إعدامات السعودية تتجاهل الانتقادات الدولية: بن سلمان يعزز سطوته

27 ابريل 2019
نفّذ بن سلمان الإعدامات رغم الانتقادات (Getty)
+ الخط -

"لم يعد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يهتم بالرأي العام العالمي، وبات شغله الشاغل هو تأكيد سطوته الأمنية وهيبة دولته، مثلما يسميها، وهي مرحلة متقدّمة من إنكار الواقع، كما حدث مع صدام حسين وبشار الأسد وبقية الديكتاتوريين العرب". بهذه الكلمات علّق معارض سعودي مقيم في الولايات المتحدة، فضّل عدم الكشف عن اسمه خوفاً على عائلته، في حديث لـ"العربي الجديد"، على حملة الإعدامات الجديدة التي نفذتها السلطات السعودية قبل أيام، وطاولت 37 سعودياً بتهمة الإرهاب وتم صلب بعضهم، وتأتي في سياق نهج تعتمده هذه السلطات التي سبق أن أعدمت 47 متهماً قبل ثلاثة أعوام، ومن بينهم رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر وعدد من مفكري تنظيم "القاعدة".

وشملت الإعدامات الجديدة 33 متهماً بالإرهاب من الطائفة الشيعية في البلاد، و4 متهمين بالانتماء لتنظيم "القاعدة"، في وقت تُتهم فيه السلطات السعودية بانتهاك مواثيق حقوق الإنسان وتعذيب مئات المحتجزين في سجون البلاد السرية والعلنية على خلفية حملات الاعتقال التي شنّها بن سلمان ضد خصومه من رجال الأسرة الحاكمة ورجال الأعمال ورجال الدين والنشطاء الحقوقيين والناشطات النسويات وغيرهم.

ويتخوّف السعوديون من أن تكون حملة الإعدامات هذه مقدمة لإعدامات جديدة قد تطاول المنتمين لتيار "الصحوة" الديني، أحد أكبر التيارات الدينية في البلاد، والتي وعد بن سلمان السعوديين بسحقها. وكان يُتوقع أن تقوم السلطات السعودية بإعدام الداعية الإسلامي سلمان العودة بعد توجيه تهم له بالتآمر ضد نظام الحكم، ومطالبة النيابة العامة بإعدامه، لكن جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول التركية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما تبعها من ردود فعل، أديا لتأجيل هذه الخطوة.

وتحاول السلطات السعودية إضفاء شرعية على عمليات الإعدام عبر دمج المتهمين بالإرهاب من الأقلية الشيعية مع المتهمين بالإرهاب من الأكثرية السنّية وعدم ترك مجال أمام المنتقدين لسجلها السيئ في حقوق الإنسان.

ونُفذت الإعدامات بطريقة وحشية، وتم توزيعها على مناطق متفرقة في البلاد، من بينها العاصمة الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية، حيث تقطن الأقلية الشيعية في البلاد وتعاني من تضييق سياسي واقتصادي. وبحسب القوانين السعودية، فإن الإعدام يتم عبر قطع الرأس، لكن السلطات أضافت عقوبة الصلب على بعض المتهمين بسبب "شناعة جرائمهم"، حسبما تقول.



وشملت الإعدامات أشخاصاً تم انتزاع الاعترافات منهم تحت التعذيب، كما أثبتت محاضر التحقيقات التي سرّبت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان جزءاً منها على حسابها في موقع "تويتر". وكشفت عن تعرض عدد من المعدمين، ومنهم رجل الدين الشيعي الشيخ محمد عطية، للتعذيب والضرب لإجباره على توقيع الاعترافات، كما تعرض أحد المعدمين، وهو منير آل آدم، للضرب، ما أدى لإفقاده السمع في أذنه.

وشملت قائمة المعدمين ستة أشخاص كانوا تحت السنّ القانونية عند القبض عليهم، أبرزهم مجتبى السويكت، وهو شاب من مدينة القطيف اعتقلته السلطات السعودية في المطار قبل مغادرته البلاد للدراسة في الولايات المتحدة، وكان يبلغ من العمر 17 عاماً عند اعتقاله. واتُهم السويكت بالتظاهر والتخريب ومحاولة اغتيال رجال الأمن في مدينة القطيف التي تعد معقل الشيعة في شرق البلاد.

كما أعدمت السلطات أيضاً عبد الله آل سريح، وهو شاب لم يكن قد تجاوز الـ17 من عمره عند اعتقاله، واتُهم باغتيال رجل أمن والتظاهر والتخريب، لكن محاميه يقولون إن اعترافاته انتُزعت تحت التعذيب والضرب. وشملت قائمة المعدمين أيضاً القصّر: عبد الكريم الحواج، وسعيد السكافي، وسلمان آل قريش، وعبد العزيز آل سهوي.

ويأتي تنفيذ هذه الإعدامات على الرغم من الانتقادات العالمية والأعين المسلّطة على بن سلمان بعد حملات القمع والتعذيب التي مارسها بحق معارضيه في محاولة منه لتوجيه رسائل للداخل السعودي توحي بقوة الدولة وسطوتها ووجود "يد عدالة تطاول الجميع"، كما روجّت وسائل الإعلام الموالية له.

ولاقت حملة الإعدامات إدانات من منظمات دولية متعددة. ودانت رئيسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ميشيل باشليه، هذه الإعدامات، معربة في بيان، عن قلقها بشأن "عدم اتباع الإجراءات المناسبة وغياب الضمانات المنصفة في المحاكمات، والمزاعم بأنه تم الحصول على الاعترافات عن طريق التعذيب". وأضافت أنه "من المقيت جداً أن ثلاثة على الأقل من الذين أعدموا كانوا قاصرين وقت صدور الحكم بحقهم".

من جهتها، أفادت منظمة العفو الدولية بأن الذين أعدموا أدينوا بعد "محاكمات صُورية". وأضافت أن أحدهم، ويدعى عبد الكريم الحواج، اعتُقل عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وهو ما يجعل إعدامه "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي". وذكرت المنظمة أن المملكة كثّفت عمليات الإعدام في 2019 وتم إعدام ما لا يقل عن 104 أشخاص منذ بداية العام، مقارنة مع 149 في عام 2018 بأكمله. وقالت مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو، لين معلوف، إن الإعدامات الجماعية "تعد دليلاً مخيفاً على ازدراء السلطات السعودية الصارخ للحياة البشرية. وأن ذلك مؤشر آخر مروع على كيفية استخدام عقوبة الإعدام كأداة سياسية لسحق المعارضة من داخل الأقلية الشيعية في البلاد". أما نائب مدير قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" مايكل بيج، فقال إن "الإعدامات الجماعية ليست من شيم الحكومات الإصلاحية، بل تميّز الحكومات الاستبدادية الخاضعة لأهواء حكامها".

وكان العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز قد أوحى باستجابة المملكة للضغوط العالمية حول التعذيب في السجون السعودية، فأمر بتشكيل لجنة استقصائية من مستشاريه الخاصين لبحث ملف التعذيب، والتي توصلت إلى وجود حالات تعذيب وطالبت بتحسين الأوضاع داخل السجون. وأفرجت السلطات السعودية عن ثلاث ناشطات نسويات ووعدت بالإفراج عن البقية، لكن بن سلمان أعاد تفعيل حملاته القمعية عبر اعتقال عدد كبير من الناشطين مرة أخرى، وتنفيذ عمليات الإعدام من جديد.