وقالت المصادر، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إنّ هناك حالة من الغضب لدى الدائرة المقربة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي يقودها رئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، بعد الانتهاكات الفاضحة التي تورط فيها حزب "مستقبل وطن" خلال استفتاء تعديل الدستور، واقتران أسماء قياداته بتجاوزات غير مسبوقة، خصوصاً في ما يتعلّق بتوزيع الرشى على الناخبين على مسمع ومرأى من وسائل الإعلام.
وأصدر الحزب أول من أمس الإثنين، بياناً رسمياً أدان فيه هجوم عبد العال على رئيس هيئته البرلمانية عاطف ناصر، واتهامه إياه بـ"ترديد الأكاذيب" و"محاولة صنع مراكز قوى داخل مجلس النواب"، قائلاً: "على رئيس مجلس النواب مراجعة تصريحاته، نظراً لما يحمله منصبه من مسؤولية سياسية"، مطالباً عبد العال بـ"تجنب الخلافات الشخصية، والاتجاهات الخاصة، التي تحيده عن الدور السياسي المنوط به كرئيس للبرلمان".
وكان عبد العال قال مهاجماً رئيس الهيئة البرلمانية لحزب "مستقبل وطن": "لن أنكسر أو أستسلم أمام الدفاع عن المصلحة العامة، أياً كانت الضغوط، ولن أسمح بمراكز قوى داخل مجلس النواب، حتى لو اضطررت لمغادرة هذا المكان"، مضيفاً: "إذا كان البعض يحاول أن يختطف الأغلبية، فلن أستمر في هذا الطريق، وستكون لي وقفة حاسمة، وأقول هذا أمام الجميع على رؤوس الأشهاد".
وأشارت المصادر إلى إجراء قيادات الاستخبارات العامة اتصالات مكثفة أخيراً مع رئيس البرلمان من ناحية، ورؤساء الأحزاب الرئيسية من ناحية أخرى، لبحث تشكيل تكتل حزبي جديد محسوب على الدولة كبديل لحزب "مستقبل وطن" في الانتخابات النيابية، موضحةً أنّ الانتخابات المقبلة ستُجرى بنظام 75 في المائة للقوائم المغلقة، و25 في المائة للنظام الفردي، وهو ما يتطلب تكوين قوائم موحدة للاستحواذ على جميع مقاعد البرلمان.
وأفادت المصادر بأنّ حزب "مستقبل وطن" بات "محروقاً" في الشارع، بالتعبير الدارج، بعد توثيق تجاوزاته في استفتاء تعديل الدستور، نتيجة الممارسات الخاطئة لجهاز الأمن الوطني الذي يديره من خلف الستار، لافتةً إلى أنّ الأخير تسلّم ملف إدارة البرلمان من الاستخبارات في أعقاب انتخابات الرئاسة العام الماضي، ولكن ثبت عدم قدرته على إدارته بشكل جيّد، بعد أن حجّم دور ائتلاف الأغلبية النيابية "دعم مصر" لصالح الحزب.
اختفاء أشرف رشاد
في موازاة ذلك، توارى رئيس حزب "مستقبل وطن"، أشرف رشاد، تماماً عن الأنظار داخل مجلس النواب منذ فترة، على الرغم من أنّه يشغل منصب رئيس لجنة الشباب والرياضة في المجلس. ويأتي ذلك بعد أن تلقى إشارات من قيادات أمنية بضرورة تقديم استقالته من رئاسة الحزب، على وقع تورّط الأخير في توزيع السلع الغذائية على الناخبين في الاستفتاء بشكل فاضح، وهو ما وثقته وسائل إعلام أجنبية، ومثّل فضيحة مدوية للنظام المصري أمام الخارج.
وبحسب المصادر، فإنّ رؤساء تحرير الصحف ومقدمي البرامج الفضائية تلقوا تعليمات بتطبيق حالة من "الحظر الإعلامي" على رشاد إلى حين إعلان استقالته، لافتة إلى أنّ ممارسات الحزب أساءت بشدة إلى السيسي أمام الرأي العام، خصوصاً بعد طبع اسمه وصورته على "كراتين الغذاء" الموزعة على الناخبين خلال أيام الاستفتاء، فضلاً عن حشد المواطنين بحافلات عليها شعار الحزب، إلى اللجان الانتخابية للتصويت.
الحزب مستمر
في هذه الأنثاء، قال قيادي بارز في حزب "مستقبل وطن"، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الحزب "لن يقع" كما يتصوّر البعض، نظراً لأنه الوحيد في مصر الآن الذي لديه مقارّ رئيسية في جميع المحافظات، وأعداد كبيرة من الأنصار في مختلف المدن والقرى، ما يجعل هناك صعوبة في استبداله بآخر خلال المرحلة المقبلة. ونبّه إلى أنّ "الحزب لا يزال يتمتع بعلاقات جيدة مع مختلف أجهزة الدولة، وفي مقدمتها المؤسسات الأمنية".
وأضاف القيادي نفسه أنّ "السحر سينقلب على الساحر، وسيبقى الحزب مهما حاول المغرضون إبعاده عن المشهد السياسي"، مشيراً إلى أنّ "رئيس البرلمان الحالي لن يكون في منصبه بحلول الدورة التشريعية الجديدة نهاية عام 2020، ونحن نجهز البديل من الآن". ورأى أنّ "الأقرب إلى المنصب هو وكيل المجلس الحالي السيد الشريف، لأنه يتمتع بعلاقات جيدة مع جميع النواب". وتابع قائلاً: "رئيس البرلمان سيرتدي البيجامة قريباً، وسيجلس في منزله بعد انتهاء الدورة التشريعية الحالية، ولن يستطيع هو أو غيره عرقلة مسيرة مستقبل وطن، لأن الحزب أصبح كياناً قوياً ومتماسكاً، ويضم المئات من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ في مختلف مناطق الجمهورية".
تنافس محموم
وكانت الدائرة المحسوبة على السيسي قد شرعت منذ عام تقريباً في مناقشات حول تشكيل ثلاثة أو أربعة أحزاب كبرى، وتكوين ائتلافات بين الأحزاب لتخفيض عددها الذي يتجاوز حالياً المائة حزب، من خلال عقد جهاز الاستخبارات العامة اجتماعات مكثفة ومتتالية مع قيادات في أحزاب "مستقبل وطن" و"المصريين الأحرار" و"الوفد الجديد" و"حماة الوطن" و"المؤتمر" و"مصر بلدي" و"الشعب الجمهوري"، لبحث عملية الدمج.
غير أنّ ذلك المسعى تعثّر بسبب التنافس المحموم بين قيادات الأحزاب على المناصب القيادية المنتظرة، استناداً إلى عدد أعضاء كل حزب، والرقم المستهدفة إضافته، والمقارّ الحزبية المستغلة، والأماكن الأخرى المملوكة لقيادات الأحزاب في المحافظات، وهي منافسة تدور بالأساس بين القادة الذين كانوا يعملون في السابق ضباطاً بالجيش أو الشرطة، ورجال الأعمال الذين يمثلون مصدراً أساسياً للدعم المالي والحشد الجماهيري.
دمج محتمل
ووفقاً لمصادر سياسية وبرلمانية مطلعة، فإنّ سوء إدارة المشهد الميداني في استفتاء تعديل الدستور، والضربة التي تلقاها "مستقبل وطن"، واستهدفت بشكل مباشر رئيسه الحالي، دعوَا دائرة السيسي إلى فتح ملف طرح الحزب "بشكل جديد" و"الاستفادة من دمج محتمل لأحزاب أخرى به"، وذلك على خلفية فتح جهاز الاستخبارات العامة تحقيقاً موسعاً في أحداث الاستفتاء الأخير.
وقبل تولي "الأمن الوطني" مهام إدارة "مستقبل وطن"، أدى جهاز الاستخبارات الحربية دوراً كبيراً في تشكيل الحزب وتمويله عام 2014، من خلال توفير مقارّ له في جميع المحافظات، حيث كان الحزب جبهة تحمل الاسم نفسه في الأصل، أسسها الجهاز ككيان شبابي داعم للسيسي في انتخابات ولايته الأولى، بحسب شهادة مسؤول الشباب السابق في حملة الرئيس الحالي حازم عبد العظيم، والذي اعتقله الأجهزة الأمنية في مايو/ أيار 2018.