قبل عامٍ من اليوم، وبينما كان اليمن يدخل العام الرابع للتدخّل العسكري للتحالف السعودي الإماراتي، كانت أزمة الخلافات بين الإمارات والحكومة اليمنية الشرعية، آخذة في التصاعد، لتبلغ أوجها في سقطرى في مايو/أيار 2018، لتليها محاولة لتهدئة الأزمة بعد أن كادت تصل حداً فاصلاً يطيح أبوظبي من التحالف، الأمر الذي تتعزز مؤشراته باستمرار الأزمة وعودتها إلى التصعيد مجدداً، في ظل الضغوط التي تواجهها الشرعية داخلياً بسبب ممارسات التحالف والعقبات التي يضعها في طريق عودة الشرعية وفرض سلطاتها في المناطق غير الخاضعة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيون).
وواجه التحالف السعودي الإماراتي منعطفاً هو الأخطر، تجاوزه بصعوبة خلال عام 2018، عندما قدّمت الحكومة اليمنية شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضد ممارسات أبوظبي، التي أرسلت أواخر إبريل/نيسان من ذلك العام قواتٍ عسكرية لاحتلال ميناء ومطار جزيرة سقطرى الاستراتيجية، خلال وجود رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر على رأس وفد حكومي في الجزيرة. وفيما أعلنت الحكومة رفضها هذا الإجراء العسكري الإماراتي، ألمحت في الوقت ذاته إلى أن أبوظبي ترتكب ممارسات تقوّض سلطة الحكومة الشرعية في مناطق سيطرتها، وهو خطابٌ كاد أن يقوّض التحالف باعتبار "دعم الشرعية" الغطاء المعلن لتدخّله في اليمن. وسعت الرياض إلى احتواء الأزمة التي أشعلتها أبوظبي بإرسال لجنة عسكرية إلى سقطرى، كما قام الإماراتيون وفي محاولة لاحتواء الأزمة بالتواصل مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي والترتيب لزيارة له إلى أبوظبي للقاء ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد في محاولة للإيحاء بانتهاء الخلافات بين الشرعية والإمارات، أو تهدئتها على الأقل.
في السياق، عملت أبوظبي على وقف التصعيد الذي يتبنّاه الانفصاليون المدعومون منها (المجلس الانتقالي الجنوبي)، بالتوازي مع الحشد نحو الحديدة التي تتصدر الإمارات فيها واجهة التحالف. ولجأت إلى محاولة إصلاح علاقتها بالشرعية لتخفيف الضغوط الدولية، ساعية إلى التنصّل من ملف السجون السرية وجرائم الانتهاكات التي وثّقتها تقارير دولية. لكن في الواقع، بقيت التفاهمات التي أبرمتها الحكومة اليمنية ونظيرتها الإماراتية حبراً على ورق، إذ رفضت الأخيرة التخلي عن إدارة أجهزة عسكرية وأمنية خارجة عن سلطة الحكومة اليمنية (على غرار قوات الحزام الأمني، والنخبة الحضرمية، والنخبة الشبوانية)، والتي أكد تقرير الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي في فبراير/شباط الماضي، أنها ما تزال تتبع أبوظبي تمويلاً وتوجيهاً.
وكان لافتاً عودة الأزمة تدريجياً، منذ توقف معركة الحديدة التي احتاجت إلى حالة من الهدنة من قبل الطرفين. وفي واقع الأمر، تجد الحكومة اليمنية نفسها، في موقف من سيئ إلى أسوأ، نتيجة لجملة من الأسباب، تتصدرها الأزمة مع أبوظبي جنوباً، وحتى مع الرياض التي تساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة ببقاء القرار اليمني رهناً بأجندتها، على نحوٍ يبقي على الشرعية في حالة من الضعف، وصولاً إلى عدم الوفاء بمقتضيات ما يفرضه التدخّل العسكري السعودي في اليمن من تبعات اقتصادية على الأقل. وعوضاً عن ذلك، طبّقت الرياض قرارات ألحقت أضراراً بمئات الآلاف من المغتربين اليمنيين الذين يعيلون أسراً تضم الملايين.
وفي السياق، تعد محافظة المهرة، البوابة الشرقية لليمن، محطة محورية لتقييم تحوّلات التحالف السعودي الإماراتي في العام الرابع للحرب، إذ كشفت الرياض أجندتها الخاصة بتعزيز وجودها العسكري غير المبرر والسيطرة على منشآت ومرافق حيوية على نحوٍ أشعل انتفاضة محلية معارضة، كانت آخر نتائجها زيارة لجنة رئاسية يمنية لتقصي الأوضاع. ومن زاوية أخرى، مثّل ذلك إحراجاً إضافياً للشرعية، وأظهر الرياض كما لو أنها بدأت بتحقيق أهداف غير معلنة للحرب، بالسيطرة على أجزاء استراتيجية في اليمن. هذه الممارسات، انعكست بدورها سخطاً يمنياً متزايداً ضد التحالف، وتراجعاً في نسبة من كانوا يجنّدون أنفسهم للدفاع عنه، وهو ما بدا ملموساً خلال احتجاجات شهدتها المحافظات الجنوبية والشرقية العام الماضي وفي الشهور الأخيرة، رُفعت خلالها شعارات تنادي بإخراج التحالف من اليمن، وتعرّضت بعض صور قياديي الدولتين للحرق من قبل محتجين خلال أزمة انهيار العملة المحلية (الريال اليمني)، في النصف الأخير من 2018.