تدلّ العديد من المؤشرات على أن الهدف الرئيسي من طرح الخطة التي أعدتها الإدارة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة بـ"صفقة القرن"، والتي يرجح أن تعلن قريباً، هو تمكين حكومة اليمين المتطرف التي سيشكلها بنيامين نتنياهو، من ضمّ التجمعات الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية، ومنح الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسوغ لإصدار اعتراف بهذا الضم، على غرار الخطوة التي أقدم عليها بشأن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. وهناك ما يوحي بوجود تنسيق مسبق بين نتنياهو وإدارة ترامب، يهدف إلى توظيف الرفض الفلسطيني المتوقع للخطة الأميركية، لتبرير إقدام ترامب على الاعتراف بضمّ التجمعات الاستيطانية لإسرائيل، كما تعهد نتنياهو في حملته الانتخابية.
فإدارة ترامب لم تصمت فقط على تعهد نتنياهو بالضمّ، الذي يمثل حسماً لمصير الأراضي الفلسطينية المحتلة خارج إطار التفاوض، بل إنها قدمت تلميحات بشأن إمكانية اعترافها بضمّ جزء من هذه الأراضي، على الأقل.
فخلال الإفادة التي قدمها قبل أربعة أيام أمام لجنة الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، لم يتجنب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو فقط اتخاذ موقف نقدي إزاء تعهد نتنياهو ردّاً على استفسار قدمه أحد النواب بشأن موقف الإدارة من خطوة الأخير، بل إنه أكد أن إدارة ترامب تعكف حالياً على بلورة رؤية شاملة بشأن التعامل مع الضفة الغربية، وهو ما فُسّر من قبل بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، بأنه تمهيد لاعتراف واشنطن بقرار الضمّ المرتقب.
وقد دافعت إدارة ترامب عن "حق" إسرائيل في الاحتفاظ بمناطق في الضفة الغربية، إذ سبق أن أوضح السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، خلال كلمته أمام مؤتمر منظمة "أيباك" الذي عقد مؤخرا، أن ترامب يتفهم المسوغات التي تدعو إسرائيل للبقاء في الضفة الغربية.
إلى جانب ذلك، لا يمكن تجاهل القراءة الإسرائيلية الرسمية لقرار ترامب الاعتراف بالسيادة على الجولان المحتل. فبحسب مصدر سياسي إسرائيلي رافق نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن، فإن تل أبيب ترى في قرار ترامب بشأن الجولان سابقةً تمنح إسرائيل الحق في الاحتفاظ بأراض محتلة.
وإذا كانت التسريبات الأخيرة المتعلقة بالبنود التي تشكل الخطة الأميركية صحيحة، فإنه يمكن الافتراض بأن إدارة ترامب تعي أن فرص تطبيق هذه الخطة تكاد تكون معدومة، على اعتبار أنه ليس بوسع الدول العربية التعاون معها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في هذه الدول.
في الوقت ذاته، سيكون من الصعوبة بمكان أن تبرر أيّ دولة عربية التعاون مع خطة ترامب، في ظل الإجماع الفلسطيني على رفضها، وفي أعقاب اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل وقراره نقل السفارة الأميركية إليها والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
من ناحية ثانية، فإن أولويات ترامب تلعب دوراً رئيسياً في تحديد اتجاه تعاطيه مع "صفقة القرن". فالرئيس الأميركي، الذي يعد العدة لخوض غمار التنافس في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020، معني بالحفاظ على دعم التيار المسيحي الإنجيلي، الذي يمثل النواة الصلبة من مؤيديه، عبر الإقدام على خطوات تعكس التماهي مع حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب.
وعبّر عددٌ من رموز التيار الإنجيلي عن حماستهم لضمّ الضفة الغربية لإسرائيل، كما أوضح ذلك المبشر مايك هكابي، المقرب من ترامب، خلال جولته الأخيرة في عدد من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
وقد عمد ترامب خلال فترة رئاسته الحالية إلى تبرير العديد من الخطوات السياسية والدبلوماسية التي أقدم عليها بأنها تخدم مصالح تل أبيب، كما برر عدم اتخاذه خطوات عقابية ضد نظام الحكم السعودي في أعقاب قتل الصحافي جمال خاشقجي، إذ أشار إلى أنه لولا هذا النظام "لوقعت إسرائيل في ورطة".
وتكمن المفارقة في أن الاستعداد الأميركي للاعتراف بضمّ التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، يسهم في تأجيج شهية أحزاب وحركات اليمين الديني، التي ستشارك في حكومة نتنياهو.
فنائب رئيس الكنيست بتسلال سمورطيتش، القيادي في حزب "البيت اليهودي"، والذي من المتوقع أن يحصل على موقع مهم في الحكومة المقبلة، يشدد على أن حزبه يشترط التزام أي حكومة ستتشكل بضمّ الضفة الغربية بالكامل لإسرائيل. وفي حزب "الليكود"، الذي يقوده نتنياهو، يطالب عدد من النواب بضم منطقة "ج"، التي تشكل أكثر من 60 في المائة من الضفة الغربية لإسرائيل.
ولا تكتفي قوى اليمين في تل أبيب بالمطالبة بضمّ الأرض الفلسطينية في الضفة، بل إنها ترى في الإسناد الأميركي غير المسبوق، مناسبة لـ"التهويد الديموغرافي". فدانييلا فايس، القيادية في مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، ترى أنه يتوجب استغلال استعداد ترامب للاعتراف بالضمّ، في إحداث تحول بالواقع الديموغرافي للضفة الغربية، من خلال رفع عدد المستوطنين اليهود هناك إلى مليونين.