وعبر أعضاء مجلس نواب الشعب عن مخاوفهم من العائدين من بؤر النزاع وإمكانية تسللهم داخل المجتمع من خلال اختلاطهم بسجناء الحق العام وتأثيرهم داخل السجون عبر بث الفكر المتطرف.
وأعلن رئيس "اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب" مختار بن نصر، أن "استلام السلطات التونسية للإرهابيين العائدين من بؤر الإرهاب والقتال ليس بقرار جديد، بل هو موقف دولي تم إقراره منذ فترة"، مشيراً إلى أن العائدين "سيعرضون على القضاء الذي سيحدد مصيرهم حسب ما يفرضه القانون".
ولفت بن نصر إلى أن السلطات التونسية بدورها "طالبت الدول بتسليمها من تعلقت بهم قضايا إرهابية وهم محل تتبع قضائي، وقد تم ذلك وفق الإجراءات القانونية".
وأكد رئيس اللجنة الوطنية، أن عدد التونسيين العائدين من مناطق القتال بلغ ألفين خلال الفترة من 2011 إلى غاية أكتوبر 2018، معلناً أن "مجموعة إرهابية متكونة من 4 أشخاص تمت إعادتهم قبل أسبوعين، إلى أرض الوطن، بطلب من السلطات التونسية وهم اليوم بين أيدي القضاء". ولاحظ أن "كثيراً منهم يعودون إلى البلاد بطرق سرية".
وأفاد بن نصر بأن تونس "ستتسلم عدداً من الإرهابيين الآخرين من بعض الدول، في إطار رسمي"، مشيراً إلى أن "مجموعات أخرى تعود بمفردها، نظراً إلى أن مساحات العمل الإرهابي في الشرق، سواء في سورية أو العراق، تقلصت بشكل كبير، خاصة مع انهيار ما يُسمى بتنظيم "داعش" الإرهابي في المنطقة".
وأكد المصدر نفسه لـ"العربي الجديد"، أن السلطات التونسية "شرعت في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب، وقد آتت أكلها من خلال محاصرة الإرهابيين في الجبال وقطع الإمداد عنهم وتضييق الخناق عليهم في المرتفعات الغربية للبلاد، كما تم القضاء على قياداتهم وتم استهداف قدراتهم اللوجستية بنجاح"، مشيراً إلى أن عددهم "لا يتجاوز العشرات وسيتم القضاء عليهم نهائياً خلال العام 2019".
ولفت بن نصر إلى أن تونس "نجحت في تجميد أموال وممتلكات المتورطين في الإرهاب، كما حالت دون سفر أكثر من 17 ألف شخص إلى بؤر الإرهاب"، مشيرا الى أن هذه الارقام "ليست مفزعة لأنه ليس بالضرورة أن يكون الممنوعون من السفر حاملين لفكر إرهابي متطرف، لاعتبار أن هذه الإجراءات وقائية لإنقاذ الشباب من التورط في الإرهاب".
وقال رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب إن عدد التونسيين "المتورطين في بؤر الإرهاب غير محدد بدقة، ولكن الإحصاءات تقدر عددهم بما يناهز 3000"، مشدداً على أن عدداً منهم "قُتل أثناء المعارك على الأراضي السورية وفي العراق وفي ليبيا، فيما يرجح أن يكون البقية في حالة فرار في دول أفريقية بحثاً عن ملاذ آمن بدل إيداعهم في السجون".
وفي إجابتها على أسئلة النواب، قالت القاضية نائلة الفقيه نائبة رئيس "اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب"، إن تونس "ليس لها خيار فيما يتعلق بعودة التونسيين من بؤر التوتر والمتورطين في الإرهاب، لأن هذا الأمر يمثل التزاماً دولياً"، مشددة على أن الدستور التونسي أيضاً "يكفل حق كل التونسيين في العودة إلى بلدهم والعيش فيه".
ولفتت الفقيه إلى أن التجارب المقارنة التي اطلعت عليها تونس حول مسألة التعامل مع العائدين من مناطق القتال وبؤر النزاع، تتلخص في ثلاثة مراحل "أولها تقديم الملفات إلى القضاء ليبت فيها، ثم إعداد برامج داخلية لهم في السجن بهدف حماية المحيطين بهم من خطر الاستقطاب، خاصة من خلال عدم وضعهم مع مساجين الحق العام، وثالثها توفير الإحاطة والرعاية اللاحقة بهم بعد خروجهم من السجن حتى لا يمثلوا خطراً على المجتمع".
أما في ما يتعلق بأطفال العائدين وكيفية التعامل معهم، أفادت القاضية بأن الإحصائيات الرسمية تشير إلى "وجود حوالي 86 طفلاً تونسياً لآباء تورطوا في الإرهاب وعالقين في مناطق النزاع، النسبة الأكبر منهم موجودة في ليبيا والبقية موزعة بين سورية والعراق"، لافتة إلى أنهم "أطفال من نوع خاص، إذ من الممكن أن يكونوا قد شاهدوا أعمال إرهاب وتقتيل أو حتى تدربوا عليها.. وبالتالي يجب التعامل معهم بطرق خاصة والعمل على تطوير قدراتهم".
وفي سياق متصل، قال مالك كشلاف الكاتب الدائم بـ"اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب" في تصريح لوسائل الإعلام إن "اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب شرعت منذ 2017 في إعداد برامج لتأهيل الأطفال الذين ولدوا في مناطق قتال وسيعودون إلى تونس".
وأضاف كشلاف أن البرنامج "يهتم أساساً بتكوين (تأهيل) أشخاص راجعين بالنظر للإدارة العامة للسجون والإصلاح ومراكز الدفاع والإدماج الاجتماعي، وكذلك وزارة الشؤون الاجتماعية ومختلف الفاعلين والمتدخلين في هذا الموضوع".
وأكد نفس المتحدث لوسائل الإعلام أنه "تم سنة 2018 تكوين 30 عنصراً منهم، وسيتم خلال هذه السنة 2019 تكوين دفعة جديدة تضم 40 عنصراً سيكون من بينهم مندوبو حماية الطفولة"، مضيفاً أن مهمتهم الأساسية "تتمثل في نزع بوادر التطرف والفكر العنيف من عقول هؤلاء الأطفال وإعادة تأهيلهم ليكونوا أطفالاً طبيعيين".