الانتخابات التشريعية المبكرة: "فزاعة سياسية" في المغرب

10 مارس 2019
رضا كبير من الملك على حكومة العثماني (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -
عاد الحديث في كواليس المشهد السياسي في المغرب عن احتمال إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، على اعتبار أن الانتخابات البرلمانية المقررة في البلاد ستجرى في العام 2021. وفي حين يعزو البعض هذا الاحتمال إلى وجود مؤشرات سياسية عدة تنذر بإمكانية إجراء انتخابات مبكرة، فإن آخرين يستبعدون هذا السيناريو بشكل كامل.

ويستند الذين يقدمون سيناريو إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في المغرب إلى واقع الخلافات الحادة والاتهامات المتبادلة بين بعض مكونات الحكومة، خصوصاً بين حزبي العدالة والتنمية، القائد للحكومة، وحليفه حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي بات حالياً رقماً صعباً في المعادلة الحزبية والسياسية في المغرب، خصوصاً منذ تولي عزيز أخنوش دفة الحزب.
في المقابل يرى الذين يستبعدون أية انتخابات تشريعية مبكرة أنه لا توجد دوافع سياسية طارئة ترجح هذا السيناريو، وأن ما حصل في 2011 لا يشبه في شيء الوضع الراهن، باعتبار أنه حينها تسببت احتجاجات شعبية في إطار حركة "20 فبراير"، التي ظهرت بموازاة "الربيع العربي"، في إعلان العاهل المغربي الملك محمد السادس عن انتخابات سابقة لأوانها، بينما حالياً تنظم احتجاجات محدودة، كما أن الخلافات الحزبية داخل الحكومة لم تصل إلى حد الانسحاب منها.

ومنذ بداية تنصيب حكومة سعد الدين العثماني، في إبريل/نيسان 2017، لم تتوقف الاتهامات المتبادلة بين حزبي "العدالة والتنمية" و"التجمع الوطني للأحرار" بخصوص العديد من الملفات والقضايا، أبرزها حملة المقاطعة الشعبية وأزمة احتجاجات التجار، فضلاً عن تصريحات قياديي الحزبين والتي وصلت إلى حد مطالبة كل فريق للآخر بالانسحاب من الحكومة.

يقول الأستاذ في جامعة مراكش، عبد الرحيم العلام، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه لا يرى من الناحية السياسية أن هناك ما يدعو إلى إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في المغرب، كما أنه من الناحية الدستورية الأمر غير يسير. ويشرح العلام أنه من الناحية السياسية، هناك رضا كبير من طرف الملك محمد السادس على حكومة العثماني، ليس فقط لأن هذه الحكومة تُنفذ ما يطلب منها، ولكن بسبب ترتيبات ما أعقب "البلوكاج (الانسداد) السياسي" في العام 2016، وما ترتب عنه من أزمة داخل الحزب الذي يقود الحكومة.

ويرى الأستاذ في جامعة مراكش أن من شأن أي انتخابات سابقة لأوانها أن تضر بصورة العثماني، وما يسمى "تيار الوزراء" داخل حزب العدالة والتنمية، وفي المقابل يقوي موقع تيار رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، مبرزاً أن "هذا السيناريو ربما غير مرجو من قِبل مهندسي الحياة السياسية المغربية". ويشير أستاذ العلوم السياسية إلى أن الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها ستأتي أيضاً في ظل عزوف متوقع من طرف الفئات الشابة، خصوصاً عن التصويت، وهو ما سيشكل تراجعاً في نسبة المشاركة السياسية، وبالتالي فهذا أمر غير مرغوب فيه أيضاً.



وفيما يؤكد العلام أنه من الناحية الدستورية، لدى الملك الحق في حل البرلمان، يوضح أن ذلك لا ينبغي من الناحية السياسية أن يتم إلا في ظل تطورات معينة، و"الحال أن الوضع مستقر في المملكة ولا توجد أية قلاقل، وحتى الاحتجاجات الشعبية ضعيفة ومُتحكم فيها، بمعنى أن الدولة أظهرت قدرة على مجابهتها". ويعتبر أن "قرار حل البرلمان من طرف الملك في مثل هكذا ظروف، سينظر إليه على أنه موجه ضد الحزب الذي يقود الحكومة، أي العدالة والتنمية، وهو ما يفاقم الأزمة السياسية في المغرب ولا يحلحلها" وفق تعبيره. ويعتبر العلام أنه "من غير الوارد اللجوء إلى انتخابات سابقة لأوانها، وبالتالي فإن الوضع سيبقى على حاله"، مردفاً أن "المناوشات القائمة بين فرقاء الحياة السياسية عادية في ظل الاستقطاب بين حزب التجمع الوطني للأحرار ومن معه، وبين حزب العدالة والتنمية وما يمثله، مع بداية العد العكسي لانتخابات 2021". ويشير إلى أن "كل حزب يبحث عن السبل التي تجعل منه في المقدمة لكي يرأس الحكومة، وربما يتم اللجوء إلى رفع مطلب تعديل الفصل 47 من الدستور، حتى يتم إدراج خيار اللجوء إلى الحزب الثاني إذا ما فشل الحزب الأول في تشكيل الحكومة، وهذا خيار يرفضه حزب العدالة والتنمية ويعتبره موجهاً ضده، بينما يدافع عنه حزب الأصالة والمعاصرة".

من جهته، يرى الباحث السياسي الدكتور إدريس الكنبوري أن "الوضع السياسي في المغرب يعيش حالة من النكوص بسبب الخلافات داخل الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، منذ فوزه بالمرتبة الأولى في انتخابات 2016. حتى أن السؤال المركزي اليوم لم يعد حول الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، بل كيف يمكن الإطاحة بحزب العدالة والتنمية؟". ويشير الكنبوري، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "من المفارقات أن حزب التجمع الوطني للأحرار، المشارك في الحكومة، يلعب ورقة المعارضة من الداخل، ويخوض حملة سياسية منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة من أجل تصدر انتخابات 2021 وتسليط الأضواء عليه بشكل كبير". ويعتبر الكنبوري أن "حزب "الأحرار بات يحل محل حزب الأصالة والمعاصرة الذي فشل في رهانه الانتخابي، وأضبح يعتمد نفس الخطاب: التصدي للإسلاميين والقرب من المربع الملكي"، مستدلاً، في هذا الصدد، بحوار أخنوش، مع مجلة "جون أفريك" الفرنسية أخيراً. ويوضح الكنبوري أن "أطروحة الانتخابات المبكرة تندرج في سياق التضييق على حزب العدالة والتنمية، وإظهار فشله ونشر الارتباك في صفوفه أكثر مما هي أطروحة حقيقية"، قبل أن يوضح أن "انتخابات سابقة لأوانها قرار يبقى بيد رئيس الدولة، لكن الذين يروجون له يريدون الإيحاء بأن المشكلة في قيادة الحكومة وليس في جميع مكوناتها".