تبدو كفة التوازنات الدولية بشأن الأزمة الليبية، التي وصلت إلى مستوى عال من التوتر والتصعيد العسكري، تسير باتجاه التبدل، بعد أسابيع من الصمت الدولي تجاه الهجوم العسكري الذي ينفذه اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، في إطار سعيه للسيطرة على البلاد عسكرياً، ضارباً بعرض الحائط الجهود السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.
أول تلك المؤشرات دخول تركيا على خط الأزمة بشكل أكثر صراحة ومباشرة، من خلال تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه "سيسخّر كل إمكانيات بلده، لمنع هذه المؤامرة على الشعب الليبي"، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه مساء أمس الأحد مع رئيس حكومة "الوفاق" فايز السراج.
ووفق إيجاز صحافي لمكتبه الإعلامي، فإن أردوغان بحث مع السراج "آخر تطورات الوضع السياسي والأوضاع الميدانية على الأرض"، مؤكداً استنكار بلاده الاعتداء الذي يشن على العاصمة طرابلس، وللمؤامرة التي تحاك على ليبيا واستقراره.
ونقل المكتب عن أردوغان "وقوفه بكل حزم إلى جانب الليبيين، ودعم بلاده الحكومة الشرعية المتمثلة في حكومة الوفاق"، مشدداً على أنه "لا وجود لحل عسكري للأزمة الليبية"، وأن "المسار السياسي هو المسار الوحيد لبناء الدولة المدنية التي يتطلع إليها كل الليبيين".
واعتبر مراقبون للشأن الليبي أن دخول تركيا على خطّ الأزمة المتصاعدة في البلاد، سيفتح الباب أمام دول موالية لحكومة "الوفاق" تراخت عن تحديد موقفها حتى الآن، كما أن الدور التركي سيكون له تأثير جديد على مواقف دول كبرى، تميل لدعم حفتر، كروسيا.
وفي هذا الشأن، يؤكد المحلل السياسي الليبي، علي أبو زيد، أن الدعم التركي لحكومة "الوفاق" سيؤدي الى تغير كفة الميزان الدولي، والذي لا يبدو حتى الآن واضحاً، فهناك دول تبدو كأنها تدعم حفتر، وأخرى تعارض هجومه على طرابلس، معتبراً أن "الموقف التركي سيدفع بعدد من الدول إلى إعلان موقفها بشكل أوضح، وسيشجع دولاً رافضة هجوم حفتر، على إبراز صوتها، كإيطاليا المعارضة للوجود الفرنسي الداعم لحفتر".
من ناحية أخرى، يرى أبو زيد، في حديثه لــ"العربي الجديد" أن "تركيا أدركت بشكل واضح أن ترك الوضع الحالي في ليبيا لينفرد به المحور العربي الداعم للثورات المضادة، أي القاهرة والرياض وأبوظبي، يعني تمكينها من مشروعها الرامي إلى إجهاض مسار الثورات"، لافتاً الى أن دعم انقلاب حفتر العسكري "سيؤثر على دول جوار عربية تشهد تغييراً، يمكن أن يجهضه".
كما لفت المحلل الليبي الى أن تركيا عضو مهم في حلف "الناتو"، وهي "بالإضافة إلى علاقاتها الوطيدة بروسيا، يمكنها أن توثر على مواقف دول كبرى من أحداث طرابلس، ولا سيما أن موقف أنقرة جاء من الهرم، من خلال اتصال أدروغان، ما يعني رغبة تركية في تغيير موازين الأحداث الجارية في ليبيا".
وكانت تركيا من أوائل الدول التي أعلنت دعمها الاتفاق السياسي (الصخيرات) ولحكومة "الوفاق" المنبثقة عنه، كما استقبلت مسؤولي هذه الحكومة ضمن زيارات رسمية، آخرها زيارة أجراها السراج لأنقرة في نوفمبر الماضي، برفقة وفدٍ حكومي رفيع المستوى، ضم وزير الخارجية محمد سيالة، ومحافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير.
كما تبادلت طرابلس وأنقرة زيارات وفود ومسؤولين رفيعي المستوى، على رأسهم وزير الداخلية في حكومة "الوفاق"، فتحي باشاغا، في ديسمبر الماضي، ووزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في نوفمبر الماضي، والذين أجروا جميعهم مباحثات شملت ملفات عدة، بينها التعاون العسكري في بناء القدرات الدفاعية والأمنية الليبية، وتفعيل الاتفاقات المبرمة بين البلدين في هذا الشأن.
من جهتها، استشعرت الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، شرق البلاد، والموالية لحفتر، خطورة الإعلان التركي عن دعم حكومة "الوفاق" في مواجهتها الحالية لقوات حفتر. وطالبت "داخليتها" أنقرة بـ"التراجع" عن موقفها الداعم لحكومة الوفاق. ورغم تصريحاتها السابقة التي صدحت فيها بعدائها لتركيا، إلا أنها بيانها اليوم بدا وكأنه مغازلة لأنقرة، من خلال الإشارة إلى إمكانية "إعادة العلاقات" مع الحكومة التركية، و"تفعيل الاتفاقيات المشتركة بين ليبيا وتركيا".
وتأتي أهمية دخول داعمين لحكومة "الوفاق"، في وقت تعيش فيه جبهات القتال تقدماً كبيراً لمصلحة هذه الحكومة، مقابل انكسار قوات حفتر التي يبدو أنها بدأت تلجأ الى فتح جبهات جديدة لتعزيز مواقفها العسكرية، في وقت قالت فيه مصادر لـ"العربي الجديد"، إن حفتر يعد نفسه للقبول بوقف إطلاق النار، مقابل القبول بوجود قواته في مواقعها حول طرابلس.
ويبدو أن إجراءً جديداً ذهب اليه حفتر، سيؤزّم موقفه الخارجي، تزامناً مع خسارته الداخلية، وهو سعيه لاستغلال المنشآت النفطية لأغراض عسكرية وحربية.
واتهمت المؤسسة الوطنية للنفط، ليل السبت الماضي، قوات حفتر باستخدام المنشآت النفطية بمنطقة الهلال النفطي لـ"أغراض عسكرية وحربية"، مؤكدة أن مجموعة مسلحة تابعة لحفتر اقتحمت مهبطاً جوياً في ميناء السدرة، كما قامت بإرساء سفينة حربية في ميناء رأس الأنوف بالمنطقة، ما دفع رؤساء ثلاث شركات نفط موالين لحفتر، إلى إصدار بيانات متتالية خلال الساعات الماضية، أكدوا فيها "استمرار سير عملياتها بشكل طبيعي في الموانئ والحقول من دون أي تدخل من الجهات الأمنية أو العسكرية".
ويبدو أن حفتر بات يتخوف من نتائج قراره باستخدام منشآت النفط لأغراض عسكرية، وإمكانية أن يدخله ذلك في أزمة مع حلفائه، لذا فقد أعلن مكتبه الإعلامي بشكل عاجل اليوم، عن استقباله في مكتبه في قاعدة الرجمة، محمد بن شتوان، رئيس شركة الخليج النفطية، التي تشرف على عمليات التصدير في منطقة الهلال النفطي.
ونقل مكتب حفتر تأكيد بن شتوان "أهمية دور الجيش (قوات حفتر) في تحرير أحواض النفط في الهلال النفطي، وحوض مرزق وموانئ تصدير النفط"، مشيراً الى أن منطقة الهلال النفطي تعيش وضعاً مستقراً أمنياً.
وربما يخشى حفتر من أن يغير قراره الخاطئ باستخدام منشآت النفط لأغراض عسكرية وحربية، الموقف الأميركي الذي بات يميل لمصلحته.
وكان البيت الأبيض قد ذكر في 19 من شهر إبريل الحالي، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أشاد بدور حفتر في مسائل عدة، من بينها "تأمين موارد ليبيا النفطية".