أدى تعنت النظامين السوري والإيراني إلى فشل جديد لمباحثات أستانة، وسط خلافات حول اللجنة الدستورية السورية وسبل التعامل مع الوضع في محافظة إدلب، ما انعكس ميدانياً بشن الطيران الروسي غارات جوية على محافظتي إدلب وحماة، فيما اتفقت الدول الثلاث الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، على دعوة العراق ولبنان للمشاركة في مباحثات أستانة حول سورية كمراقبين.
واختتمت في العاصمة الكازاخية نور سلطان (أستانة سابقاً)، أمس الجمعة، الجولة 12 من المحادثات، بمشاركة الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران. وترأس الوفد الروسي المبعوث الخاص إلى سورية ألكسندر لافرينتييف، فيما ترأس الوفد الإيراني علي أصغر خاجي، والوفد التركي نائب وزير الخارجية سيدات أونال. كما شارك في الجولة المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، يرافقه وفد من الأمم المتحدة، إضافة إلى وفد المعارضة المسلحة برئاسة أحمد طعمة، ووفد النظام السوري برئاسة مندوب النظام لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري. كما حضر المحادثات وفد أردني بصفة مراقب.
وكشف لافرينتييف، في ختام المحادثات، عن فشل المشاركين في الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية السورية. وأكدت الدول الضامنة لمسار أستانة، في البيان الختامي، "ضرورة الالتزام بوحدة أراضي سورية وسيادتها، إضافة إلى مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة، ودانت اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل". وأكدت الدول الضامنة "رفضها أي محاولات لخلق حقائق جديدة على الأرض بذريعة مكافحة الإرهاب، وعبرت عن عزمها على التصدي لمخططات انفصالية تهدف لتقويض سيادة سورية ووحدة أراضيها والأمن القومي لدول الجوار". وأضاف البيان "اتفقت الدول الضامنة على مواصلة المشاورات حول شمال شرق سورية، مشيرة إلى أن ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة لن يتحقق إلا على أساس احترام سيادة البلد ووحدة أراضيه. وجددت عزمها الالتزام بتنفيذ اتفاق استقرار إدلب كاملاً، بما في ذلك تسيير الدوريات المنسقة والعمل النشط لمركز التنسيق الثلاثي. كما أكدت مواصلة التعاون من أجل دحر داعش والنصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية بشكل كامل".
وتابع البيان "أكدت الدول الضامنة أن النزاع السوري لا حل عسكرياً له، مجددة التزامها بدفع عملية سياسية يقودها ويجريها السوريون أنفسهم بدعم من الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254". وذكر البيان أن "الدول الضامنة أجرت مشاورات مفصلة في ما بينها، ومع المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون أيضاً بهدف تسريع إطلاق اللجنة الدستورية السورية، وقررت إجراء جولة جديدة للمشاورات في جنيف، مؤكدة استعدادها لتقديم الدعم الكامل لجهود بيدرسون". ودعا البيان "العراق ولبنان بصفتهما دولتين جارتين لسورية للانضمام إلى عملية أستانة"، مضيفاً أنه "تقرر إجراء الجولة التالية للمفاوضات بصيغة أستانة في العاصمة الكازاخية في يوليو/تموز المقبل". وأكد "ضرورة مواصلة العمل على تقديم المساعدة الإنسانية لجميع السوريين في كافة أراضي البلاد، ودعت المجتمع الدولي لزيادة دعم سورية في المجال الإنساني". وشدد البيان على "ضرورة تهيئة الظروف المناسبة لعودة آمنة وطوعية للاجئين السوريين وتقديم الدعم الدولي لهذه العملية".
وتناولت المباحثات بحسب لافرينتييف مسألة "مكافحة الإرهاب، والوضع في محافظة إدلب، إضافة الى تبادل الأسرى والمعتقلين وتوزيع المساعدات الإنسانية"، مؤكداً أن الضربات الجوية ستستمر ضد من وصفهم بالإرهابيين. واعتبر أن المباحثات "تسير على الطريق الصحيح، ولو بخطى بطيئة"، لكن المتحدث باسم وفد المعارضة المسلحة إلى محادثات أستانة أيمن العاسمي أكد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الجولة لم تحقق شيئاً يُذكر"، مشدداً على "ضرورة الحد من دور إيران لكي يمكن إحراز تقدم في أي ملف". ورأى أن "إيران تمارس سياسة الاستفزاز في سورية". وأكد أن "الخلاف ما زال قائماً حول الأسماء الستة المتبقية في اللجنة الدستورية، وحالما يتم التوافق (عليها) ستباشر اللجنة عملها في جنيف". وأوضح أن "بيدرسون يحمل رسالة واضحة بأن الأمم المتحدة لن تتنازل عن مطلبها في تحديد هذه الأسماء، وهذا أمر جيد". وكان رئيس وفد المعارضة إلى محادثات أستانة أحمد طعمة، قال إن "ملف اللجنة الدستورية هو الأهم في هذه الجولة". وأوضح، في تصريحات لوسائل إعلام روسية، أن "هناك موضوعين مهمين جداً بشأن اللجنة الدستورية، الأول يتعلق بالانتهاء من وضع الأسماء، حيث تم منذ الجولة الماضية الاتفاق على 144 اسماً، ولم يبق خلاف إلا على ستة أسماء، والنقطة الثانية حول القواعد الإجرائية، والمتعلقة برئاسة اللجنة، وكيفية اتخاذ القرار فيها، وتداول المواضيع، والتصويت وآلية العمل"، مشيراً إلى أن النقاش يتواصل حول هذه النقاط، لكن لم يتم التوصل إلى نتيجة.
من جهته، قال الناطق باسم هيئة التفاوض السورية المعارضة يحيي العريضي إن النظام السوري، ومن خلفه إيران، اعتمد سياسة المماطلة في هذه الجولة كما في الجولات السابقة، مشيراً إلى "عدم الموضوعية حتى في اختيار المواضيع المطروحة للنقاش، والتي تصدرها ما يسمى بمكافحة الإرهاب"، معتبراً أن "ذلك يعكس الخلل في بنية هذه المفاوضات والرضوخ للأجندة الروسية، في حين تغيب أو تتراجع القضايا الأكثر إلحاحاً بالنسبة للشارع السوري، وفي مقدمتها قضية المعتقلين وعملية الانتقال السياسي". ولفت إلى أن "ملف المعتقلين يطرح في كل جولة من جولات أستانة تقريباً، لكن النتائج هزيلة حتى الآن، رغم أن هذا الملف له أولوية كبرى لدى كل مواطن سوري". وقال "عملياً لا تدور مفاوضات في أستانة، بل هناك لقاءات ثنائية بين الروس والإيرانيين أو الأتراك ووفدي النظام والمعارضة، ثم يكون هناك اجتماع بروتوكولي في نهاية الأمر".
وانعكست الخلافات في أستانة على الأرض من خلال تكثيف الغارات الروسية على قرى وبلدات في ريفي حماة وإدلب، وذلك تزامناً مع تسيير دورية مراقبة تركية في محيط المنطقة المشمولة باتفاق "المنطقة منزوعة السلاح الثقيل" شمال غربي سورية. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن الطيران الحربي الروسي شن أربع غارات استهدفت قرى وبلدات تل هواش بريف حماة الشمالي والشيخ إدريس في ريف حماة الشمالي الغربي، والموزة في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، أسفرت عن مقتل وإصابة 10 مدنيين بينهم أطفال. وقالت مصادر محلية إن طائرات حربية روسية نفذت أربع غارات جوية على قرية تل هواش شمال مدينة حماة والطرقات المؤدية لها، ما أدى لمقتل ثلاثة مدنيين وإصابة ثمانية بعضهم بحالة خطرة. كما قصفت قوات النظام السوري بالمدفعية والصواريخ قريتي لحايا والبويضة بريف حماة الشمالي.
من جانب آخر، هاجمت مجموعة مقاتلين من غرفة "وحرّض المؤمنين" نقطة لقوّات النظام على محور حاجز المشاريع المتاخم لقرية جورين غرب حماة. وقالت "المعرفات الرسمية للغرفة" إنهم "تمكنوا من قتل أكثر من عشرة عناصر من قوّات النظام. كما قُتل أحد عناصر المجموعة المهاجمة". وأشارت "الغرفة"، في بيان منفصل، إلى قيام مقاتليها باستهداف القاعدة الجوية الروسية في قاعدة حميميم، بصواريخ من نوع "غراد"، مؤكدة تحقيق إصابات مباشرة. وتشكلت غرفة عمليات "وحرض المؤمنين"، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وكانت أعلنت رفضها لاتفاق سوتشي الموقع بين تركيا وروسيا، في سبتمبر/أيلول الماضي، بخصوص إنشاء منطقة منزوعة السلاح. وتضم الغرفة العسكرية "تنظيم حراس الدين"، و"أنصار التوحيد"، و"جبهة أنصار الدين"، و"جبهة أنصار الإسلام".