي الديمقراطي من يؤيده ومن يعارضه". وشدّد على أن "ألمانيا والاتحاد بحاجة ماسة إلى تغيير في السياسة لصالح الأمن الداخلي وتخفيض الضرائب والمساهمات في الضمان الاجتماعي واقتصاد السوق البيئي". مع العلم أنه ومع حكومة الأقلية، سيتعين على المسيحي الديمقراطي المسيطر على 246 مقعداً من 709 مقاعد في البرلمان في برلين، الحصول على دعم الأحزاب الصغرى لجميع الاقتراحات التشريعية، هذا إلا إذا قرر الاشتراكي مع "الخضر" واليسار خلع المستشارة بالتصويت لسحب الثقة من حكومتها في البوندستاغ (البرلمان)، ما قد يؤدي إلى خسارتها لمنصبها في وقت مبكر. كما أن الجميع على قناعة بأن الأحزاب التقليدية الحاكمة ليست لها مصلحة بانتخابات مبكرة، مع التقدم الواسع الذي يحققه "الخضر". وباللجوء إلى الانتخابات ينتظر أن تخسر ميركل وتفقد المزيد من نوابها في البوندستاغ الجديد.
بدوره، عبّر السياسي في الحزب الاجتماعي المسيحي، الشريك الأصغر في التحالف، شتيفان مولر، عن قناعته بأن "لدى الاشتراكي والاتحاد المسيحي القدرة على العمل وتحقيق الاستقرار"، حسبما نقلت عنه صحيفة "هاندلسبلات".

في هذا الإطار، يرى مراقبون أن الأجندة السياسية للتحالف الكبير ليست سيئة للغاية، ولا تزال هناك الكثير من التقاطعات لاستمرار الاشتراكي في التحالف، رغم نمو المعارضة الداخلية في صفوفه. ويعتبرون أن "الأفضل لألمانيا على المستوى الداخلي والأوروبي، هو المضي في الائتلاف حتى عام 2021، لأنه في حال انفراط الائتلاف واتخاذ خيار الانتخابات المبكرة، فإن البلاد ستضيّع وقتها بالتحضير لها، ثم خوض المفاوضات لتشكيل ائتلاف جديد، ما قد ينهك البلاد لفترة من الزمن قبل إعادة الاستقرار السياسي، في وقت تحتاج أوروبا، التي تجتاحها الأزمات، إلى قوة دفع إلى الأمام وحيث لألمانيا تأثير كبير في مسارها.

وعن إمكانية تعويض الاشتراكي في الفترة المقبلة، رأى البعض أن الأحزاب الاشتراكية في عدد من دول الاتحاد تراجعت بعمق، نتيجة عوامل كثيرة، بينها العولمة ورفع القيود التنظيمية على بعض التوجهات الكبرى ثم أزمة ليمان براذرذ (الأزمة المالية العالمية عام 2008). وازداد الأمر سوءاً بسبب مأزق اللجوء الفوضوي، الذي نتج عنه انكماش في الازدهار والرخاء في أوروبا. ما دفع مؤيدي تلك الأحزاب من العمال والموظفين إلى تأييد الأحزاب الصغرى، بينها "الخضر" واليمين الشعبوي، بعد إدراكهم أن تقاعدهم وأمنهم الاجتماعي مهددان بالهجرة غير المنظمة. لكن البعض منها استطاع التعويض بطريقة مذهلة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة (مايو/ أيار الماضي) في دول مثل إسبانيا والدنمارك والبرتغال وهولندا.

وباتت أمام الاشتراكي أهداف عدة لتحسين صورته، منها ملف سياسة الهجرة والتركيز على ملفات حماية البيئة والمناخ التي أصبحت هماً رئيسياً للناخبين، إضافة إلى إيجاد قائد يتسم بالحكمة والصفات القيادية لإعادة اللحمة إلى الحزب، ووقف النزيف في صفوفه وذلك بتحقيق وعود يتلمّس نتائجها المواطن خلال فترة وجيزة، قبل الوصول إلى استحقاقات انتخابية جديدة. تجدر الإشارة إلى أن الاستطلاعات أظهرت فقدان الاشتراكي لنحو 15 مليون ناخب بين عامي 1998 و2017، حتى أنه لم يصوّت للاشتراكي في الانتخابات البرلمانية العامة عام 2017 سوى 5.6 ملايين ناخب، فيما كان قد حصل في عام 1998 على أصوات 20.2 مليون شخص.



المساهمون