إرباك ما قبل الانتخابات التونسية: تدخُّل إسرائيلي وألغاز

22 مايو 2019
التحضيرات مستمرة للانتخابات وتحفيز الناخبين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يشهد المناخ السياسي التونسي حالة من الغموض والإرباك بسبب تداخل جملة من المعطيات الجديدة التي طرأت على نوعية اللاعبين الجدد عشية الانتخابات التشريعية المقررة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وبسبب جو من التشكيك في الأدوات الانتخابية الرئيسية، مثل سبر الآراء حول ميول التونسيين السياسية وعملية التسجيل للانتخابات، وتمويل الأحزاب والجمعيات، وإعادة توزيع الأوراق الحزبية بشكل متسرّع وغير مفهوم، فضلاً عن التحالفات المتغيّرة باستمرار، وتشتت الأركان التقليدية الرئيسية التي أسست للمشهد الحالي، في الانتخابات الماضية عام 2014. كل ذلك في ظلّ وضع إقليمي ملتهب ومفتوح على كل الاحتمالات في الجزائر وليبيا من جهة، واستمرار التهديدات الإرهابية من جهة أخرى.

وأكد رئيس الحكومة يوسف الشاهد، يوم الجمعة الماضي، أن "تونس ما زالت تعيش على وقع التهديدات الإرهابية، وأنه قد تم إحباط الكثير من العمليات الإرهابية قبل شهر رمضان"، مؤكداً أنه "تفادينا الكثير من الكوارث". وتزامن حديث الشاهد مع إعلان وزارة الداخلية التونسية عثورها على مخزن للأسلحة في جبال سمامة في القصرين، وإفشالها مخططات إرهابية في رمضان كانت تنوي استهداف دوريات أمنية. وعلاوة على هذا المناخ الأمني الصعب، جاء خبر التدخل الإسرائيلي في الانتخابات التونسية والمشهد السياسي عموماً، ليبعث برسائل تهديد كبيرة مسلّطاً الضوء على هذه التدخلات الخارجية التي لم تتوقف في الحالة التونسية، والعمل باستمرار على ضرب الاستقرار النسبي.

وحددت "فيسبوك" مجموعة "أرخميدس" الإسرائيلية كمصدر لهذه الأنشطة. وقال رئيس سياسة الأمن الإلكتروني في "فيسبوك"، ناثانيل غليشر، في مؤتمر صحافي، إن "هذه المؤسسة وجميع الشركات التابعة لها محظورة الآن من فيسبوك وقد تم إصدار خطاب إيقاف". وذكرت "فيسبوك" أن "المجموعة الإسرائيلية أنفقت أكثر من 800 ألف دولار على إعلانات وحسابات في منصة فيسبوك، وأن لديها 65 حساباً و161 صفحة و12 حدثاً على فيسبوك وأربعة حسابات على إنستغرام. ويتابع نحو 2.8 مليون شخص صفحة أو أكثر من هذه الصفحات".

وتعمل هذه المجموعة الإسرائيلية بالتحديد مع وكلاء لها في أفريقيا والكاراييب وأميركا اللاتينية، ويديرها جندي سابق عمل في سلاح الجو الإسرائيلي، ويدير حالياً لوبيات مؤثرة تحت غطاء "تقديم استشارات سياسية" في أوروبا. وتكفّل في السنوات الأخيرة بمهمة الترويج لـ"مقاومة إسرائيل للإرهاب وضد دعوات مقاطعة البضائع الإسرائيلية". وتداولت تقارير عدة وجود صفحات في تونس تابعة لهذه المجموعة، وتقف تحديداً ضد حركة النهضة ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.

وفي تعليقه على هذه التطورات، استغرب الأمين العام لحركة "تحيا تونس" الداعمة للشاهد، سليم العزابي، عدم الرد والتحرك ضد هجمة من مؤسسات إسرائيلية ضد الشاهد. وفي كلمة توجه بها في اجتماع نسائي لحزبه، قال العزابي إنه "لم يتم التحرك من أي طرف ضد هذه الهجمة، ما يعكس رؤية الأحزاب السياسية ومكونات أخرى لرئيس الحكومة". وأضاف أنه "لو حصل ذلك في بلدان أخرى لتم تنزيل البيانات وخرجت التظاهرات"، معتبراً أن "رئاسة حكومة تونس أصبحت غريبة على أحزاب ومكونات تونسية".

في المقابل، يتابع التونسيون ظهوراً مفاجئاً لجمعية مدنية بدأت تنخرط في الحقل السياسي. وتحمل الجمعية اسم "عيش تونسي" (أي أحيا بشكل تونسي)، وبدت أنشطتها تظهر بذخاً في الإنفاق، ما أثار بعض الأسئلة حولها. كما أن واحدة من الأعضاء المؤسسين للجمعية، ألفة تراس، اعتبرت أن "من حقها الترشح للانتخابات الرئاسية"، مشيرة إلى أنها "يمكن أن تفكر في ذلك إذا رأت أن في ترشحها مصلحة لتونس".



وأشارت في حوار إذاعي، إلى أنها قامت بصرف المليارات في تونس منذ مدّة، منها التي صُرفت في مشاريع ثقافية واجتماعية، ومنها للطلاب الذين يدرسون في الخارج. كما طرحت علاقة الصداقة بين زوجها الفرنسي غيوم رامبورغ، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكثر من سؤال، خصوصاً أن تراس حاملة للجنسيتين التونسية والفرنسية. وكالت جهات عدة الاتهامات لجمعية "عيش تونسي"، وطرحت أسئلة حول نواياها الحقيقية ومصادر تمويلها وأسلوب تعاملها مع المعطيات الشخصية للتونسيين.

آخر الاتهامات ذكرها الخبير الاقتصادي معز الجودي، وتفيد بأن "عيش تونسي تحمل نوايا وخفايا مبطنة ومريبة وتستعمل العمل الجمعياتي لأغراض غير معروفة، وتمويلها من الخارج. كما أن أسلوب عيش تونسي غير أخلاقي، تحديداً من خلال أخذ أرقام المواطنين والاتصال بهم". وردت الجمعية بأن "هذه الحملة ضدها لا تثنيها عن مواصلة عملها من أجل التونسيين".

وبقطع النظر عن صحة هذه الاتهامات من عدمها وما تحمله ربما من مخاوف من كل وافد جديد، وخصوصا أن التونسيين أثبتوا في الانتخابات البلدية العام الماضي، أنهم يبحثون عن مقترحات جديدة، بما يفسر ميولهم بقوة نحو المستقلين، فإن الأكيد هو أن هناك جواً من الضبابية يلف المشهد السياسي التونسي، خصوصاً مع تقديم شركات سبر الآراء أرقاماً مفاجئة حول شخصيات برزت أخيراً بشكل لافت.

مع العلم أنه تمّ تسجيل دخول مليون ناخب جديد على الخط، وهو ما بعثر أوراقاً كثيرة بشأن التوقعات الخاصة بالانتخابات المقبلة، وطرح في الوقت نفسه استفسارات حول هذا المليون الجديد، بعدما كان الجميع يتحدث عن نفور من الأحزاب السياسية والانتخابات.

وقال عضو المكتب التنفيذي المكلف بالانتخابات في حركة النهضة، محسن النميشي، في مؤتمر صحافي منذ أيام، إن "الحركة سجلت نقائص في عملية التسجيل، أهمها وجود شبهة في التسجيل الآلي"، مؤكداً أن "الحزب تلقى العديد من الشكاوى، خصوصاً من الناخبين الجدد، الذين اكتشفوا أنهم مسجلون من دون علمهم".

وفي الحركة الحزبية، تبدو خطوات ومحاولات التحالف بطيئة ومشوبة بكثير من الريبة والحسابات الضيقة، ولم تفلح أي منها حتى الآن في التحقق، على الرغم مما يشير إليه كثيرون من أن هناك مشاورات متقدمة للانصهار أو التحالف. لكن العكس هو ما يحدث بالضبط، مع تميز المشهد بحالة من التفتت وصعود مكونات مستقلة جديدة، تدّعي بحثها عن تجميع القوى، في حين أنها تضيف لاعبين جدداً للمشهد المشتت أصلاً. هذه الأجواء المشحونة قادت إلى حالة من القلق الواضح لدى عدد من الشخصيات السياسية التي تحدثت إليها "العربي الجديد"، ولم يخف بعضها أنه أصبح يخشى من تكاثر الأسباب التي قد تدعو لتأجيل الانتخابات. ولكن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بفون، نفى خلال ندوة صحافية، إمكانية تأجيل الانتخابات، قائلاً إنه "من غير الوارد تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية لأنها مواعيد حددها الدستور". وشدّد على أن "دعوات التأجيل تعد خرقاً للدستور التونسي، والهيئة مؤتمنة على الانتخابات وتطبيق مقتضياته".