فرنسا: صدامات عنيفة واعتقالات في جولة جديدة من احتجاجات "السترات الصفراء"

20 ابريل 2019
تظاهر الآلاف في باريس وحدها (Getty)
+ الخط -

أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية عن خروج 27 ألفاً و900 متظاهر في الأسبوع الثالث والعشرين من حراك "السترات الصفراء" في عموم فرنسا، 9 آلاف منهم في العاصمة، باريس، وهو ما يكشف عن عودة الزخم إلى العاصمة، مع مشاركة قيادات الحراك فيها. فيما أعلن موقع "عدد أصفر"، التابع لـ"السترات الصفراء"، عن خروج 101 ألف و125 متظاهراً في عموم فرنسا، هذا اليوم. 

وكما توقّع وزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستانير، ومساعدوه الأمنيون، شهدت تظاهرة باريس صدامات بين متظاهرين، بعضهم مقنّعون، رغم أن القانون الجديد يحظر ذلك، وبين قوى الأمن، خاصة المتحركة، التي استخدمت بشكل واسع القنابل المسيلة للدموع، وقنابل "إل بي دي". ويشكو المتظاهرون ومنظمات طبية حقوقية من الإصابات التي ساهمت فيها القنابل، إن على مستوى فقء العيون أو بتر الأعضاء. 

وتحولت جادة جيل فيري، غير بعيد عن ساحة الجمهورية، إلى ساحة سوداء في وضح النهار، بسبب الحرائق التي أتت على الإطارات المطاطية وأكياس القمامة وبعض الدراجات النارية وشاحنة صغيرة وبعض السيارات، وتحطيم بعض واجهات المتاجر. وكانت الصدامات قد بدأت قرب ساحة الباستيل، ثم بولفار ريشار لونوار.
وأسفرت أعمال الشغب عن تحطيم كثير من واجهات المتاجر ونهبها وعن إحراق دراجات نارية وسيارات وقلب أخرى وأيضا عن حرق إطارات مطاطية. وعن كثير من الجرحى، أحصت قوى الأمن 14 فردا من أعضائها، إصابة أحدهم خطيرة، وهي عبارة عن كسر في اليد.

وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الأمنية، وعلى أعلى المستويات، كانت على علم بخطورة التظاهر، اليوم، وهو ما حذّر منه، أمس، كريستوف كاستانير، وزير الداخلية، حين تحدث عن مثيري شغب متسللين داخل التظاهرة. وهو ما دفع قوى الأمن للقيام بنحو 18 ألف عملية تفتيش استباقي، بحثاً عن أسلحة محرمة، قد تستخدم ضد الشرطة، وتم إيقاف 189 شخصاً، وضع 122 منهم قيد الاعتقال الاحتياطي.

وقد أدّى تشدد قوى الأمن، وفق العقيدة الجديدة لقانون مكافحة الشغب، إلى سوء معاملة كثير من الصحافيين رغم شاراتهم وقبعاتهم، وإلى وضع القيود في أيدي بعضهم، ومنهم صحافي في لوفيغارو، غاسبار غلانز، وآخرون مستقلون، كأليكسي كرالاند، الذي تم إيقافه في محطة "غار دو نور" (محطة الشمال).

من جهتها، انتقدت وكالة لين-بريس استهداف قوى الأمن للعديد من المصورين والتقنيين، الذين يسهل التعرف إليهم، وأكد أحد العاملين مع الوكالة، الصحافي كليمون لانو، في تغريدة له في تويتر أنه تم استهدافه بمقذوف "إل بي دي"، رغم أنه كشف عن شارته الصحافية وبطاقته وآلة تصويره. فيما تعرض صحافي آخَر لمقذوف "فلاش بول" في يده اليسرى.

وضد تجاوزات قوى الأمن ضد الصحافيين، أصدرت النقابة الأولى للصحافيين (SNJ) بياناً جاء فيه: "ما الذي يبرر إيقاف مراسلين، إن لم يكن منعهم عن العمل؟ لا تنتهك، السيد كاستانير، دولة القانون. احترمي، يا ولاية الأمن، حرية الإعلام".

وكان المتظاهرون قد تقدموا بأربعة طلبات للتظاهر، لم تقبل ولاية الأمن سوى طلبين اثنين، مع تحديد مساراتهما والتحكم فيهما، وهو ما يرفضه العديد من المتظاهرين، خاصة العناصر المتشددة بينهم، وهو ما تسبب في صدامات مع قوى الأمن.

وأعاد آلاف عدة من المتظاهرين في باريس، تتقدمهم وجوه الحراك المعروفة، شعارات الأيام الأولى من الحراك. وذكروا في شعارات أخرى ما يُفهم منها أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تَجَاهَلَ مطالبهم في خطابه الذي كان سيلقيه يوم الإثنين الماضي، وتأجل بسبب حريق كاتدرائية نوتردام، لكنه تسرّب إلى وسائل الإعلام، ما اعتبره كثيرون من ممثلي السترات الصفراء، إجراءات ترقيعية، وبعيدة عن الاستجابة لمطالبها وشعاراتها.
ولم تغب قضية نوتردام عن بال المتظاهرين، الذين كانوا يرغبون في انطلاق إحدى تظاهراتهم من قرب ساحة الكاتدرائية، وهو ما رفضه الأمن، معتبرا ذلك "استفزازا". وأشهر المتظاهرون إعلانات يقرأ فيها: "نوتردام، ليس نحن"، وأيضا: "أخرجوا صكوكهم، مثلما فعلتم بالنسبة لنوتردام"، وهي رسالة إلى الأثرياء الذين استفادوا من إلغاء الضريبة على الدخل، التي يصر ماكرون على عدم التراجع عن إلغائها، رغم أن إلغاءها مطلب "السترات الصفراء"، وهو أيضا مطلبٌ شعبي. ويعيب المتظاهرون على هؤلاء الأثرياء سرعة التفاتتهم تجاه نوتردام، في حين أنهم لا يفعلون كبير شيء من أجل الفقراء.
وتابع ماكرون، الذي سيعلن عن إجراءاته للخروج من "أزمة السترات الصفراء"، يوم الخميس المقبل، من قصر الإيليزيه، مجريات التظاهرات في باريس وباقي المدن، والتي تطلبت تعبئة 60 ألف شرطي ودركي.
وعلى الرغم من أن الأنظار تركّز على تظاهرة باريس الكبرى، بسبب دخول القانون الجديد لمكافحة الشغب، حيز التنفيذ، وأيضاً بسبب بعض الأمل في حدوث "هدنة"، بسبب حريق كاتدرائية نوتردام، إلا أن الهدنة لم تحدث، وهو ما تؤكده أرقام تفتيش المتظاهرين، وأعداد الموقوفين، التي لا تتوقف عن الازدياد بشكل كبير، وفي وقت مبكر، أي قبل بدء إخلاء المتظاهرين من الساحات، بساعتين.

ومن جهة أخرى، عبّر المتظاهرون من بداية التظاهرات عن استهجانهم من قوى الأمن وتصرفاتها، وصفروا ضدها، وصدحوا بشعارات مسيئة إليها، ومن بينها "انتحروا.. انتحروا.. انتحروا"، في إشارة إلى الواقع الصعب الذي يعيشه أفراد الشرطة، من الإنهاك والكآبة، خاصة بعد 23 أسبوعاً من العمل المتواصل، المحفوف بالمخاطر، والذي تسبب في انتحار 29 منهم، منذ بداية السنة. وهو ما أثار غضب وزير الداخلية، كريستوف كاستانير، الذي جدّد "دعمه الكلي لقوى الأمن ولعائلاتها".  ​


ولم تقتصر التظاهرات على باريس، إذ إن مدن بوردو وليون ومونبولييه وليل، وخاصة تولوز، وكثير من البلدات، عرفت تظاهرات مهمة تخللها توتر وصدامات، كما في تولوز، المدينة التي عرفت أكبر حجم من تظاهرات "السترات الصفراء"، منذ بداية الحراك.