المعتقلون الفلسطينيون في العراق... حكاية لا يريد أحد سردها

27 ابريل 2019
أكثر من نصف المسجونين الفلسطينيين اعتقلتهم القوات الأميركية(فرانس برس)
+ الخط -
في ظلّ ظروف صعبة ومن دون الالتفات إليهم، لا يزال العشرات من الفلسطينيين يقبعون داخل السجون العراقية، والذين كانت اعتقلت أكثرَ من نصفهم القواتُ الأميركية عقب احتلالها البلاد عام 2003، وسلمتهم بدورها إلى الجانب العراقي قبيل انسحابها النهائي من بغداد عام 2011، علماً أنّ من بينهم من كانوا مراهقين عند اعتقالهم من قبل الأميركيين.

ويقول ذوو المعتقلين الفلسطينيين في العراق إنّ أبناءهم يقبعون في ظروف إنسانية سيئة داخل السجون في بغداد والناصرية والسليمانية، ولا تتوفر لهم أدنى شروط العدالة في مراجعة قضاياهم أو استئناف الأحكام الصادرة بحقهم، خصوصاً أنّه لم يتسنَّ لمعظمهم توكيل محامين، ولم تتوفّر شروط المحاكمة العادلة لهم، في وقت كان المحققون الأميركيون قد تعاملوا معهم بشكل غير إنساني في معتقل "أبو غريب" الشهير، وانتُزعت منهم اعترافات تحت التعذيب. ويتهم الأهالي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بغداد، بعدم التعاون معهم بخصوص ملفات أبنائهم المعتقلين، متسائلين عن عمل لجنة المحامين في المفوضية، إن لم تكن قادرة على متابعة ملف اللاجئين الفلسطينيين المعتقلين، لكن المفوضية تنفي هذه الاتهامات وتدافع عن نفسها بالقول إن مساءلة الحكومة العراقية عن أشخاص تمّت محاكمتهم وفقاً للقضاء ليست من صلاحيتها.

وبحسب مصادر حقوقية ومسؤولين عراقيين في بغداد، فإنّ قانون العفو العراقي الأخير الذي أقرّه البرلمان، لم يشمل المواطنين الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم على يد الجيش الأميركي أو القوات العراقية، وانتزعت منهم اعترافات تحت التعذيب، على الرغم من أنّه شمل مواطنين إيرانيين كانوا اعتقلوا بتهم الاتجار بالمخدرات أو السرقة.

وقال مسؤول عراقي في وزارة العدل، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "قانون العفو العام لا يشمل المعتقلين الفلسطينيين رغم أنّ ظروف اعتقالهم، سواء على يد الأميركيين أو على يد القوات العراقية، لا تختلف عن ظروف أي معتقل آخر تمّ سجنه في الفترة نفسها، وينطبق عليه القانون". ولفت إلى أنّ "هناك عشرات المعتقلين الفلسطينيين الذين مضى على اعتقال بعضهم أكثر من 14 عاماً، وكانت تمّت محاكمتهم والتحقيق معهم بظروف سيئة وتحت التعذيب، وكان الأميركيون غير عادلين في التعامل معهم". وأكد أنّ "الوزارة لا يمكنها التعامل مع طلبات إعادة المحاكمات، كون ذلك من اختصاص مجلس القضاء الأعلى".

وأوضح المسؤول نفسه أنّ "أسراً فلسطينية ذهبت إلى اللجنة القانونية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بغداد، والتي لديها عدد كبير من المحامين المحليين وغير المحليين من الجنسيات اللبنانية والمصرية والأردنية، وهم متخصصون كما هو مفترض في حلّ المشاكل القانونية للاجئين. لكنّ هؤلاء رفضوا التعامل مع ذوي المعتقلين بحجة أنّ القضية ليست من صلاحيتهم". وختم بالقول: "تحرّك المفوضية يجب أن يكون على اعتبار أنّ عائلات كثيرة لا تستطيع أن توكل محامين للدفاع عن أبنائها، فهي لا تمتلك أصلاً ثمن شراء ملابس جديدة لهم".

هذه الأوضاع الصعبة التي يعيشها المعتقلون الفلسطينيون في العراق، أكدتها موظفة عاملة في مقر المفوضية في منطقة زيونة، شرقي بغداد، طالبة عدم ذكر اسمها. ولفتت إلى عدم قدرة المفوضية على التدخّل إزاء هذا الملف تحديداً كونه قضائياً ولا يدخل ضمن صلاحية المفوضية. وقالت الموظفة، خلال اتصال هاتفي من بغداد مع "العربي الجديد"، إنه "لا يمكن اتهامنا بالتخلّي عن ملف المواطنين الفلسطينيين، وأي طلب يصلنا يحظى باهتمام مناسب، غير أنّ موضوع المعتقلين الذين يوجدون في السجون هو خارج نطاق عملنا، عدا عن كونه قضائياً"، مؤكدة في الوقت نفسه أنّ "الأمهات والزوجات الفلسطينيات يترددن باستمرار إلى مقر المفوضية بين فترة وأخرى، أملاً باستعطاف اللجنة القانونية للمفوضية حيال الموضوع".

لكنّ قيام المفوضية بجرد أسماء المعتقلين بين حين وآخر، وزيارة عدد من البيوت الفلسطينية في بغداد تحديداً، يدفعان السكان إلى استمرار الاستفسار والسؤال عن سبب ذلك والغاية منه، إن كانت فعلاً غير معنية بالدفاع عنهم أو غير قادرة على ذلك.

ولا يخضع الفلسطينيون الموجودون في العراق منذ عام 1948 لأيّ من منظمات الأمم المتحدة، كما هو الحال في الأردن وسورية ولبنان ومصر وغيرها من الدول التي استقبلت المواطنين الفلسطينيين عقب الاحتلال الصهيوني لدولة فلسطين. وأصرت السلطات العراقية آنذاك على اعتبارهم ضيوفاً لديها والتكفّل بكل مستلزماتهم، إلا أنه منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، دخل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في آلة الطحن الدموية التي شهدها هذا البلد.

وبدأت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مهامها في العراق عام 2005، بعد الاحتلال الأميركي بنحو عامين. وكان أولَ ما قامت به جردٌ لأعداد اللاجئين الفلسطينيين ومنحهم أرقاماً لملفاتهم التي أنشأتها عنهم، إذ أصبح لكل عائلة ملف في المفوضية، مع الاحتفاظ بجميع أوراق الفلسطينيين الثبوتية لديها كنوع من التوثيق. وقامت بعدها، بالتنسيق مع وزارة العمل العراقية، بتوفير سكن جماعي لمن نزح من عمليات العنف الطائفية التي نفذتها المليشيات ضدهم، إلا أن المجمع السكني كان داخل منطقة خاضعة بالكامل لسيطرة إحدى المليشيات شرقي بغداد. وفي عام 2008، جردت المفوضية الأسماء وفتحت ملفات اللاجئين وتم استخراج هويات جديدة  لهم تحمل اسم "هوية الفلسطينيين"، وذلك بالتنسيق مع وزارة الداخلية العراقية. وبذلك، باتت المفوضية السامية هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن ملف فلسطينيي العراق.

وبرأي عضو التيار المدني في بغداد، سلام جمعة، في حديث مع "العربي الجديد"، فإنّ "شعارات وخطب الساسة العراقيين لا تتوافق مع ما يعيشه الفلسطيني اليوم في العراق، وهو أمر بات معيباً ومخجلاً لنا كعراقيين"، مؤكداً أنّ "عمليات التحقيق في الاختفاء القسري يجب أن تشمل الفلسطينيين الذين خطفتهم المليشيات، ويجب أن يشمل التحقيق أيضاً فلسطينيين ظهروا على التلفزيون الحكومي (قناة العراقية) على أنهم إرهابيون يدلون باعترافاتهم، ومن ثمّ اختفوا ولا يعلم أحد مصيرهم، فيما تنكر الشرطة والجيش وجودهم أصلاً".

وتساءل جمعة: "هل يعقل أن ترفض المفوضية البحث عن لاجئ عمره 65 عاماً خوفاً من تبعات ذلك؟"، موضحاً أنّ "هناك فلسطينياً يبلغ من العمر 65 عاماً أصيب بتفجير سجن الأحداث في منطقة الطوبجي في بغداد، حيث يسكن، قبل أربع سنوات، ليتم نقله مع الجرحى إلى المستشفى لتلقي العلاج، ولكن بعد معرفة أنه فلسطيني اختفى من المستشفى وعلمنا أنه اعتقل، وإلى الآن لا يعرف مكانه أحد".

وأكّد جمعة أنه "في فترة من الفترات كان أي ضابط أو مسؤول أمني يكلّف بمهمة التحقيق في اعتداء إرهابي ويفشل فيه أو يرغب في ترقية، يقوم بإجبار معتقلين فلسطينيين على الاعتراف بالجريمة تحت التعذيب. وأحياناً يتم جلبهم من الشارع، وهذا الأمر ليس جديداً ويعرفه كل العراقيين الذين عايشوا فترة فورة العنف بين 2005 و2008. فهؤلاء ما زالوا قابعين في السجون ويجب أن يصلح حالهم من مبدأ أخلاقي وإنساني قبل كل شيء".

أمام هذا الواقع، يأمل الكثير من الفلسطينيين في العراق الخروج إلى بلدان أخرى. وفي الفترة الأخيرة، وصل ما يزيد عن 75 عائلة فلسطينية إلى بريطانيا بعد موافقة الأخيرة على إعادة توطينهم. وكان من شأن هذه الخطوة إحياء الأمل من جديد في نفوس اللاجئين الفلسطينيين في العراق، خصوصاً بعد إصدار المفوضية أسماء عائلات أخرى ضمن جدول إعادة التوطين. وقامت تلك العائلات ببيع أثاث منازلها والتهيؤ للسفر، إلا أنّه ومنذ أكثر من عام كامل لا ردّ من المفوضية عليهم بهذا الشأن.

الفلسطيني أبو ياسر، (69 عاماً) ويسكن في غرفة مع زوجته وستة من أبنائه وكلهم غير متزوجين رغم تقدّم العمر بهم، قال لـ"العربي الجديد"، إنّه يسأل عن سابعهم ويشعر بأنّ هذه الغرفة فارغة من دونه رغم أنهم ثمانية داخلها. وروى أبو ياسر، وهو اسم مستعار، أن "في يوم جمعة من شهر فبراير/شباط 2004، توجه ابنه لدفع فاتورة مولد الكهرباء. ولكن الأميركيين اعتقلوه من الشارع، وحتى الآن يقبع في السجن". وشدد على أن ابنه "لم يفعل شيئاً حتى أنه عمره ما أذى دجاجة"، موضحاً أنه "خلال التحقيق معه، وجدوا على ذراعه وشماً يمجّد المقاومين في فلسطين، وهو ما أثار المحققين الأميركيين واتهموه بالإرهاب". وحول طلبات اللجوء قال: "أنا وأمه سنبقى ننتظره في العراق إلى أن يخرج، ولا نعرف متى يتحقق ذلك. لكن بالنسبة إلى أولادي، فمن حقنا أن نسأل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ماذا يحدث مع اللاجئين الفلسطينيين في العراق؟ وأين وعود إعادة التوطين؟".

المساهمون