مهمة الوساطة الألمانية مع إيران: جهود غير مقنعة

11 يونيو 2019
ماس عاد خالي الوفاض من زيارته لطهران (فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن جولة وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، في الشرق الأوسط، والتي سعت للحد من فتيل الأزمة المستجدة في الخليج، لم تؤت أكلها، لا سيما في محطتها الأخيرة، طهران، التي لم يكن لها مسوغ إلا الطلب من الإيرانيين عدم الانسحاب من الاتفاق النووي لمنع تصعيد النزاع مع الولايات المتحدة. 

 ويسود اعتقاد في الوسط السياسي الألماني أن الآمال لم تكن على قدر التوقعات وغير مقنعة، إذ أبرزت التقارير أن الضيف الألماني عاد خالي الوفاض ولم يسمع جديدا من الجانب
 الإيراني. لا بل أكثر من ذلك، فإن طهران بدت أكثر إصرارا على مواقفها السابقة، وهي التي تعاني من وضع اقتصادي صعب، وكلها أمل في مواصلة التجارة مع أوروبا، في حين أن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ليس بإمكانها أن تعد بالكثير من المزايا المادية لطهران من أجل إقناعها بالتمسك بالمعاهدة، ما لم يتم تعويض الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الآثار المباشرة وغير المباشرة للعقوبات الأميركية، في مؤشر إلى غياب المبادرة العملية للأوروبيين. هذا الأمر عبّر عنه رئيس الدبلوماسية الإيرانية بصراحة، محمد جواد ظريف، وهو الذي لا يجد عادة الحرج في التعبيرعن مواقف بلاده، ولو بكلمات حادة، بينها أنه "لا يجب أن ياتي ماس فقط بحجة أن الأوروبيين لا يستطيعون فعل أي شيء بشأن قوة الولايات المتحدة الأميركية".

لم يحمل ماس سوى "النوايا الحسنة" والتأكيد على إنشاء نظام "أنستاكس"، وهي وكالة مقاصة مستقلة عن التعاملات المالية الأميركية ابتدعها الفرنسيون والبريطانيون والألمان، ولا يمكن أن تحل محل معاملات الدفع العادية، إنما تهدف في المقام الأول إلى تسهيل استيراد السلع الأساسية. حتى هذا النظام لم يتم تشغيله بعد، ومن المتوقع العمل به قبل انقضاء مهلة الشهرين التحذيرية من طهران، أي أوائل يوليو/تموز المقبل. وفي هذا السياق، ذكرت جريدة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ" أن "أنستاكس" لن يفي أبدا بالالتزامات الاقتصادية للاتفاق النووي، ولا يخلق المعجزات، وفق ما قال الوزير الالماني من طهران.


ذلك ما يرى فيه المحللون معضلة أساسية للأوروبيين والألمان خاصة، وعلى هؤلاء، إن كانوا يريدون فعلا الاضطلاع بدور في تحقيق الاستقرار والوساطة في الخليج، الاستفادة من الثقة والمصداقية التي تتمتع بها برلين، والمضي قدما في مقترح عقد مؤتمر للجهات الفاعلة الإقليمية للحد من انعدام الثقة المتبادل المسيطر حاليا بين الأطراف المتنازعة، وهو ما لمّح إليه ماس مع آخرين خلال الزيارة، وذلك لفتح نقاشات معمقة في جميع القضايا الإقليمية الطارئة. لكن ألمانيا ستكون مطالبة أولا، وعلى سبيل المثال، بتمديد عمل قواتها العسكرية، الذي ينتهي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، في كل من الأردن (حيث تقوم طائرات التورنادو بدور استطلاعي)، والعراق (عبر الاستمرار في دورات التدريب لقواتها المسلحة)، وأيضا التخفيف من القيود على تصدير الأسلحة والتعاون العسكري، وضمن ضوابط معينة، مع بعض الدول الخليجية.

في المقابل، هناك من يعتبر أن ماس أوصل رسالة ثانية جدية، غير مادية للإيرانيين، مفادها أنه إذا ما تخلت الأخيرة عن المعاهدة؛ فان الإطراف المتعاقدة الأخرى ستعود أيضا إلى العقوبات، وهو ما تنوي الأمم المتحدة القيام به في هذه الحالة، وبعد ذلك لن يكون الحال بين أميركا وأوروبا مختلفا. ذلك ما يحتم على طهران أن تتعاطى مع الأمور بمصلحة سياسية واستراتيجية، عبر الحفاظ على الاتفاق من جهة، والحوار مع الأوروبيين والعمل معهم من أجل السعي لتقديم مساهمة حاسمة في تخفيف الحرب الاقتصادية عنها من جهة ثانية.