ويأتي ذلك بالتزامن مع تسريبات لمصادر عسكرية عراقية، قالت إنّ القوات الأميركية عزّزت عديد قواتها بوحدات إضافية وأسلحة دفاعية في قاعدة التاجي (27 كيلومتراً شمالي بغداد)، ومعسكر المطار (12 كيلومتراً جنوب غربي بغداد)، ضمن جهود واشنطن لتأمين عناصرها هناك، بعد رصد تحركات تفيد بأنّ فصائل عراقية محسوبة على إيران تتجه لاستهداف مصالح أميركية.
وقال ضابط في قيادة عمليات بغداد لـ"العربي الجديد"، إنّ تلك الوحدات "وصلت على شكل دفعات خلال الأيام الماضية، ولا يعرف هل جاءت من خارج العراق كالكويت وتركيا مثلاً، أم أنها انتقلت من قاعدة إلى أخرى داخل العراق، لكن الأكيد أنّ الولايات المتحدة شدّدت إجراءات الأمن في القاعدتين". واعتبر أنّ "أبرز المخاطر التي تهدد الوجود الأميركي في العراق، هي الصواريخ الموجهة التي تمتلكها فصائل عراقية مسلحة معروفة بقربها من إيران".
وفي السياق، قال مسؤول عراقي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، أول من أمس الأحد، لـ"العربي الجديد"، إنّ بلاده أجّلت خططاً أمنية تحسباً لتطورات مفاجئة في الأزمة الحالية بين واشنطن وطهران، مؤكداً أن آثار التصعيد الأخير بين البلدين بدت أكثر داخل العراق من إيران نفسها، وخصوصاً في ما يتعلق بقطاعي الطاقة والاستثمار.
وأوضح المسؤول، أنّ أبرز الخطط الأمنية التي قررت الحكومة العدول عنها بسبب التوتر الحالي في المنطقة، تمثّلت في "تأجيل إجراءات البدء بخطة سحب الجيش العراقي من مدن محررة عدة شمال وغرب البلاد وتسليمها للشرطة المحلية، وكذلك خطة افتتاح المنطقة الخضراء بشكل كامل"، مشيراً إلى أنّ "مبنى السفارة الأميركية، الواقع داخل هذه المنطقة سبب رئيس في تأجيل الخطوة الأخيرة".
وتحدّث المسؤول عن "تأثّر واضح للعراق بالتصعيد الحالي على صعيد ملف الأمن، وخصوصاً بعد تعليق ألمانيا وهولندا برامجهما العسكرية في دعم جهاز مكافحة الإرهاب وقوات التدخل السريع ووحدات الهندسة العسكرية بالجيش العراقي"، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر "يعتبر خسارة للعراق، حيث كان المئات من الجنود وعناصر الأمن العراقي يتلقون تدريبات عالية المهارة ويحصلون على دعم لوجستي، أمني وعسكري".
وحول الآثار الأخرى، اعترف المسؤول ذاته بمغادرة أكثر من 230 أميركياً إلى الآن، كانوا يعملون بمجال الإغاثة وبرنامج تثبيت استقرار المدن المحررة ونزع الألغام وتعزيز المصالحة والتعايش المشترك، من مقارّ عملهم في بغداد وإربيل بعد مطالبة بلادهم لهم بذلك، إضافة إلى مغادرة آخرين من جنسيات أجنبية أخرى.
وكشف أنّ "الحكومة ركزت في الساعات الماضية على طمأنة الدول الأوروبية والأجنبية على حدّ سواء، بشأن استقرار الأوضاع، وعدم صحة المعلومات التي تتحدث عن إمكانية استهداف البعثات الأجنبية على يد الفصائل المسلحة". واعتبر أن جزءاً "من بعض القرارات، بما في ذلك سحب شركة إكسون موبيل الأميركية، أكبر الشركات العالمية المستثمرة في العراق، موظفيها الأجانب من حقل نفطي منتج في البصرة يوم السبت الماضي، على الرغم من التزامها بعقد للعمل في الحقل، كان سياسياً أكثر منه أمنياً". كما رأى أنّ دعوة المنامة رعاياها في العراق للمغادرة يندرج ضمن هذا الإطار أيضاً.
كذلك لفت المسؤول نفسه إلى أن رخصاً استثمارية منحت لشركات أجنبية، هي مهددة الآن بسبب التصعيد الحالي، بينها استثمارات في مجال الغاز والنفط والإسكان، ومن ضمنها ما يتعلّق بمشروع مدّ أنبوب نفط ثانٍ من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي عبر محافظة نينوى، فضلاً عن رخص استثمارية منحت لرجال أعمال عراقيين يتخوّفون الآن من المباشرة في العمل.
وعلى وقع تحول العراق إلى ساحة خلفية للتصعيد بين واشنطن وطهران، برزت دعوات سياسية رافضة لزج العراق في المعركة، وسط قناعة لدى مراقبين وسياسيين أنّ الأزمة جاءت آثارها على العراق أسرع من المتوقع.
وبادر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عقب سقوط صاروخ "كاتيوشا" قرب السفارة الأميركية في بغداد، إلى إعلان رفضه محاولات تأجيج الحرب بين إيران والولايات المتحدة، وزجّ العراق في هذه الحرب، وجعله ساحة للصراع بين طهران وواشنطن. وشدد في تغريدة على "تويتر" أمس الإثنين، على ضرورة "وجود وقفة جادّة من كبار القوم لإبعاد العراق عن هذه الحرب الضروس التي ستأكل الأخضر واليابس"، مضيفاً أنه "إذا لم يقف العراق وقفة واحدة وجادّة فستكون تلك الحرب نهايته، فيما لو دارت رحاها، وقد أعذر من أنذر". وأكد أنّ "العراق وشعبه لا يتحملان حرباً أخرى".
من جهته، اعتبر رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، أنّ التصعيد الأميركي الإيراني يبعث على القلق لدى جميع دول المنطقة ويهدد أمنها، عارضاً خلال استقباله القائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد جوي هود، أول من أمس الأحد، وساطةً عراقية لإنهاء التوتر بين طهران وواشنطن. وقال: "للعراق علاقات وثيقة مع الطرفين، تمكنه من أن يؤدي دور الوسيط لتقريب وجهات النظر وإنهاء حالة التوتر". وأكد الحكيم، أن "أمن البعثات الدبلوماسية من مسؤولية الدولة العراقية"، مشيراً إلى أنه "في المقابل، على البعثات الدبلوماسية أن ترسل رسائل إيجابية عن الوضع السياسي والأمني في العراق، بعد أن وصل إلى مراحل متقدمة تزول أمامها كل الأسباب الموجبة لمغادرة موظفي أو رعايا هذه البعثات".
من جهته، تحدّث عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي مهدي تقي، عما وصفها "محاولات نقل الصراع الأميركي – الإيراني إلى العراق"، موضحاً في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أنّ "الحكومة مطالبة الآن بموقف واضح يمنع جعل العراق ساحة معركة". واعتبر في الوقت نفسه إجراءات السفارات بأنها "لا تعني أنّ حرباً ستكون داخل العراق".
إلى ذلك، قال عضو التيار المدني العراقي أحمد الربيعي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الأزمة الحالية كشفت أو رسخت حقيقة حاول الكثيرون إنكارها، وهي أنّ العراق واقع فعلياً تحت الانتداب الإيراني، وبإمكان طهران أن تفعل داخله ما تريد". وأضاف: "حتى الآن لم يسأل أحد استنكاراً أو استفهاماً بأن الأزمة بين إيران والولايات المتحدة ما دخل العراق فيها، ولماذا البعثات الأجنبية سحبت رعاياها، وعززت إجراءات الأمن حول مقارّها، ولماذا البلد الآن مشلول بهذا الشكل، فحتى صاحب المشروع التجاري الذي لا تتجاوز قيمته 50 ألف دولار صار ينتظر ولا يريد أن يخاطر؟". واعتبر الربيعي أنّ "إيران هي من ستحوّل العراق لساحة قتل، لا حرب فقط، وقد تعيد اللعب بورقة داعش مرة أخرى، لغايات تخدمها، وكل ذلك سيكون العراق الخاسر الأكبر فيه".
من جهته، طالب عضو لجنة الطاقة في البرلمان العراقي رزاق محيبس، الحكومة بضرورة "عدم منح الشركات فرصة للخروج من العراق، من خلال طمأنتها وتوفير البيئة الآمنة لها".
أما الخبير في الشأن السياسي العراقي إياد الدليمي، فقال إنّ "الناس تشعر بثقل وقلق داخل العراق منذ التصعيد الأخير في الأزمة"، موضحاً أنّ "المخاوف كثيرة إزاء ذلك، ولا تنحصر بملف واحد، فقد تعود إيران لإحياء الورقة الطائفية مرة أخرى إذا شعرت بأنها بحاجة لها مجدداً في العراق، وذلك لإرباك أوراق واشنطن وإعادة الملف الأمني في البلاد إلى مربع البداية". وأوضح أنه "على الرغم من المؤشرات التي تقول ألا حرب، لكن ليس هناك سلم أيضاً، وهذا كله سيكون ثقله الأكبر على العراق، ومن ثم فإنّنا أول دول المنطقة تأثراً، وآخرها راحة، إذا ما حدث المحظور فعلاً".