قانون تنظيم الطوارئ في تونس عالق بين السبسي والشاهد

27 مايو 2019
تناقضت مواقف السبسي والشاهد بشأن قانون الطوارئ(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يتجاذب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد قانون تنظيم حالة الطوارئ المعطّل في أدراج البرلمان منذ ستة أشهر، فبينما يستعجل السبسي إصدار القانون، تؤجل الحكومة تمريره إلى موعد غير مسمى، فيما توجّه أصابع الاتهام إلى البرلمان. وأعلن البرلمان التونسي عن روزنامته التشريعية في فترة ما بعد عيد الفطر (الثلث الأول من يونيو/حزيران المقبل)، من دون أي ذكر لتمرير قانون تنظيم حالة الطوارئ في الجلسة العامة، على الرغم من أن اللجنة البرلمانية صادقت عليه منذ 30 إبريل/ نيسان الماضي وعرضته على مكتب البرلمان لتحديد جلسة عامة للمصادقة عليه قبل إحالته لرئيس الدولة لختمه. ويحظى قانون تنظيم حالة الطوارئ بالأولوية وقد طلبت السلطة التنفيذية استعجال النظر فيه، حتى إن السبسي تحدث عن ضرورة المصادقة عليه في أكثر مناسبة، بل هدد في افتتاح أعمال اجتماع مجلس الأمن القومي في بداية شهر مارس/ آذار الماضي بأنه لن يوقّع مجدداً على قرار تمديد حالة الطوارئ، قائلاً إنه "من غير المقبول أن يتم تمديد حالة الطوارئ بمقتضى أمر صادر منذ سنة 1978"، مشدداً على أن في ذلك مخالفة صريحة للدستور، وفق تعبيره.

وعلى الرغم من تحذيره وتهديده وجد السبسي نفسه مكرهاً على تمديد وضع الطوارئ في مناسبتين في بداية شهر إبريل/ نيسان ثم في شهر مايو/ أيار الحالي، وذلك بطلب من رئيس الحكومة الذي استعرض التهديدات الإرهابية المحيطة بالبلاد وصعوبات تدخّل قوات الجيش والوحدات المسلحة لردعه في غياب مرجع قانوني للتحرك. وينتهي أجل الطوارئ في 4 يونيو/حزيران المقبل من دون المصادقة على القانون الجديد، ليجد السبسي نفسه مرة أخرى مجبراً على خرق الدستور الذي يمنع الحد من الحقوق والحريات الفردية والعامة من دون وجود قانون منظّم.

وأكد عضو مكتب البرلمان التونسي غازي الشواشي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "لجنة الحقوق والحريّات في مجلس النواب صادقت على تقريرها حول مشروع القانون الأساسي المتعلّق بتنظيم حالة الطوارئ وعرضته على المكتب، غير أن الحكومة طلبت من رئيس البرلمان تأجيل النظر فيه وعدم عرضه على الجلسة العامة للمصادقة عليه على الرغم من طلب استعجال النظر في وقت سابق". ولفت الشواشي إلى أن "الحكومة لم تشرح أسباب إرجاء القانون المذكور كما أنها لم تطلب سحبه رسمياً". ويبدو أن وزارة الداخلية قد تحفظت على توجّه لجنة الحقوق والحريات في البرلمان التي أفرغت القانون من صلاحيات مفرطة للسلطات، إذ حرص البرلمانيون على تكريس أكبر قدر من احترام الحقوق والحريات المكرسة في دستور الثورة.

ومن المنتظر أن يعوّض هذا القانون، إذا تمت المصادقة عليه، الأمر الرئاسي عدد 50 لسنة 1978 المنظّم لحالة الطوارئ، الذي أصدره الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في 26 يناير/كانون الثاني 1978 لفرض النظام في البلاد وكسر الاحتجاجات الشعبية التي قادها الاتحاد العام التونسي للشغل، في يوم الإضراب العام المشهود، الذي سماه التونسيون "الخميس الأسود"، وأدى إلى مقتل وجرح عدد كبير من المحتجين المدنيين برصاص الشرطة والجيش، بعد أن أباح لهم هذا الأمر استخدام الذخيرة الحية لقنص المحتجين في حالة الطوارئ وخلال حظر التجول.

وينص القانون في صيغته الأصلية التي تبحث الرئاسة تمريرها، على إجراءات أساسية لفرض النظام العام والمحافظة على الأمن في حالة الطوارئ. وتتضمن هذه الإجراءات منع تجوال الأشخاص والعربات في أماكن وساعات محددة، أي "فرض حظر التجول"، وتنظيم إقامة الأشخاص، بمعنى وضعهم تحت الإقامة الجبرية، و"تحجير الإقامة على من يتعمد عرقلة نشاط السلطة العمومية بفرض تهجيره من محافظته أو قريته"، وإمكانية اللجوء إلى تسخير الأشخاص والممتلكات لحسن سير المصالح، بمعنى إجبار مجموعة ومؤسسات على العمل في فترة الإضرابات القانونية والمكفولة بالدستور لضمان السير العادي.



كذلك يمكّن السلطات من "منع كل صدّ عن العمل"، بمعنى استخدام القوة العامة لفرض العودة للعمل أو كسر الاحتجاج بقطع الطريق إلى جانب صلاحية الإغلاق المؤقت للقاعات والفضاءات المخصصة للاجتماعات العامة والمحلات المفتوحة للعامة، وأخيراً منع الاجتماعات والتظاهرات والتجمّعات التي تشكل خطراً على الأمن والنظام. وترى المنظمات والجمعيات والأحزاب في القانون مساً بحرية التنظيم والتظاهر الذي يكفله الدستور، إلى جانب الأبواب التي يفتحها القانون لضرب المعارضين والمخالفين سياسياً تحت عنوان "الدواعي الأمنية"، بعد أن كسب التونسيون بعد الثورة رهان الحريات وعزز الدستور الجديد الحقوق الفردية والعامة.

وطالبت منظمة العفو الدولية البرلمان التونسي بعدم تمرير مشروع قانون الطوارئ، مشددة على أنه سيمنح السلطات التونسية صلاحيات مفرطة لحظر التظاهرات والإضرابات، وتعليق أنشطة المنظمات غير الحكومية، وفرض قيود تعسفية على حرية تنقل الأفراد، والقيام بعمليات تفتيش لا مبرر لها للمنازل استناداً إلى أسباب مبهمة تتعلق بالأمن الوطني. وأضافت العفو الدولية بأن المصادقة على مشروع القانون المذكورة لا يجب أن تتم ما لم تدخل تعديلات جوهرية كي يتماشى مع القانون الدولي ودستور البلاد، داعية إلى العمل بشكل عاجل على إعادة فرض الاحترام الكامل لسيادة القانون وليس العكس بتمرير قانون قمعي من يتعارض مع حقوق الإنسان.

وكان مقرر لجنة الحقوق والحريات، القيادي في حزب "حراك تونس الإرادة"، عماد الدايمي، قد أكد في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" أن "هناك إشارات متواترة عن وجود خلاف بين رأسَي السلطة التنفيذية حول مشروع قانون الطوارئ، على الرغم من الادعاء بحصول عمل تشاركي لإعداد مشروع القانون المعروض على البرلمان". وأضاف الدايمي "ربما كان سبب الخلاف تعدد مراكز القرار بخصوص مقتضيات مشروع القانون بشكل يفتح المجال أمام تنازع الصلاحيات في المستقبل"، مشدداً على أنه "بقطع النظر عن مواقف هذا الطرف أو ذاك، سنحرص في اللجنة على أن يصدر قانون طوارئ منسجم مع روح الدستور، ويتضمن كل ضمانات حماية الديمقراطية والحريات، ولن نسمح بمرور قانون غير ديمقراطي"، على حد قوله.

ويرى مراقبون أن الحكومة التونسية تبحث بطلب تأجيلها النظر في القانون على مواصلة العمل بأمر الطوارئ الذي ما زال سارياً في الواقع الأمني الصعب الذي تمر به البلاد، الشيء الذي يمكّن السلطات من وضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية وتمديد حالة التوقيف ووقف الجمعيات والتضييق على الاجتماعات ومنع التظاهرات إلا بعد الحصول على تراخيص مسبقة من الداخلية.

فيما يعتبر آخرون أن المسألة تتجاوز الصلاحيات والدواعي الأمنية إلى الشد والجذب الذي تعرفه مؤسستا السلطة التنفيذية في تونس منذ فتور العلاقة بين السبسي والشاهد والتي قادت البلاد إلى مواقف ليّ ذراع بين الطرفين، الشيء الذي يرجح أن طرح السبسي لهذا القانون بعد أربع سنوات على المصادقة على الدستور وتحذيره بعدم تمديد فترة الطوارئ يهدف إلى إحراج رئيس الحكومة والبرلمانيين من ورائه.