تباين في المواقف العربية إزاء خطة أوروبا لتوطين اللاجئين

26 فبراير 2019
تهدف أوروبا لتكرار الشراكة والسيسي مع دول أخرى(العربي الجديد)
+ الخط -


عكست مناقشات الزعماء العرب والأوروبيين في القمة، التي اختتمت أعمالها أمس الإثنين في مدينة شرم الشيخ المصرية، وجود خلافات بين عدد من دول شمال أفريقيا حول إمكانية التعاطي مع المقترحات الأوروبية بشأن اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، والتي تتضمن إنشاء مراكز أو "مجتمعات صغيرة" وتمويلها من الاتحاد الأوروبي لتوطين اللاجئين في بعض دول أفريقيا، تمهيداً لإعادتهم لبلادهم. وكانت "العربي الجديد" قد انفردت بنشر تفاصيل هذه الأفكار في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، ثم تبعها عدد كبير من الصحف العالمية.

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، والمستشار النمساوي سيباستيان كورتس، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، تحدثوا على انفراد مع عدد من المسؤولين العرب، أبرزهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج ورئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، حول "الصورة التي تراها العواصم العربية مناسبة لإبرام اتفاق على غرار الاتفاق الموقع مع تركيا للتصدي للهجرة غير الشرعية". ويقصد الزعماء الأوروبيون بذلك الاتفاق الموقع في العام 2016 بناءً على مقترح ألماني في الأساس، والذي اعتبرت برلين أنه نجح في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة، مع تحسين أوضاع اللاجئين السوريين، وتقليل عدد المتسرب منهم لأوروبا. وتلزم الاتفاقية تركيا باستقبال كل لاجئ وصل منذ 20 مارس/ آذار 2016 إلى اليونان، وفي المقابل يلتزم الاتحاد باستقبال لاجئ سوري شرعي بدلاً من كل لاجئ تتم إعادته إلى تركيا، وتمويل مساعدات للاجئين الذين يعيشون فيها. لكن الاتفاقية تلقى انتقادات حقوقية، تزعم أنها تسببت في احتجاز آلاف المهاجرين في الجزر اليونانية في ظروف سيئة ومتوترة، فضلاً عن تهديد تركيا مراراً بإلغائها بسبب عدم تلقيها مبلغا قدره 6 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي، إذ تزعم أوروبا أنها سددت نصف المبلغ، فيما تقول أنقرة إنها لم تتلق أكثر من ملياري دولار.

وأوضحت المصادر الدبلوماسية المصرية أن المغرب وليبيا يرفضان بشكل قاطع الأفكار الأوروبية، وأن تونس لا ترى نفسها مؤهلة للمشاركة في مثل هذه المشاريع، لكن مصر، التي تترأس حالياً الاتحاد الأفريقي، الذي تميل أغلبية أعضائه إلى رفض المشروع الأوروبي، ما زالت تعتقد أنه بالإمكان "التوصل إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف، ويعود بالفائدة على الاقتصاد المصري والشعوب الأفريقية بشكل عام"، على حد وصف المصادر. وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية قد نشرت، أول من أمس، تقريراً كشفت فيه عن اطلاعها على مسودة وثيقة "موقف أفريقي موحد" يؤكد على عدم التعاون مع أوروبا لإنجاح خطط إنشاء المراكز أو المنصات المخصصة لاستقبال وإعادة توجيه اللاجئين. وأشارت إلى أن بعض الدول رفضت المقترح جذرياً، لكن هناك مخاوف في الاتحاد الأفريقي من أن حكومات أخرى في المنظمة يُمكن إقناعها مقابل دعم مالي كبير لأغراض التنمية والتحديث الاقتصادي والخدماتي.

وفي هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية أوروبية في مصر، ساهمت في تنظيم قمة شرم الشيخ الحالية، إن طرح نقاش واسع حول المقترح الأوروبي، تشارك فيه عواصم عربية أخرى، كان من الأهداف التي حمست المجلس الأوروبي للعمل على عقد القمة في مصر حالياً، مشيرة إلى أن النقاشات بين المسؤولين الأوروبيين وبعض العواصم الشمال أفريقية تطرقت إلى الحديث عن "نموذج التعاون المصري الأوروبي في إطار الحد من الهجرة غير الشرعية منذ 2016" وما ترتب على ذلك من منح البنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار قروضاً قياسية لحكومة السيسي، وتحول مصر إلى الدولة الأولى من حيث تلقي استثمارات البنك في العامين الأخيرين، بقيمة إجمالية قدرها 3.52 مليارات يورو. وأضافت المصادر أن "المسؤولين الأوروبيين يعتبرون أن عقد هذه القمة في شرم الشيخ بمثابة دعم أدبي وسياسي صريح للسيسي، كجائزة على مجموع أعماله في عدة مجالات، أبرزها بلا شك الحد من وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا بعدما كانت مصر معبراً لنحو 60 في المائة من حركة الهجرة، ومنح الدول الأوروبية الكبرى عقوداً بالمليارات لإقامة مشاريع خدمية وهيكلية عملاقة في مصر". وأوضحت أن "هذه العلاقة المتنامية بين السيسي والمجلس الأوروبي وبعض دول الاتحاد تمثل شراكة يريد المجلس أن يكررها مع دول أخرى في منطقة شمال أفريقيا تحديداً".

وأشارت المصادر الأوروبية إلى أن إهمال ملف حقوق الإنسان في الدول العربية، وإخراجه تماماً من أجندة القمة، والاكتفاء باشتراط عدم حضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس السوداني عمر البشير "يعتبر جائزة أخرى للسيسي، وخصوصاً أن الكواليس تشهد غضباً من دوائر أوروبية عديدة بسبب حالة حقوق الإنسان في مصر". لكن المصادر وصفت درجة استعداد العواصم لممارسة ضغط قوي على السيسي لفتح المجال العام ووقف الإعدامات بأنها "صفر كبير حتى الآن، أي ليست موجودة بالمرة". ورغم تنامي التنسيق بين السيسي والدول الأوروبية، خصوصاً التي يحكمها زعماء يمينيون، فإن هناك خلافاً حول مدى استحقاق مصر لمزيد من الأموال نظير استضافتها للاجئين حالياً، في مسار تفاوضي منفصل عن مقترح إقامة مراكز التوطين والتوزيع. فالسيسي يزعم أن مصر تستضيف ملايين اللاجئين المندمجين في المجتمع المصري، في الوقت الذي تؤكد فيه المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن عدد اللاجئين المقيمين في مصر بنهاية 2018 لا يزيد على 245 ألف لاجئ تقريباً، منهم 194 ألف طالب لجوء، و51 ألف نازح، وأكثر من نصفهم سوريون، بواقع 133 ألفاً تقريباً، أي بنسبة 54 في المائة.

كما شهدت الجلسة الختامية للقمة نقاشاً بشأن مشروع بيان ختامي صدر متجاهلاً ملاحظات السعودية والبحرين والإمارات ولبنان بشأنه. وقال السيسي، في ختام القمة: "تجدون أمامكم مشروع البيان الختامي الذي قام كبار المسؤولين بالتفاوض حوله"، مضيفاً أن مشروع البيان "يعكس أبرز القضايا الاستراتيجية التي تهم الجانبين، منها تعزيز الشراكة الأوروبية، وتطوير التعاون بين الجانبين، وسبل مواجهة التحديات المشتركة، فضلا عن القضايا الإقليمية، وأخيراً الاتفاق على إقامة القمة القادمة في بروكسل في 2022". وبعدما سأل السيسي عما إذا كانت هناك من ملاحظات على البيان، أعلن وزير خارجية السعودية، إبراهيم العساف، "قدمنا عدداً من النقاط للفنيين لتعديل البيان المشترك، ولم نجدها في النسخة الموزعة علينا". وأضاف "الملاحظات منها تعزيز التعاون بين المجموعتين وقدمت للأمانة العامة (للجامعة) ولم نجدها بهذه النسخة". لكن الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، قال: "رأينا بعد التحاور مع الجانب الأوروبي الاكتفاء بالصيغة الحالية"، قبل أن يتدخل السيسي ويعلن اعتماد البيان المشترك.

المساهمون