أشعلت الضغوط النيابية المتواصلة على الحكومة الكويتية لإيجاد حلٍّ لقضية البدون، أزمةً بين أطراف السلطة التنفيذية، بسبب اختلاف وجهات النظر حولها، في ظلّ ممارسات الجهة الحكومية الرسمية المكلفة بتولي ملف البدون، وهي "الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية"، والذي يرأسه تنفيذياً البرلماني السابق صالح الفضالة.
وتفجرت الخلافات بين الرئيس التنفيذي للجهاز، وبين وزير الداخلية الذي يحتل في الوقت ذاته منصب رئيس مجلس إدارة الجهاز المركزي، خالد الجراح، بعد اجتماعٍ عاصف للجنة حقوق الإنسان في البرلمان، حضره مجموعة من النواب الذين يواصلون الضغط على الحكومة لإيجاد حلٍّ للقضية.
وكانت اللجنة قد استدعت الرئيس التنفيذي للجهاز ووزير الداخلية، مطالبة إياهما بتقديم أسباب وتعليلات للتضييقات المستمرة من الجهاز على البدون، والتي وصلت إلى منع هؤلاء من استصدار بطاقات أمنية (بطاقات هوية) إلا بعد الموافقة على الاعتراف بانتمائهم لجنسيات بلدان مجاورة، وهو ما يرفض البدون الاعتراف به، ما أدى إلى توقف معاملاتهم وطرد الكثير منهم من الوظائف بسبب عدم امتلاكهم لهذه البطاقة، وهو ما يعرف بقضية "الجنسيات الملفقة".
وألقى النواب الكويتيون، ووزير الداخلية، خلال الاجتماع، باللائمة، على الرئيس التنفيذي للجهاز وسياساته ضد البدون. لكن الفضالة قام بالصراخ بالنواب والوزير، وقال لهم إنه سعمد إلى التصعيد إذا استمروا هم به، وسيستفز إذا استمروا بالاستفزاز، قبل أن ينسحب وزير الداخلية من الجلسة مهدداً بالاستقالة من منصبه كرئيس لمجلس إدارة الجهاز.
وتحاصر الضغوط وزير الداخلية بعد إعلان النائب محمد هايف المطيري تقديم استجواب له يتألف من محورٍ واحد، وهو قضية البدون وممارسات الجهاز المركزي الذي يترأس الوزير مجلس إدارته وفق قانون تأسيسه، ما يجعله عرضة للمساءلة في البرلمان.
لكن الوزير، في الوقت ذاته، لا يستطيع الضغط على الرئيس التنفيذي للجهاز، ولا يملك صلاحية إقالته أو التحكم بشكل كامل في الجهاز، ما يجعله مسانداً للنواب في هجومهم على الرئيس التنفيذي الذي يحمل حصانة موظف حكومي بعكس الوزراء، وهو ما أدى إلى تعقيد المشهد السياسي بين الأطراف الحكومية، ورمي كل طرف بالمسؤولية على الآخر.
وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، عادل الدمخي، في مقابلة بثت على قناة "أي تي في" الكويتية، إنه غير مخول بتسريب تفاصيل الاجتماع العاصف الذي دار في اللجنة، والخلاف بين وزير الداخلية والرئيس التنفيذي للجهاز، لكنه يستطيع القول إن الأول قد انسحب غاضباً، وإن الحكومة والبرلمان توصلا إلى قناعة بأن الجهاز المركزي يدور في حلقة مفرغة ويواصل ظلم البدون، وأن الاستجواب الذي سيقدمه النائب محمد هايف هو استجواب مستحق.
وفي سياق متصل، قدم النائب عسكر العنزي مشروع قانون الحقوق الإنسانية للبدون، يشمل الإقامة الدائمة بشكل نظامي، وحق التعليم والعلاج المجانيين، بالإضافة إلى حق اللجوء للقضاء وحق التملك.
وسيصوت البرلمان في الجلسات المقبلة على القانون، فيما قال النائب محمد هايف خلال مؤتمر صحافي داخل البرلمان إنه سيربط تمرير قانون الحقوق الأساسية للبدون بالاستجواب، فإذا تم التصويت على القانون بالمداولة الأولى، فإنه سيسحب الاستجواب، وذلك في محاولة منه لإجبار الحكومة على إلقاء ثقلها وتأييد القانون.
ورغم قيام الحكومة الكويتية بمنح الجنسية في ما بعدها للآلاف من هذه القبائل، وإدخال البقية من البدون في سلك الجيش والشرطة، ومشاركتهم في الحروب العربية التي شاركت فيها الكويت بالإضافة إلى حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي عام 1991، وبقائهم على رأس عملهم في الجيش حتى الآن، فإن هذه القضية لا تزال عصية على الحل، بسبب رفض الطبقة التجارية في الكويت منحهم الجنسية لاعتبارات انتخابية.