القضاء السوداني يكذّب العسكر: لم نجز فض اعتصام الخرطوم

16 يونيو 2019
يستمر انتشار قوات الدعم السريع في الخرطوم (فرانس برس)
+ الخط -


استمرت محاولات الأطراف الحاكمة في السودان لنفض أيديها من المسؤولية عن فض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم في 3 يونيو/حزيران الحالي، والذي أدى إلى سقوط أكثر من مائة قتيل. وبعدما كان المجلس العسكري قال في البداية إنه لم يصدر أمر الفض، قبل أن يتراجع ويعلن محاكمة مسؤولين عن هذه الجريمة، جاء أمس السبت دور القضاء، مع نفي النائب العام الوليد سيد أحمد محمود مشاركة السلطة القضائية في أي نقاش لفض الاعتصام، مكذباً كلاماً في هذا السياق لقادة المجلس العسكري. جاء ذلك مع موقف أميركي بارز، بالتحذير من أن السودان يخاطر بالانزلاق إلى فوضى كما في ليبيا أو الصومال، مع التشديد على الحاجة لوساطة خارجية للحل بعد غياب الثقة بين العسكر والمعارضة.

وبعد حديث المتحدث باسم المجلس العسكري، شمس الدين كباشي، عن مشاركة النائب العام، ورئيس القضاء في الاجتماع الأمني لفض اعتصام الخرطوم، أعلن النائب العام الوليد سيد أحمد محمود، في مؤتمر صحافي أمس أن هذا الكلام "غير صحيح إطلاقاً"، مضيفاً أنه وجهت إليه الدعوة لحضور اجتماع للمجلس العسكري لمناقشة إشراف النيابة على خطة لفض اعتصام الخرطوم، ولكن "في حضورنا لم يتم نقاش فض الاعتصام". وفي الوقت عينه أكد النائب العام السوداني، رفضه إجراء تحقيق دولي في أحداث فضّ الاعتصام، مشدداً على أن "التحقيقات التي تجريها النيابة العامة مستقلة، ونثق في مؤسساتنا الوطنية".

في سياق آخر، قال أحمد محمود، إن الرئيس المخلوع عمر البشير سيحال إلى المحاكمة الأسبوع المقبل بتهم تتعلق بالفساد وحيازة النقد الأجنبي بعد انتهاء الفترة المحددة للاستئناف. وأكد أن التحقيق الذي تم فتحه ضد البشير في هذه القضايا استُكمل. كما أعلن أن "الدعاوى الجنائية المتعلقة بالفساد تم تحريكها والتحري فيها. وتم فتح 41 دعوى جنائية ضد رموز النظام السابق وستكمل إجراءات القبض والتحري في الأسبوع المقبل".
من جهته، تحدّث وكيل النيابة صلاح مبارك، خلال المؤتمر الصحافي، عن فض اعتصام الخرطوم، وقال: "طلبنا من القوات الأمنية عدم إطلاق النار في فض منطقة كولومبيا". وأضاف: "انسحبنا مباشرة من كولومبيا بمجرد سماع أصوات الرصاص".


وتعليقاً على ذلك، قالت "قوى الحرية والتغيير" إنها كانت متأكدة بأن المجلس العسكري اتخذ قرار فض الاعتصام من دون موافقة أجهزة القانون والعدالة في البلاد، مرحبة بنفي النيابة العامة لكلام كباشي عن مشاركة النيابة والقضاء في اجتماع خاص للمجلس اتُخذ فيه قرار الفض. وقال الطيب العباسي، عضو وفد التفاوض من "قوى الحرية والتغيير"، لـ"العربي الجديد"، إن النائب العام تم خداعه بواسطة المجلس العسكري خلال الاجتماع المعني بفض الاعتصام بالحديث له عن فض منطقة كولومبيا، وإن النائب العام كان واضحاً بفض اعتصام كولومبيا بواسطة قوات الشرطة وحدها، لكن ممثلي النيابة فوجئوا باستخدام جهاز الأمن وقوات الدعم السريع الرصاص لفض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة وتنفيذ تلك المجزرة.
واعتبر العباسي أن "المجلس العسكري مصرّ على الكذب الصريح، حينما زعم بموافقة النائب العام والقضاء على قرار فض الاعتصام"، مشيداً بالبيانات الصادرة من رئيس القضاء ورئيس النيابة العامة "والتي نفت كلام المجلس العسكري واعتبار أن الفض جاء خارج الإطار القانوني وجاء كجريمة مرتبة لمجزرة تمثل نقطة سوداء في تاريخ السودان يتحمّل مسؤولية التخطيط والتنفيذ لها المجلس العسكري"، مضيفاً أن "المجزرة يمكن وضعها في سياق الإبادة الجماعية خصوصاً أنها حصدت أرواح العزل وشملت سحلهم ورميهم في نهر النيل".

في سياق آخر، وبعد الكلام الأميركي عن إمكان انزلاق السودان للفوضى على غرار ليبيا، استبعد العباسي ذلك، موضحاً أن "الثورة السودانية وعلى الرغم من سقوط عشرات الضحايا منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، حريصة على التمسك بالوسائل السلمية حتى تحقق النتائج المرجوة"، لافتاً إلى أن "قوى الحرية والتغيير تعتبر أن التظاهر والمواكب والإضراب والعصيان من أقوى الأسلحة التي ثبت جدواها خلال الأشهر الماضية بإسقاط عمر البشير ومن بعده عوض بن عوف، وستظل هي الأسلحة الكفيلة بإسقاط المجلس العسكري من دون استخدام رصاصة واحدة". ولفت إلى أن "السودان حريص على تقديم نموذج سلمي للثورات ويكرر تجاربه السابقة بإسقاط الطغاة كما حدث في أكتوبر/تشرين الأول 1964 بالنسبة لنظام ابراهيم عبود، أو العام 1985 بإسقاط نظام جعفر نميري، وهي كانت ثورات سلمية لم تنزلق مطلقاً نحو العنف"، مؤكداً أن ذلك سيتكرر خلال الثورة الحالية.

في غضون ذلك، وبعد غياب أميركي عن الساحة السودانية، عادت إدارة دونالد ترامب للتحرك عبر إرسال وفد إلى الخرطوم ضم المبعوث الأميركي الخاص دونالد بوث ومساعد وزير الخارجية المكلف أفريقيا تيبور ناجي، اللذين التقيا رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان وقوى المعارضة. وخرج ناجي بتصريحات لافتة، حذر فيها من أن السودان يخاطر بالانزلاق إلى فوضى كما في ليبيا أو الصومال. وفي إفادة صحافية من إثيوبيا في وقت متأخر الجمعة بعد زيارة ليومين إلى السودان، قال ناجي إن المجلس العسكري وقادة المعارضة "لا يثقون تماماً في بعضهم البعض"، مضيفاً أن هناك حاجة لوساطة خارجية لنزع فتيل الأزمة في السودان بسبب انعدام الثقة بصورة لا يمكن معها إجراء محادثات مباشرة بين الطرفين بعد فض اعتصام الخرطوم.

ولفت ناجي إلى أن المبعوث الجديد دونالد بوث، سيركز على دعم جهود الوساطة التي يقودها الاتحاد الأفريقي ومنظمة "إيغاد". ووصف محادثاته مع البرهان بأنها "كانت صريحة ومباشرة قدر الإمكان... كانت تبادلاً للآراء وبالطبع لم نتفق على بعض النقاط الرئيسية". وأضاف "من وجهة نظرنا قلنا إن الأحداث التي وقعت في الثالث من يونيو (فض الاعتصام) شكّلت تغيراً 180 درجة في مسار الأحداث بعد أن تضمّنت أعمال قتل واغتصاب ونهب على يد أفراد قوات الأمن". وتابع أن واشنطن تعتقد أنه يتعين إجراء تحقيق في فض الاعتصام يتسم "بالاستقلالية والمصداقية". وقال "تحدثنا مع بعض الضحايا بينهم أميركي أصيب برصاصة وتلك الروايات كانت مروعة ومقنعة جداً". وشدد على "أهمية الوصول إلى حكومة مدنية تلقى رضى الشعب". وقال إن "الاتحاد الأفريقي لديه أدوات أخرى يمكنه اتخاذها إلى جانب تجميد عضوية السودان، في حال تدهور الوضع في البلاد".

في سياق آخر، يقوم الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط اليوم الأحد بزيارة إلى السودان حيث سيلتقي البرهان وقيادات من "قوى الحرية والتغيير"، بحسب ما أعلن المتحدث الرسمي باسم الجامعة.

المساهمون