بينما نفّذت إيران، اليوم الأربعاء، المرحلة الأولى من قراراتها "المرحلية" رسمياً من خلال تعليق تنفيذ بعض التعهدات بموجب الاتفاق النووي، أكدت أن لا تراجع عن هذه القرارات التي أعلن عنها الرئيس حسن روحاني، في 8 مايو/أيار الجاري، رداً على الانسحاب الأميركي من الاتفاق، ومماطلات الشركاء في تنفيذ تعهداتهم.
ونقل التلفزيون الإيراني عن رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية محمود واعظي، قوله، بعد اجتماع للحكومة، اليوم الأربعاء، إنّ بلاده "لن تتراجع عن قراراتها أبداً، حيث سننفذ خلال أول ستين يوماً الأول ما أعلنا عنه، وفي ستين يوماً أخرى سنطبق بقية الإجراءات".
وكانت طهران قد اشترطت على الشركاء الخمسة المتبقين في الاتفاق النووي؛ وهم الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بالإضافة إلى روسيا والصين، تنفيذ مطالبها المتمثلة في تحصيل منافعها في المجالين النفطي والمصرفي، لكي تعود عن القرارات "المرحلية" القاضية بتقليص تعهداتها النووية.
ونقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية، اليوم الأربعاء، عن مصدر مطلع في الهيئة الإيرانية للطاقة الذرية، قوله إنّ بلاده "بدأت بالفعل وقف تعهدات نووية وفقا لقرارات المجلس الأعلى للأمن القومي".
وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه، أنّ التعهدات التي علّقتها طهران، اعتباراً من اليوم الأربعاء، تشمل: "رفع القيود الموجودة على سقف إنتاج اليورانيوم المخصب، وكذلك إنتاج المياه الثقيلة في منشآت أراك".
وأشار المسؤول الإيراني إلى أنّ الهيئة الإيرانية للطاقة الذرية سوف تعلن عن برامج لزيارة مندوبي وسائل الإعلام لمنشآت "نطنز" و"أراك"، "ليطلع الرأي العام على الإجراءات التي اتخذتها الهيئة".
وكان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، قد أعلن في 8 مايو/ أيار الجاري، في الذكرى السنوية الأولى لانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، في بيان، تقليص تعهدات نووية مندرجة في الاتفاق، موضحاً أنّ الخطوة تأتي "للحفاظ على الأمن والمصالح الوطنية للشعب الإيراني".
وأوضح البيان، أنّ الرئيس حسن روحاني وجه رسائل إلى قادة الدول الأعضاء في الاتفاق النووي حول الإجراءات الإيرانية لتقليص التعهدات، معلنا أنّها تأتي "عملاً بمقتضى حقوقها المندرجة في البندين 26 و36 للاتفاق النووي".
وأكد البيان أنّ إيران "في المرحلة الأولى لا ترى لزاماً في الالتزام بالقيود المتعلقة على احتياطي اليورانيوم المخصب، واحتياطي المياه الثقيلة".
ومنح مجلس الأمن القومي الإيراني مهلة لمدة ستين يوماً، للدول الخمس، لتنفيذ تعهداتها في المجالات المصرفية والنفطية، موضحاً أنّه "في حال تمت تلبية مطالبنا فبنفس القدر سوف نستأنف تنفيذ تعهداتنا التي أوقفناها".
وفي تصريحات، أمس الثلاثاء، قال روحاني إنّ بلاده "قد منحت فرصاً كافية لشركاء الاتفاق النووي للقيام بواجباتهم"، خلال العام، قبل اللجوء إلى الخطوات الأخيرة.
ومن جهة أخرى، وفيما تتجه الأنظار نحو أوروبا واجتماعاتها بشأن إيران، في ظل ارتفاع وتيرة التصعيد بين واشنطن وطهران، وخصوصاً بعدما رمت الأخيرة الكرة في الملعب الأوروبي، لإنقاذ ما تبقى من الاتفاق النووي، أكدت تصريحات المسؤولين الإيرانيين، أنّ أوروبا لم تقم بشيء، حتى اللحظة، يلبي مطالبها في المجالين النفطي والمصرفي.
وفي السياق، أعلن رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، أمس الثلاثاء، أنّ الأوروبيين "لم يقدموا على أيّ خطوة بعد مرور 10 أيام على مهلة الشهرين". وأضاف أنّ "الأوروبيين أمامهم 50 يوماً كفرصة لتسهيل المعاملات المالية لإيران بعد عدم قيامهم بشيء، خلال الأيام العشرة التي مرت على المهلة".
ملامح "الإستراتيجية الإيرانية"
وفي خطاب له مساء الثلاثاء، رسم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الخطوط العريضة لـ"الإستراتيجية الإيرانية" في مواجهة التصعيد الأميركي، والتي ترتكز على ثلاثة أسس، وفق تصريحاته، هي "استبعاد الحرب مع واشنطن" و"رفض التفاوض مع الإدارة الأميركية الحالية" و"الصمود" في مواجهة الوضع الحالي، كـ"الخيار الحتمي" لإيران.
وقال خامنئي، في لقاء مع كبار مسؤولي الدولة الإيرانية، وفقاً للموقع الإعلامي لمكتبه، إنّ "أميركا ستضطر للتراجع في المواجهة الراهنة التي ليست عسكرية، لأنه ليس من المقرر أن تحدث حرب"، مضيفاً "إننا لا نريد حرباً، ولا هم يريدون حرباً، لأنهم يعلمون أن الحرب ليست في صالحهم، لذلك فالصراع الموجود هو صراع الإرادات وإرادتنا أقوى".
وعن احتمالات تفاوض بلاده مع الإدارة الأميركية، قال المرشد الإيراني إنّ "البعض في الداخل يتساءلون ما العيب في التفاوض"؟ ليرد قائلاً إنّ "التفاوض سُمّ وما دامت أميركا هي كما الآن، فالتفاوض مع الإدارة الأميركية الراهنة أكبر من سمّ".
وأضاف أنّ "التفاوض يعني المقايضة والصفقة، لكن ما تريده أميركا هو التفاوض على نقاط قوتنا: حول أسلحتنا الدفاعية وصواريخنا ومداها"، موضحاً أنّهم "يقولون لنا خفضوا مدى صواريخكم لكي لا تصل هذه الصواريخ إلى مواقعنا في حال ضربناكم ".
وأكد أنّه "لا يوجد إيراني عاقل يساوم على نقاط قوته"، لافتاً إلى أنّهم "يدعوننا إلى التفاوض حول عمقنا الاستراتيجي في المنطقة لكي نخسر هذا العمق".
ظريف يواصل جولة آسيوية
وعلى وقع ارتفاع حدة التوتر بين طهران وواشنطن، يواصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، جولته الإقليمية والآسيوية، لتفادي الضغوط الأميركية، وخصوصاً الاقتصادية منها، ليغادر العاصمة الهندية نيودلهي متوجهاً إلى العاصمة اليابانية طوكيو، تلبية لدعوة نظيره الياباني تارو كونو، وفقاً لما نقلت وكالات أنباء إيرانية.
وكان ظريف قد زار تركمانستان قبل الهند، في زيارة ثانية له في غضون أقل من شهر. ووصف زيارته إلى عشق آباد ونيودلهي بـ"الإيجابية"، قائلاً إنّه تباحث مع المسؤولين في البلدين في التطورات الإقليمية والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
وبحسب وكالات أنباء إيرانية، تهدف جولة ظريف الإقليمية إلى تعزيز العلاقات الثنائية على الصعيد السياسي، وفي مجالات التجارة والنقل والطاقة والجمرك والتباحث بشأن القضايا الإقليمية والدولية.
وتأتي هذه الجولات لوزير الخارجية الإيراني، في سياق استدارة واضحة لبوصلة السياسة الخارجية الإيرانية نحو الشرق والجيران في ضوء السياسات الغربية بشكل عام والأوروبية بشكل خاص، وذلك بغية التغلب على العقوبات الأميركية وتداعياتها.
تهديد جديد بإغلاق "هرمز"
وفي تهديد جديد بإغلاق مضيق "هرمز" الإستراتيجي، أعلن رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية كمال خرازي، من العاصمة الفرنسية باريس، خلال مقابلات صحافية، أنّه "إذا اقتضت المصالح الإيرانية" ستقوم بلاده بإغلاق مضيق "هرمز"، وذلك في رد على سؤال بشأن جدية طهران في تنفيذ تهديداتها السابقة بهذا الشأن.
وأضاف خرازي، أنّ ذلك يتوقف على مستوى صادرات إيران النفطية وتأمين مصالحها.
ونفى خرازي أي دور لبلاده في تفجيرات الفجيرة، التي طاولت ناقلات نفط وسفن تجارية إماراتية وسعودية، الأحد الماضي، قائلاً إنّ "إيران لم يكن لها أي دور في هذا الحادث أبداً، وليست لها أي علاقة به"، داعياً إلى إجراء تحقيق "للكشف عن العناصر المتورطة فيه".
وحول دوافع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في توجيه دعوة لبلاده للتفاوض، وتمرير رقم هاتف لقادتها للاتصال به، قال خرازي إنّ "الرئيس ترامب يرغب في اللقاء مع الجميع بأي ثمن، ليلتقط صوراً ويقوم بالدعاية لنفسه"، مؤكداً أنّه "لن يتصل أحد من طهران بترامب أبداً".
وأضاف خرازي أنّ بلاده لا يمكنها "أن تثق بأميركا لانسحابها من الاتفاق النووي الذي أسند بقرار من مجلس الأمن الدولي، وقع عليه الأميركيون أنفسهم، وكذلك لانتهاكاتهم للقوانين الدولية".
واعتبر خرازي أنّ "الهدف الأميركي يتجاوز كثيراً الاتفاق النووي"، متهماً واشنطن بالسعي إلى تغيير النظام في إيران. وأضاف في هذا الصدد أنّ "الأميركيين كانوا يأملون أن تنهار إيران عبر العقوبات المفروضة عليها".
ومن جهة أخرى، أعلن عن استعداد طهران للتفاوض مع الرياض، محمّلاً إياها مسؤولية التوتر بين الجانبين، بقوله إنّ "الحكومة السعودية وقبلها (ولي العهد) محمد بن سلمان هما من أحدثا هذه التوترات".
وفي تعليقه على مهلة ستين يوماً منحتها طهران لأوروبا لتنفيذ مطالبها، قال "لا شك أنّ هناك وقت أمام أوروبا لتقوم بإجراء ملحوظ"، معتبراً أنّ الخطوة الأولى تتمثل في "تفعيل إينستكس"، وهي القناة المالية لدعم التجارة مع إيران، أسستها الترويكا الأوروبية، خلال يناير/ كانون الثاني الماضي.