يعود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة الألماني هورست كولر، إلى جمع أطراف نزاع الصحراء في جلسة ثانية من المباحثات في جنيف السويسرية، اليوم الخميس وغداً الجمعة، بعد الجولة الأولى التي انعقدت يومي 5 و6 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بمشاركة كل من المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا. وبحسب ما كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، فإن "اللقاء المرتقب يحصل بعيداً عن أروقة مقر الأمم المتحدة، استجابة لدعوات رسمية أرسلها كولر سابقاً للأطراف الأربعة لنزاع الصحراء، لحضور المباحثات في نسختها الثانية، ضمن جلسات مغلقة كما حصل في الجلسة الأولى".
وسبق للأطراف الأربعة، أن أكدت خلال الجولة الأولى من مباحثات جنيف التزامها بالحضور في الجولة الثانية، والمساهمة في الدفع بالملف إلى الأمام، بعد جمود سياسي دام سنوات طويلة، الشيء الذي جعل هذا النزاع أحد أقدم النزاعات في العالم. وتختلف تسمية جلسة "حوار جنيف" بين الطرفين الرئيسيين في نزاع الصحراء، وهما المغرب وجبهة البوليساريو، فالأول يحرص على تسمية هذه الجولة بـ"المائدة" التي تجمع جميع الأطراف لا فقط المغرب والجبهة. وهو حرص ينمّ عن رفض الرباط الحديث عن مفاوضات مباشرة، بينما تتمسك البوليساريو كثيراً بمصطلح "المفاوضات".
وجلسات "حوار جنيف" حول نزاع الصحراء تأتي تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2440، الصادر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما أوصى المغرب والبوليساريو والدول المجاورة بتقديم مساهمات مهمة في العملية السياسية، داعياً إلى "استئناف المفاوضات حول الصحراء". وشدّد على أن "الواقعية والتسوية أساسيان في إحراز تقدم في مفاوضات الصحراء".
ويقود الوفد المغربي، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، ويضمّ الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة بنيويورك عمر هلال، ورئيس جهة العيون الساقية الحمراء، سيدي حمدي ولد الرشيد، ورئيس جهة الداخلة – وادي الذهب، ينجا الخطاط، والناشطة الاجتماعية، عضو المجلس البلدي للسمارة، فاطمة العدلي.
وكشف مصدر دبلوماسي لـ"العربي الجديد"، أن "المغرب حريص على الحضور في الجلسة الثانية بجنيف، للوفاء بالتزامه الذي قطعه على نفسه بعيد انتهاء الجولة الأولى"، مبرزاً أن "الرباط تمتلك تصوراً واضحاً بشأن هذه الجلسات التي تنعقد تحت إشراف الأمم المتحدة". وأضاف أن "المغرب يشارك في جولات جنيف متمسكاً بمبادئه المعروفة ورؤيته السياسية والميدانية لحل نزاع الصحراء، وعلى رأسها أن كل تسوية لا يمكن أن تخرج عن سياق الحكم الذاتي لأقاليم الصحراء، وعن قرار مجلس الأمن الذي دعا إلى إيجاد حل واقعي وعملي متوافق عليه".
ورأى الخبير محمد عصام لعروسي، أن "الجولة الثانية لمفاوضات جنيف حول الصحراء لن تختلف كثيراً عن سابقتها، قياساً بإمكانية تحقيق مخرجات ملموسة للصراع المصطنع حول الصحراء، إذ اعتُبرت الجولة الأولى بمثابة جسّ نبض وإعادة الثقة بين الأطراف، ومحاولة إنجاح مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، في إطار دعم جهود المنظمة الأممية لإرجاع الأطراف المتصارعة حول طاولة المفاوضات بعد انقطاع لأكثر من ست سنوات". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "الجولة الثانية من المباحثات تأتي في ظروف إقليمية متغيرة نسبياً، لكنها تحمل العديد من المؤشرات الإيجابية بالنسبة للطرف المغربي، أبرزها أن جدول أعمال مجلس الأمن الدولي المنشور في 3 يناير/ كانون الثاني الماضي، قد أعلن عقد العديد من جلسات المشاورات حول بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء، لا حول المحادثات بين المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو".
ولفت لعروسي إلى أنه "يمكن اعتبار هذا المتغير في صالح المغرب، ويكشف تغيّراً أميركياً ملحوظاً في طريقة تعاطي مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الذي كان يطالب بإنهاء المهمات الأممية في أفريقيا وضمنها المينورسو، لكونها تستنزف ميزانية منظمة الأمم المتحدة من دون أن تتوصل إلى أي حلول ناجعة". وأشار إلى أن "المتغير الثاني، هو تأكيد قرار مجلس الأمن رقم 2440 أن الجزائر طرف رئيسي في هذه العملية السياسية، وأنه لا يمكن أن يكون هناك حل دون تحمّل الجزائر مسؤولياتها كاملة"، مبرزاً أن "هذا المتغير قد يسهم نسبياً في جعل المفاوضات أكثر شفافية وعمقاً".
حضور الجزائر للمرة الأولى طرفاً مشاركاً في النقاش بشكل رسمي بدعوة من منظمة الأمم المتحدة، اعتبره لعروسي "تحولاً محورياً يستجيب لمطالب وضغوط مجلس الأمن"، قبل تنويهه بأنه "رغم عدم توقع تغيير بنيوي في الموقف الجزائري وغموض مآلات مستقبل الحراك السياسي الذي تشهده الجزائر حالياً، فإن شفافية المفاوضات وتدبيرها من قبل المبعوث الأممي لإيجاد حل سياسي متوافق بشأنه، قد تساهم في كشف نيات الجار الجزائري بشأن مسارات الحل السياسي ومسالكه".
وزاد لعروسي متغيراً ثالثاً "متمثلاً في حسم مجلس الشيوخ الأميركي في وقت سابق معركة المساعدات المالية الأميركية ضمن ميزانية 2019، في جزئها المخصص لوكالة التنمية الدولية الأميركية بدمج حصة الصحراء المغربية في الحصة المخصصة الموجهة إلى المغرب".
وأما المتغير الرابع الذي رصده المحلل فـ"يتجسد في تصويت الاتحاد الأوروبي على قرار عدم استثناء الثروات الطبيعية في الأقاليم الجنوبية من الاتفاق الزراعي بين الرباط وبروكسل، وهو ما يمكن اعتباره انتصاراً مغربياً على اللوبي الداعم للبوليساريو والجزائر داخل أروقة الاتحاد الأوروبي".
وخلص لعروسي إلى القول إنه "في ظل كل هذه المتغيرات، وما تشهده الجزائر من حراك سياسي رافض للعهدة الخامسة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وأيضاً نظراً للتهديدات التي تعرفها منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، يمكن أن تكون الجولة الثانية مرحلة حاسمة للمسلسل الأممي لدعم الاتفاق السياسي البعيد عن المزايدات والحضور الصوري للأطراف، وقد يكشف أيضاً عن مدى جدية الأمم المتحدة والقوى الكبرى في إيجاد مخرج حقيقي لهذا الصراع المفتعل".