العراقيون في سورية: ضحايا حروب أميركا و"داعش"

13 ابريل 2019
العراقيون دفعوا أثماناً باهظة في الحرب(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
مع إعلان "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التوصل إلى اتفاق مع العراق لإعادة نحو 31 ألف عراقي من مخيمات شمال شرقي سورية، إلى بلدهم، تبقى العديد من القضايا عالقة بين الجانبين، وفي مقدمتها مصير مقاتلي تنظيم "داعش" العراقيين، إضافة إلى مسألة فتح الحدود السورية العراقية، وهي قضية تتداخل فيها أطراف واعتبارات عدة. في سياق ملف النازحين، قال المسؤول عن مخيمات النازحين في شمال شرقي سورية محمود كرو، لوكالة "فرانس برس"، إن "وفداً حكومياً عراقياً زار (الإدارة الذاتية) لبحث عودة اللاجئين العراقيين إلى بلدهم، ويُقدّر عددهم بنحو 31 ألفاً، وتم الاتفاق على عودتهم"، موضحاً أنه "تمّ حتى الآن تسجيل أسماء أربعة آلاف شخص من أجل العودة، بانتظار أن تفتح الحكومة العراقية الحدود للبدء بتسيير الرحلات إلى العراق". وكشف مسؤول عراقي أنّ "غالبية النازحين هم من النساء والأطفال ومتحدرين من محافظتي نينوى وصلاح الدين". ولا يشمل هذا العدد المقاتلين العراقيين في صفوف تنظيم "داعش" الذين اعتقلتهم "قسد" خلال المعارك الأخيرة مع التنظيم في شرقي سورية.


وتضمّ المخيمات التي يديرها الأكراد في شمال شرق سورية وأبرزها مخيم الهول، آلاف العائلات العراقية، التي خرجت من مناطق سيطرة التنظيم قبل إعلان القضاء على دولة "الخلافة" التي أعلنها "داعش" عام 2014، وبينهم عدد من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم. وتواجه الإدارة الذاتية وفق كرو، مشكلة عدم حيازة "الكثير من العراقيين على أوراق ثبوتية وهويات عراقية، عدا عن وجود أطفال ولدوا في سورية". وطالب كرو الحكومة العراقية بـ"العمل على إعادة جميع العراقيين، وألا يتم ذلك بشكل انتقائي"، مناشداً بغداد محاكمة المتهمين بالانضمام إلى "داعش" على الأراضي العراقية.

في بغداد، أكد علي عباس، أحد مسؤولي وزارة الهجرة والمهجرين، التي تتولى متابعة ملف النازحين العراقيين في سورية، "إنهاء جميع الاستعدادات لاستقبال العائلات في مخيم يتم تشييده حالياً قرب سنجار في شمال غربي العراق، ومن المتوقع أن يكتمل خلال شهرين". وتعتزم السلطات العراقية، وفق عباس، إخضاع العائلات "لتدقيق أمني" مع وجود "مؤشرات بأن قسماً منهم من عائلات داعش، وبالتالي لن يكون من السهل تركهم للاندماج في المجتمع لأن هناك التزامات قانونية ستفرض عليهم وعلى ذويهم". ولفت إلى أنهم "سيخضعون لبرنامج ثقافي وديني بعدما تعرضوا لغسل أدمغة، في عملية قد تتطلب سنوات، في حين يمكن لمن لا توجد أي شبهات أمنية حولهم العودة إلى مناطقهم، وحياتهم الطبيعية". وتكتظ مخيمات شمال شرق سورية بالنازحين غير السوريين وبينهم آلاف الأجانب من نساء وأطفال مقاتلي التنظيم. كما تضيق مراكز الاعتقال التابعة لـ"قسد" بمقاتلين أجانب تطالب الأخيرة بلدانهم باستعادتهم ومحاكمتهم على أراضيها.

وكانت السلطات العراقية أعلنت الشهر الماضي أنه تم خلال العامين الماضيين إعادة 16 ألف عراقي من المقيمين بمخيم الهول، وجرى نقلهم إلى العراق عبر قضاء سنجار في نينوى. وبالنسبة للعراقيين المنتسبين لـ"داعش" ممّن سلموا أنفسهم أو جرى اعتقالهم على يد "قسد" خلال الفترة الماضية، قالت مصادر عراقية إن "العراق تسلّم حتى الآن نحو 382 عنصراً عراقياً من داعش"، مشيرة إلى أنهم "يخضعون حالياً للتحقيق من قبل القوات الأمنية العراقية".



بدورها، أكدت مصادر عسكرية عراقية أنه "خلال العمليات العسكرية التي شنّها التحالف الدولي وقسد في الباغوز، فإن العديد من مقاتلي داعش تمكنوا من الفرار باتجاه الأراضي العراقية، واتخذوا من الكهوف والوديان في صحراء الأنبار ملاذات آمنة".

وعلى وقع تقدمها العسكري، أحصت "قسد" خروج نحو 70 ألف شخص من جيب "داعش" الأخير في الباغوز منذ مطلع العام الحالي، بينهم خمسة آلاف مقاتل تم توقيفهم. وبين الخارجين عدد كبير من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم، ضمنهم عدد من الأجانب، الذين تم نقلهم الى مخيمات لا سيما مخيم الهول.

وحسب صحيفة "غارديان" البريطانية، فإن "الولايات المتحدة تجري محادثات مع العراق لاستقبال المقاتلين المشتبه بانتمائهم للتنظيم مع عائلاتهم الموجودة في مخيمات الاعتقال شمالي سورية، إذ يسعى المسؤولون العراقيون للحصول على رسوم مالية تقدر بمليارات الدولارات لإتمام الصفقة". وأشارت إلى أن "العراق طلب رسمياً 10 مليارات دولار للبدء بالاتفاق، على أن يدفع له سنوياً مبلغ مليار دولار، وذلك وفقاً لمسؤولين غربيين تحدثوا للصحيفة".

وتأتي هذه المناقشات بعدما ضغطت الإدارة الأميركية بشكل مكثف على شركائها الدوليين لاستقبال مواطنيها المشتبه بانتمائهم إلى "داعش". ونقلت "غارديان" عن مسؤولين في واشنطن ولندن اعتقادهم بأن "طلب العراق لهذا المبلغ هدفه المراوغة لرفض المشاركة في عملية حساسة وخطيرة للغاية، خصوصاً أنه لا يزال يستعيد عافيته بعد الحرب التي أنهكته ضد التنظيم. كما وضع شروطاً أخرى، منها السماح له بتطبيق عقوبة الإعدام".
وبحسب ما كشف مسؤول مخابراتي للصحيفة، فإن "المحادثات مع العراق، والتي تهدف لترحيل كل أعضاء داعش من غير السوريين، بدأت أواخر العام الماضي، وكان الهدف منها إعادة المعتقلين العراقيين. وتوقفت المحادثات بسبب الخلاف حول مكان إيواء ما يصل إلى 35 ألف عراقي، من بينهم ألفا مقاتل تم احتجازهم خلال المعارك".

وقال مصدر قريب من الحكومة العراقية، إن "واشنطن كانت تضغط بقوة على بغداد للمساعدة في إيجاد حل لهذه الأزمة، بسبب التهديد المستمر من مراكز الاحتجاز التي تؤوي أعدادا هائلة، وبسبب الظروف الفوضوية التي تشكل تهديداً لمرحلة ما بعد الحرب". ونفى في الوقت نفسه طلب العراق رسوما مالية لإيواء المحتجزين.



وإضافة إلى اللاجئين العراقيين المرتبطين بالحرب على "داعش" سواء الفارين نتيجة المعارك أم المنتسبين للتنظيم ممن وفدوا إلى سورية مع عائلاتهم، فإن هناك آلاف العراقيين الآخرين ممن وفدوا إلى سورية خلال العقود الماضية، تحديداً بعد غزو العراق عام 2003، مع استقبال سورية أكثر من مليون ونصف المليون عراقي.

وعلى الرغم من أن كثيرا من هؤلاء عادوا إلى بلدهم مع توقف المعارك هناك أو تراجع حدتها، إلا أن عشرات الآلاف بقوا في سورية نتيجة تواصل التوترات الأمنية في العراق، لكن مع اندلاع الحرب الداخلية في سورية اعتباراً من نهاية عام 2011 تغيّرت حياة اللاجئين العراقيين، خصوصاً أن كثيرا منهم كانوا يسكنون في مناطق ريف دمشق، التي تحوّل أغلبها إلى مسرح لمعارك طاحنة بين قوات النظام السوري والمعارضة. ما دفع كثيرون منهم للنزوح داخل سورية أو المغادرة إلى الخارج وتحديداً أوروبا، في حين عاد بعضهم إلى العراق. ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، فقد توافد نحو 95 ألف عراقي من عمق الأراضي السورية إلى ريف الحسكة شرقي البلاد خلال سنوات الحرب السورية.

وفي مارس/آذار من العام الماضي، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية أنها سجلت عودة نحو 22 ألف لاجئ عراقي من سورية منذ منتصف عام 2017 بعد خروج تنظيم "داعش" من مناطقهم في العراق. وتسببت الحرب ضد تنظيم "داعش" بنزوح ما يقارب 5.8 ملايين عراقي وفق تقديرات الحكومة العراقية، لجأ آلاف منهم إلى دول الجوار مثل تركيا وسورية إضافة للدول الأوروبية. وعاد نصفهم إلى مناطقهم بينما يخشى البقية من انتقام مليشيا "الحشد الشعبي". كما يواجه كثر مصاعب نتيجة تدمير بيوتهم، وعدم توفر الخدمات الأساسية فضلاً عن انتشار مخلفات الحرب.

وبعيداً عن الجوانب الأمنية والعسكرية، أثار إعلان رئيس الأركان العراقي عثمان الغانمي خلال زيارته إلى العاصمة السورية دمشق يوم 18 مارس الماضي عبر وسائل الإعلام السورية الرسمية، قرب افتتاح المنفذ الحدودي بين البلدين (الوليد العراقي – التنف السوري) واستئناف حركة التجارة ونقل المسافرين، تساؤلات بشأن مدى جاهزية البلدين للإقدام على مثل هذه الخطوة التي تتحفظ عليها قوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة، في ظل عدم ضبط السيطرة على الحدود بين الجانبين، وانتشار مليشيات مدعومة من إيران في المنطقة. وفيما نفت مصادر عراقية وجود استعدادات على الأرض لفتح الحدود، أشارت إلى تواصل الجهود لإعادة إعمار منفذ الوليد العراقي، بعد أن شهد دماراً هائلاً خلال فترة سيطرة تنظيم "داعش".

وأكدت أن الجانب العراقي يطمح لتطبيع حركة نقل التجارة والمسافرين بين البلدين وفقاً للقوانين الراعية للعلاقات بين الدول، خصوصاً أن العراق لن يكون الدولة الأولى التي تفتتح منفذها مع سورية، مع إعلان الأردن مطلع العام الحالي استئناف الحركة في منافذه المشتركة مع سورية. وقبل أيام بحث رئيس حكومة النظام السوري عماد خميس مع وزير التجارة العراقي محمد هاشم العاني، تطوير العلاقات الاقتصادية وتوسيع آفاق التجارة والاستثمار بين الجانبين. وأكد خميس أهمية الإسراع في إعادة فتح المعابر الحدودية المشتركة بما "ينعكس إيجاباً على تنشيط حركة التبادل التجاري وتعزيز صمود البلدين في مواجهة التحديات القائمة" وفق وكالة سانا الرسمية. كما أعلنت وزارة الخارجية العراقية، الاثنين الماضي مواصلة سعيها لعودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية.