ماريا إسبينوزا لـ"العربي الجديد": وضع الجولان القانوني لا يتغير

04 ابريل 2019
إسبينوزا: الفلسطينيون عانوا كثيراً ولفترة طويلة (العربي الجديد)
+ الخط -

خصت رئيسة الجمعية العام للأمم المتحدة، ماريا فرناندا إسبينوزا، وهي أول امرأة من أميركا اللاتينية ورابع امرأة في العالم تتقلد هذا المنصب، "العربي الجديد" بحوار مطول، تطرقت فيه إلى عدد من القضايا السياسية الراهنة على الصعيد الدولي، بما في ذلك التحديات التي تواجه التعاون متعدد الأطراف. كذلك حضرت القضايا العربية، بدءاً من فلسطين والجولان السوري المحتل، الذي أكدت أن القرارات الأممية الموجودة في هذا الصدد ستظل سارية المفعول بغض النظر عن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعترافه بسيادة إسرائيل عليه. ولم يغب عن الحوار مع إسبينوزا التحديات التي واجهتها كامرأة في مناصبها السياسية، فضلاً عن نظرتها كشاعرة إلى عالم السياسة.

* عدت قبل أيام من الأرجنتين من مؤتمر الأمم المتحدة لتعاون الجنوب – الجنوب، وتحدثت في خطابك عن الثمار التي تجنيها الدول من التعاون متعدد الأطراف. هذا في وقت نلاحظ فيه أن الولايات المتحدة، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، يأخذان خطوات أحادية الجانب على الساحة الدولية. ما هو تعليقك؟
علينا أن نعترف أن هناك تراجعاً في ما يخص التعاون متعدد الأطراف. وهناك أصوات تقول إن هناك طريقين لمجابهة التحديات التي يشهدها العالم، الأول رد يتلخص بتعاون متعدد الأطراف بين الدول، والثاني مجابهة المخاطر بشكل فردي تأخذ الدول فيه مصالحها الوطنية بعين الاعتبار وحسب. في الحقيقة، فإن التعاون متعدد الأطراف عبارة عن زاوية تقوي من خلالها الدول سيادتها عن طريق مجابهة تحديات عالمية. ليس هناك دولة في العالم، مهما كان حجمها، يمكنها مجابهة تحديات كالتغير المناخي أو الهجرة أو الإرهاب. كل الأمور التي تهدد الإنسانية تتطلب قيادة دولية قوية، وتحركاً دولياً، والأمم المتحدة هي البيت. وأعتقد أننا نحتاج إلى التعاون أكثر من ذي قبل.

* إلى أي مدى يقوم المجتمع الدولي، ممثلاً بمؤسسات الأمم المتحدة والجمعية العامة خصوصاً، بدوره في مجابهة دول كالولايات المتحدة وخطواتها الأحادية في مجالات عديدة، ضمنها السياسة والمناخ وغيرها؟

أعتقد أننا أثبتنا أن العمل معاً والاتفاق على الأمور الأساسية والجذرية فعال وقوي، وهذا هو دور الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهي برلمان العالم، عندما قمنا بالاتفاق حول التنمية المستدامة وأهداف الألفية 2030. هذه هي خارطة الطريق للمستقبل، ولا يمكن إنكار ذلك. وقد تعاملنا مع كل الأمور المفصلية المهمة للناس، مثلاً قضية الحصول على المياه والتعليم ذي الجودة، وتمكين النساء والمساواة بين الجنسين، وقضية العنف ضد النساء، ومكافحة الجوع وتوفير العمل، وأن يكون لدينا مؤسسات قوية يمكنها الوفاء بالوعود. الجيد في أجندة 2030 أنه يتم العمل عليها على مستوى محلي، في الوقت الذي يترجم ذلك إلى سياسات دولية، وهذه جميعها ثمار التعاون متعدد الأطراف. على سبيل المثال هناك اتفاق باريس للمناخ، والذي يشكل مظلة وخارطة طريق لنا جميعاً لدفع فاتورة التغير المناخي وتبعاته والتعامل مع هذه التحديات مع الأخذ بالحسبان الضرر الذي لحق بالدول الفقيرة. وفي الاتفاقية نحدد كيف سنسدد ومن سيسدد فاتورة التغير المناخي. هناك دائماً مجال للتحسن والنقد والمحاسبة، ولذلك فإن الأمم المتحدة تقوم بإعادة ابتكار نفسها عن طريق تنفيذ إصلاحات بنيوية. لا يمكن الاستغناء عن الأمم المتحدة ودورها. فإذا أخذنا على سبيل المثال الإرهاب، لا يهم ما هو حجم الدولة، فهي لن تتمكن من مكافحته لوحدها لأنه بطبيعته عابر للحدود ويؤثر علينا جميعاً. العمل على مستوى محلي ووضع سياسات مناسبة أمر ضروري، ولكن هناك معايير دولية وقواعد لنظام دولي وهذا هو دورنا كأمم متحدة.

* هناك انتقادات فيما يخص تنفيذ القرارات. إذا تحدثنا عن سورية مثلاً، فقد اعتمدت الجمعية العام القرار 248 في العام 2016، والذي نص على إنشاء آلية دولية للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص والمسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة، بحسب تصنيف القانون الدولي، المرتكبة في سورية منذ مارس/آذار 2011. وعلى الرغم من أهمية هذا القرار، فهناك من يرى أن المحاسبة على جرائم الحرب التي ارتكبت بعيدة المنال؟
لقد تبنت الجمعية العامة، وأنا رئيستها، قرارها، وهذا ضمن مهامها ويجب تطبيقه كأي قرار. الشأن السوري تم التعامل معه في أغلب الأحيان في مجلس الأمن. وكأمم متحدة نتمنى أن يكون هناك حل سلمي ومفاوضات بين جميع الأطراف والأمم المتحدة تعمل في هذا الاتجاه، أي إمكانية إيجاد حل للصراع عن طريق الحوار.



* لكن كما تعلمين فإن مجلس الأمن عاجز عن القيام بمهامه، سواء في سورية أو دول أخرى. والسؤال هو هل تملك الجمعية العامة للأمم المتحدة إمكانيات إضافية، أو يمكنها اتخاذ خطوات من أجل إصلاح مجلس الأمن أو إيجاد طريق من أجل العمل على المحاسبة؟
صحيح أن قضية الأمن والسلم هي من ضمن مسؤوليات مجلس الأمن، ولكن كان هناك أوضاع حدث فيها انسداد. وبعد قرار الدول الأعضاء يتحول الأمر للجمعية العامة، ولدينا مظلة وهي قرار "متحدون من أجل السلام" الذي يسمح للجمعية العامة بأخذ المسؤولية بخصوص مواضيع لم يتمكن مجلس الأمن من حلها. ولكن هذا يتعلق برغبة وإرادة الدول الأعضاء. وفيما يخص الإصلاحات في مجلس الأمن فإن الجمعية العامة تنظر في الأمر وأحرزنا تقدماً بطيئاً. لكن هناك عملية تسير.

* ما تعليقك على قرار ترامب الاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل، في الوقت الذي تؤكد فيه قرارات للجمعية العامة ومجلس الأمن أن الجولان أرض سورية محتلة؟ هل سيتم نقاش الموضوع مجدداً في الجمعية العامة، أو هناك أي خطوات أخرى؟

إن نقاش أي موضوع في الجمعية العامة يجب أن يأتي بطلب من الدول الأعضاء. من المهم هنا أن نشير إلى أن القرارات الموجودة في هذا الصدد ستظل سارية المفعول. ويجب أن تلتزم الدول الأعضاء في الجمعية العامة (193 دولة بما فيها الولايات المتحدة) بقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن. قرار دولة واحدة لا يغير الوضع القانوني لهذه المنطقة. لقد عبرت الجمعية العامة عن رأيها ورأي الدول الأعضاء عن طريق القرارات الموجودة ويجب احترام تلك القرارات.

* فيما يخص فلسطين، هناك قرارات عديدة اعتمدتها الجمعية العامة متعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه بالحماية. ويوجد تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، حول سبل تقديم الحماية للشعب الفلسطيني وهو أمام مجلس الأمن، لكن لا يوجد تقدم ملموس على هذا الصعيد. هل بإمكان المجتمع الدولي القيام بشيء إضافي لحماية الشعب الفلسطيني أو تنفيذ قراراته؟
لقد كررنا مراراً أنه يجب احترام قرارات الأمم المتحدة، وتوجد قرارات عديدة متعلقة بفلسطين وحقوق الفلسطينيين في مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، بما فيها الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن. وأعتقد أنه يجب أن نستخدم ما لدينا وعلينا أن ننفذ القرارات الموجودة. إن أي مبادرة جديدة وأي أفكار يجب أن تأتي من الدول الأعضاء. ودوري كرئيسة هو أن استمع لتلك الأصوات. ولكن كما قلت هناك قرارات، وما نتمناه أن يكون هناك حوار بين الأطراف المعنية، لأن هذا يصب في مصلحة الجميع، وتحديداً الفلسطينيين الذين عانوا كثيراً ولفترة طويلة. إن القرارات التي لدينا عبارة عن تعبير للرغبة السياسية الدولية ومواقف الدول الأعضاء.

* نجحت العديد من الدول في أميركا اللاتينية في التخلص من أنظمتها العسكرية أو الدكتاتورية وتأسيس أنظمة ديمقراطية. هل هناك نصيحة تقدمينها للنشطاء العرب والشباب الذين لم يتمكنوا من تحقيق ذلك حتى الآن، خصوصاً بعد الانتفاضات العربية أو "الربيع العربي"؟
عموماً، لا أعتقد أن هناك شكلا أو تصميما لنظام سياسي يلائم الجميع. كما أنه من الصعب القول ما هي السبل للنجاح. ربما من الأهم، أن يكون عند الناس في كل دولة الحرية ليقرروا شكل مستقبلهم ونوعية النظام الذي يريدون أن يكون لديهم. البشر، في نهاية المطاف، يريدون نفس الشيء: بيئة آمنة ونظيفة وإمكانية عيش كريم ومستقبل لأطفالهم وتعليم ذو جودة. أما ما هو نوع النظام السياسي فهذه قرارات بيد الشعوب. قد يبدو هذا الجواب سطحياً، لكن في نهاية المطاف علينا، نحن السياسيين، أن نهتم بمجتمعاتنا وأن نجعلها تعيش وتشعر بأمان وأن تكون سعيدة، لأن احتياجات الناس هي نفسها في كل مكان. ما يتغير هو أولئك الذين يعملون على تحقيقها. الجميع مسؤول عن التفكير بمستقبل مستدام وسد هوة اللامساواة وخلق بيئة آمنة. وأنا أتردد في إسداء نصائح عن ماهية "الديمقراطية الجيدة". هناك مسؤولية لبناء البلد والقيام بالتغييرات المطلوبة. نعتقد أحياناً أن هذه مسؤولية الحكومات لوحدها، ولكن هناك حاجة لمواطنة قوية وفعالة للممارسة والمسؤولية المشتركة. من الضروري تقوية دور المجتمعات المدنية. الكثير من الناس سيقولون على الحكومة أن تفعل هذا أو ذاك. أعتقد أن هذا صحيح، ولكن في الوقت ذاته علينا أن نسأل: ما الذي يمكنني عمله للبلاد، وما الذي يمكن أن أقدمه لكي يكون هناك مجتمع أفضل؟ وهذا طريق ذو اتجاهين.

*كيف واجهت التحديات كامرأة في مناصبك السياسية؟

إن الحافز يكمن في القدرة على التغيير والتأثير في الاتجاه الذي يؤمن به الإنسان والعهود التي قطعها. إن العمل الأكاديمي أو العمل ضمن منظمات غير حكومية فيه مسؤولية كبيرة، لكن تلك المسؤولية تتضاعف في العمل السياسي وتستحق أن تواجه على الرغم من الإهانات والتعامل السيئ الذي واجهته كامرأة. لقد تمكنت من تحقيق إنجازات، حتى لو كانت صغيرة، بينها تحسين أوضاع النساء العاملات في القوات المسلحة عندما مررت قانون المساواة بين الجنسين، وهذا غير الكثير من العقول داخل المؤسسة العسكرية في بلادي. والأمر ذاته حصل عندما تمكنت من تمرير قانون المساواة بين الجنسين في خدمات وزارة الخارجية. وعندما كنت وزيرة الإرث الثقافي قمنا بنشر أول مجموعة شعرية لشعراء من السكان الأصليين، ومن أصل أفريقي، لأنهم كانوا مغيبين تماماً عن تاريخ الأدب في بلادي. هذه خطوات صغيرة، لكنها مهمة، وتشكل تعويضاً عن المعاملة السيئة أو النظرة الذكورية.

*هل تحمل إسبينوزا الشاعرة نظرة مختلفة إلى عالم السياسة؟
أعتقد، ربما الجواب، باختصار، هو: قوة الكلمات. المادة الخام للشعر هي كلماتنا، والشاعرة تعمل بالكلمات، وبشكل أساسي تنحت الجمال بالكلمات. والسياسة هي نفس الشيء، لأنك تعمل على الواقع بالكلمات، وعليك أن تكون أميناً لتلك الكلمات وما تقوله وأيها تستخدم وكل هذه مرتبطة ببعضها البعض. وسأقول إن السياسة ستكون أفضل لو أن فيها شعرا أكثر.

سيرة

ماريا فرناندا إسبينوزا، هي أول امرأة من أميركا اللاتينية، ورابع امرأة في العالم تتقلد منصب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وستستمر في منصبها حتى سبتمبر/أيلول المقبل. وجاء تعيين إسبينوزا في منصبها بعد خبرة أكثر من عقدين في عالم السياسة، إذ كانت تقلدت مناصب في الأكوادور ما زالت حكراً على الرجال في أغلب دول العالم، كوزيرة الدفاع في العام 2012. كما عينت وزيرة خارجية الإكوادور مرتين، أولها عام 2007 ثم في العام 2017، ناهيك عن توليها منصب سفيرة بلادها لدى الأمم المتحدة في أكثر من فترة. واللافت في سيرة إسبينوزا، المولودة في العام 1964، أنها دخلت أبواب البحث الأكاديمي والأدب قبل أن تدخل السياسة. فإلى جانب الدكتوراه في الجغرافية البيئية، تحمل الماجستير في العلوم الاجتماعية ودراسات الأمازون. كما حصلت على دبلوم دراسات عليا في الأنثروبولوجيا والعلوم السياسية. لها عشرات المقالات حول التغير المناخي والبيئة وأهداف التنمية المستدامة والثقافة. كما نشرت عدداً من الدواوين الشعرية بالإسبانية.

المساهمون