معارك الشمال السوري: الفصائل تحبط الاستراتيجية الروسية

22 يونيو 2019
من غارات النظام في ريف إدلب(عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل المعارك بين قوات النظام السوري والمليشيات التي تقاتل معها بمساندة من الطيران والقوات الروسية من جهة، والفصائل المسلحة المدعومة إجمالاً من تركيا من جهة أخرى، وتتركز بشكل خاص في ريف حماة الشمالي، وريف اللاذقية الشمالي، بينما يطاول القصف مجمل محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب وحماة واللاذقية. وخلال المراحل الأولى من حملة النظام العسكرية، التي بدأت منذ نحو الشهرين، تمكنت قواته من السيطرة على العديد من القرى والبلدات في ريف حماة الشمالي، أهمها كفرنبودة، التي جرت فيها عمليات كر وفر عديدة، إضافة الى قلعة المضيق، وما جاورها من قرى. غير أن كل شيء تغير في 6 يونيو/ حزيران الحالي، مع إطلاق فصائل المعارضة عملية عسكرية واسعة ضد قوات النظام في ريف حماة الشمالي، تمكنت خلالها من السيطرة على ثلاثة مواقع استراتيجية في عمق مناطق النظام، هي: الجبين، ومدرسة الضهرة، وتل ملح. ومنذ ذلك الوقت تدور معارك يومية عنيفة، في محاولة من جانب قوات النظام لاستعادة القرى التي تسبّب سقوطها في قطع طرق إمدادات حيوية للنظام، الذي يتخوّف أيضاً من تمكن الفصائل من توسيع هجومها والاستيلاء على قرى وبلدات جديدة محسوبة على حاضنته الشعبية، خلافاً للمعارك السابقة التي كانت تدور كلها ضمن المناطق المحسوبة على المعارضة. وتتسبب المعارك وعمليات القصف في تهجير أهل هذه البلدات، وتدمير منازلهم. وهو أمر بدأ يثير حنق الموالين للنظام الذين يريدون أن تبقى المعارك دائرة في "أرض الخصم".

وأمس، الجمعة، تواصلت المعارك على خطوط الجبهات، فيما وسّعت قوات النظام وطائراته الحربية من عمليات القصف لتشمل مناطق جديدة لم يطاولها القصف خلال الحملة الحالية. وكشفت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن "ستة مدنيين قُتلوا وجُرح آخرون جراء القصف على أرياف حلب وإدلب وحماة، شمال البلاد"، مشيرة إلى أن "الطيران الحربي التابع للنظام شنّ غارات على منطقة المهندسين الثانية في ريف حلب الغربي، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين وإصابة آخرين، فضلاً عن وقوع أضرار مادية في ممتلكات المدنيين".

وطاول القصف أيضاً الفوج 46 في منطقة الأتارب، غرب مدينة حلب. وقصف الطيران الحربي بصواريخ فراغية قرية معربليت في ريف إدلب الجنوبي، ما أسفر عن إصابة مدنيين اثنين. وشنّ الطيران غارات على مدن أريحا وسرمين ومعرة حرمة وخان شيخون، أدت إلى وقوع أضرار مادية في ممتلكات المدنيين والمحاصيل الزراعية. ولاحظ مراقبون توسّع رقعة القصف من غرب مدينة إدلب إلى مدينة جسر الشغور. وفي ريف حماة الشمالي قصفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة قرية الحماميات، ما أسفر عن مقتل رجل وزوجته مع طفلهما وإصابة آخرين، كما قصفت طائرات النظام قرى حصرايا والزكاة والأربعين ومدينة كفرزيتا.

بدورها، ذكرت مصادر من "الجبهة الوطنية للتحرير" لـ"العربي الجديد"، أن "عناصرها اشتبكوا مع قوات النظام السوري على محور بلدة الحردانة في ريف حماة الشمالي، عقب رصد تحركات من قبل قوات النظام والمليشيات التابعة لها في المنطقة". وأضافت المصادر أن "مقاتلي الجبهة الوطنية دمّروا سيارة مزودة برشاش خلال الاشتباكات بعد استهدافها بصاروخ موجه، فيما ردت قوات النظام بقصف مدفعي وصاروخي على محاور الحماميات والقصابية".

ونشرت "الجبهة الوطنية للتحرير"، أمس الجمعة، على قناتها في "تلغرام" شريطاً مصوّراً للمعارك والعمليات العسكرية على محور تل ملح، غربي حماة. ويظهر الشريط جانباً من الاشتباكات العنيفة بين الجانبين على مسافة قريبة. من جانبها، أعلنت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، عبر وسائل إعلام تابعة لها، عن إيقاع خسائر بشرية في صفوف قوات النظام خلال صدّ ثلاث محاولات تقدم في ريف حماة الشمالي الغربي.


وأحبطت الفصائل خلال الأيام القليلة الماضية الكثير من محاولات قوات النظام استعادة محور قرية تل ملح ــ الجبين، غربي حماة، الذي سيطرت عليه الفصائل في عملية عسكرية مفاجئة قبل أكثر من 10 أيام، في إطار غرفة عمليات "الفتح المبين".

وتسعى قوات النظام باستماتة من أجل استعادة قريتي تل ملح والجبين لما لهما من أهمية استراتيجية، ولوقوعهما على الطريق الرئيسي الواصل بين مدينتي السقيلبية ومحردة، المزدحمتين بالثكنات والنقاط العسكرية التابعة للنظام، وتعتبران من أهم المخازن البشرية للموالين للنظام في ريف حماة الغربي. بالتالي يريد النظام استعادتهما لإعادة فتح الطريق بين المنطقتين، وإيصال التعزيزات لقواته في بلدة كفرنبودة وقرى الريف الجنوبي لإدلب. وتل ملح هو تل مرتفع يتحصن فيه مقاتلو فصائل المعارضة، وتقع بلدة الجبين في الجزء الشمالي منه. غير أن قوات النظام، ورغم الكثافة النارية التي تستخدمها، لم تتمكن من استعادة ما خسرته، وتكبدت خلال ذلك خسائر فادحة في صفوف قواتها، قدرتها المعارضة بمئات القتلى. ومن جهتها، فقدت الفصائل الكثير من عناصرها على هذه الجبهات، ونعت العديد منها مقاتلين لها سقطوا في الأيام الأخيرة.

ويرى قياديون في المعارضة أن سبب عجز النظام عن إحراز تقدم على هذه الجبهات، هو اعتماد الفصائل على أسلوب الكر والفر على مواقع قوات النظام لإرباك خططها واجبارها على الانتقال لوضع الدفاع باستمرار، بدلاً من التخطيط لشنّ هجمات كبيرة، خصوصاً مع إدراك الفصائل أن النظام والروس يعتمدان سياسة الأرض المحروقة في أي مكان يمكن أن تتقدم إليه الفصائل أو تستقر فيه. لذلك كان "تكتيك" الكر والفر هو الخيار الأنسب، فضلاً عن الدعم التركي للفصائل وتزويدها بالأسلحة.

كما تواجه قوات النظام حالة استعصاء مماثلة على محور قرية كبينة في ريف اللاذقية الشمالي، مع فشل الهجمات التي تشنّها على البلدة منذ أكثر من شهر في إحراز أي تقدم. وتقود "قوات النمر"، بزعامة العميد سهيل الحسن، المعارك في الريف الشمالي لحماة، بينما تتولى "الفرقة الرابعة" المعارك في ريف اللاذقية بقيادة العميد غياث دلا.

وتقع قرية كبينة على أهم التلال الاستراتيجية في ريف اللاذقية، وتعتبر أبرز مواقع المعارضة في جبل الأكراد. وتكمن أهميتها في أنها تتيح للطرف الذي يسيطر عليها رصد مساحات كبيرة من ريف حماة وإدلب الغربي إلى جانب قرى الريف الشمالي للاذقية. وتفصل القرية الساحل عن محافظة إدلب وتعتبر بوابتها من الغرب، بينما تطل على سهل الغاب وجسر الشغور وعلى الحدود التركية، وعلى قسم كبير من محافظة إدلب وحماة واللاذقية.

وحول أسباب تمكن الفصائل من قلب المعادلة وفرملة اندفاعة النظام في بداية الحملة، رأى المحلل شادي عبد الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "روسيا تحاول الحد من نفوذ شريكيها في أستانة، أي إيران وتركيا، من أجل الاستفراد بتقرير مصير سورية. وهو ما دفع الجانب التركي إلى زيادة جرعة مساعداته لفصائل المعارضة من أجل إحباط المخطط الروسي للاستيلاء على إدلب".

وأوضح عبد الله أن "تركيا زودت الفصائل ببعض الأسلحة الثقيلة ومضادات الدروع، وسمحت لفصائل درع الفرات بالالتحاق بالجبهات المشتعلة في ريفي حماة وإدلب. كما ساهم بذلك سعي الفصائل بمختلف تياراتها إلى ترميم علاقاتها، واستعدادها للقتال والصمود بعد فقدانها أي خيارات أخرى، فقدمت خططاً تكتيكية لافتة، كسرت من خلالها القوس الدفاعي الذي أنشأه الروس، ووسعت هجومها بالالتفاف على مليشيا النمر من محور الجبين وتل ملح، لتهدد المواقع العسكرية الروسية في عمق القرى الموالية للنظام".

ورأى أن "هذه النجاحات للفصائل المسلحة ربما تدفع الروس إلى إعادة النظر في استراتيجيتهم، خصوصاً بعدما تبين لهم مدى هشاشة قوات النظام، وعدم قدرتها على تحقيق اختراق كبير على الجبهات على الرغم من الدعم الجوي المكثف الذي توفره لهم روسيا". وحول أثر هذه التطورات على العلاقة بين روسيا وتركيا في الملف السوري، قال عبد الله إن "الجانبين ما زالا يبديان الحرص، ولو شكلياً، للحفاظ على اتفاق سوتشي، ولكن حدّة المعارك الجارية تكشف عمق هوّة الخلاف بينهما. وهو ما يجسده عملياً التصعيد العسكري على الجبهات بعد محاولات روسية لفرض وقف لإطلاق النار بغية تمكين قوات النظام من التقاط أنفاسها، واستجماع قوتها، بينما يصرّ الجانب التركي على أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يسبقه انسحاب قوات النظام من جميع المناطق التي تقدمت إليها خلال حملتها الحالية".