"النهضة" تبحث عن شريك: تردد وخيارات صعبة قبل الانتخابات

21 فبراير 2019
تتخوف "النهضة" من أن تكون مستهدفة (حسام زواري/الأناضول)
+ الخط -
تبدو حركة "النهضة" التونسية مترددة في موقفها حيال رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وحزبه الجديد "تحيا تونس"، وطبيعة المشهد السياسي ومناخ الانتخابات المقبلة نهاية هذا العام، وهو ما بدا في تأكيدها بعد الاجتماع الدوري لمكتبها التنفيذي، يوم الإثنين الماضي، رفضها المطلق لكل توظيف حزبي لمؤسسات الدولة ولمواردها لصالح أي طرف حزبي، معتبرة أن في ذلك تهديداً للاستقرار ولبناء الثقة ولكل مسعى توافقي. كذلك أكدت قناعتها بأهمية الاستقرار الحكومي سبيلاً لإعداد البلاد للانتخابات، ولما حققه من نتائج إيجابية اقتصادية واجتماعية وأمنية في كثير من المجالات، ولما تحقق من توافقات اجتماعية بين الحكومة واتحاد الشغل، وما سجّل من نجاحات أمنية في الحرب على الإرهاب والحد من التهريب والجريمة عموماً.
ولكن بقدر ما يدل ذلك على تردد الحركة تجاه الشاهد، فإنه يُترجم كذلك غياب تصور ورؤية واضحة في ما يتعلق بنواياها ما بعد الانتخابات وتحالفاتها الممكنة، أو شراكاتها وتوافقاتها، كما درجت على ذلك تسميات الحالة السياسية التونسية.

ويحمل هذا الموقف من الشاهد وحزبه قلقاً جدياً لدى "النهضة" حول الشريك السياسي الممكن، بعد فض التوافق مع الرئيس الباجي قائد السبسي وحزبه "نداء تونس"، وتباين الأصوات داخل الحركة بشأن ذلك. ففي داخل "النهضة" من يعتبر أن سقوط التوافق أدى إلى ارتباك في المشهد السياسي واختلال التوازن القائم الذي حافظ على الاستقرار السياسي على مدى أربع سنوات، وأدخل تونس في أزمة قوية كان يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على البلاد وعلى الحركة في الوقت نفسه، بعد أن بدأ خصومها في إثارة ملفات أمنية وسياسية شديدة الحساسية، لا تزال تهديداتها قائمة حتى الآن ويمكن أن تتصاعد مع اقتراب المواعيد الانتخابية. وتعتبر الأصوات نفسها أن الشريك الجديد، يوسف الشاهد، سينقلب على "النهضة" عاجلاً أم آجلاً، وقد ظهرت مؤشرات ذلك في تصريحات عديدة لقياديّي الحزب الجديد، وهو ما يعني أن "النهضة" ستكون قد خسرت حليفها السابق وحليفها الجديد أيضاً.

في المقابل، تعتبر قيادات أخرى أن "النهضة" ستكون بحاجة دائمة إلى حليف قوي تُحدث معه توازناً في المشهد السياسي، وأن أزمة "نداء تونس" أدت إلى تراجع دور الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي، وإضعاف نجله حافظ، في إدارة الحزب، وبالتالي فقدانه لحوالي نصف نوابه في البرلمان، فيما الكثير من قواعد "النداء" وكوادره الشعبية في المناطق زحفت إلى الحزب الجديد، مع تصاعد خلافات "النداء" وعدم التوصل إلى عقد مؤتمره الأول. في المقابل، فإن نشوء حزب جديد من داخل منظومة "النداء" يوحي بأنه سيكون استمراراً لا بديلاً عن "النداء" لأنه يحمل الأفكار المؤسِسة نفسها، و"النهضة" بحاجة إلى استمرار ذات التوازن وإن تغيّرت العناوين.
ولم تحسم "النهضة" حتى الآن هذا الجدل، ولا تزال مترددة، خصوصاً أن هذا الحزب الجديد لم تتبيّن ملامحه بعد ولا عمقه الشعبي الحقيقي، وتحديداً نواياه بشأن "النهضة"، بالإضافة إلى أن بعض شخصياته المهمة تأمل تحصيل أغلبية في الانتخابات المقبلة تغنيها عن التحالف مع "النهضة"، وصرحت بذلك أكثر من مرة.


وتذهب توقعات أخرى إلى أن الخلاف بين "النداء" و"تحيا تونس" ربما يكون في صالح الاثنين انتخابياً، ما سيمكّن من إعادة التحامهما بعد الانتخابات مع مكوّنات من العائلة السياسية نفسها، "مشروع تونس" و"آفاق تونس" وغيرهما، وبالتالي الاستغناء عن "النهضة"، بعيداً عن مبالغة البعض في كون هذا الخلاف ليس إلا خلافاً مصطنعاً سياسياً لتحقيق الهدف نفسه.
ولكن التوقعات بخصوص مشهد ما بعد الانتخابات، لا توحي بأنه سيتغيّر جذرياً، وربما يحافظ على نفس مكوناته وأرقامه تقريباً، إلا إذا حدثت مفاجأة كبيرة جراء المزاج المتقلب للناخب التونسي، الذي أثبتت الانتخابات البلدية أنه يبحث عن بديل حقيقي، ما يفسر تصويته بكثافة للمستقلين من جهة، وصعود حزب "التيار الديمقراطي" من جهة أخرى، وهو يواصل تقدمه البطيء في عمليات استطلاع الرأي، على الرغم من كل التشكيك في مصداقيتها.

تضاف إلى هذه العوامل مسألة النسبة المرتفعة من العزوف الانتخابي المتوقعة، وفقاً لسبر آراء لمؤسسة "سيغما كونساي"، توقع أن ترتفع المقاطعة لتبلغ 66 في المائة بالنسبة للانتخابات التشريعية و57 في المائة بالنسبة للانتخابات الرئاسية، مع توقعات بتحسن في نسب نوايا المشاركة مع اقتراب موعد الانتخابات أي باتضاح البرامج وأسماء المرشحين. من جهتها، ترى مؤسسة "أمرود كونسيلتينغ" أن 39 في المائة فقط سيشاركون في الانتخابات التشريعية و45 في المائة في الانتخابات الرئاسية. يُضاف إلى ذلك تردد ربع الناخبين المحتملين بخصوص الجهة التي سينتخبونها، ما يجعل هذه الانتخابات مفتوحة على كل الاحتمالات، على الرغم من أن "النهضة" مطمئنة لرصيدها الثابت تقريباً (في حدود 25 في المائة إجمالاً و30 في المائة وفق آخر استطلاع رأي). ولكن ضرب صورتها المستمر وعمليات التشكيك فيها قد يقودان إلى تراجع ذلك، أو العكس، كما حدث في كل المحطات الانتخابية السابقة، فيما لا يختلف الخطاب الانتخابي الحالي عن سابقيه أيضاً، إذ ينهال الجميع ضد "النهضة" في محاولة للاستئثار بموقع المنافس الأول لها، ما قد يقود إلى تشظي هذه الأحزاب وتلاشي مخزونها الانتخابي وتوزعه على الكيانات الصغيرة، بسبب فشلها في التوحّد ضمن عائلة سياسية وانتخابية.

كل هذه العوامل أدت إلى حالة من الغموض لدى "النهضة" واختلاف واضح في الخيارات وتردد في ما يتعلق بالشريك الممكن، وقد عبّر عن ذلك بوضوح رئيسها راشد الغنوشي عندما سئل عن ذلك، فاعتبر أن الشراكة مع الشاهد تحتاج إلى برامح واضحة هي غير موجودة حالياً، ما يعني أن شيئاً لم يتضح بهذا الخصوص ويبقى على نفس التردد.
ولكن "النهضة" في كل الحالات أظهرت أن شريكها الممكن ينتمي إلى العائلة الوسطية القريبة من اليمين المحافظ مع خلفية دستورية لعدم القطع مع الدولة التي لا تزال تحافظ على الإرث البورقيبي وتواصل تقريباً على نفس برامجه في التوازن بين الاجتماعي والليبرالي، على الرغم من تراجع هذا المنوال وفشله في تحقيق توازن عادل بين المناطق. ولم ينجح استقرار هذا الإرث الظاهر، في منع ثورة قامت بسبب ذلك، ودعت بوضوح إلى تجديد الفكر الاقتصادي والإداري والقانوني لقيادة الدولة. هذا الواقع القائم حتى الآن قد يتغير إذا تصاعدت التهديدات والمخاوف وشعرت "النهضة" أنها ستكون مستهدفة في كيانها، فقد تلجأ او تُدفع إلى البحث عن شريك مختلف، على الرغم من صعوبة ذلك وضعف إمكانية تحقيقه.

المساهمون