ونقلت قناة التلفزة الإسرائيلية 13، الليلة الماضية، عن محافل رسمية إسرائيلية قولها إن تل أبيب تسمح ببيع هذه البرمجيات للأنظمة "التي يشكل بقاؤها مصلحة استراتيجية لإسرائيل".
وأضافت المحافل أن الحكومة الإسرائيلية معنية بـ"تعزيز قدرة أنظمة حكم معينة على البقاء، على اعتبار أن سقوطها قد يفضي إلى صعود أنظمة حكم أخرى قد تتبنى سياسات معادية لإسرائيل"، مشيرة إلى أن "صناع القرار أدركوا قبل منح الترخيص بتزويد هذه الأنظمة بتقنيات التجسس أنها قد تستخدم في المس بسجل حقوق الإنسان على نطاق واسع".
وأشارت المحافل إلى أن "إسرائيل سمحت بالفعل لشركة "NSO" ببيع برنامج "بيغاسوس" التجسسي القادر على اختراق الهواتف المحمولة ورصد المكالمات الصادرة والواردة، إلى جانب تتبع تحركات المستخدمين".
ونقلت القناة عن مصادر في "NSO" قولها إن العقود التي توقعها مع الدول والحكومات الخارجية تتم تحت إشراف الحكومة الإسرائيلية.
يذكر أن "الشاباك" يستخدم هذه البرنامج في التجسس على الفلسطينيين في الضفة الغربية في قطاع غزة، في حين يشمل عمليات التجسس الإلكتروني التي تقوم بها "8200" كل الدول التي لإسرائيل مصلحة بالحصول على معلومات استخبارية داخلها.
السعودية والإمارات في قفص الاتهام
وكان تحقيق لصحيفة "نيويورك تايمز"، وأيضا تحقيق مماثل لـ"العربي الجديد"، قد كشف أن شركة "NSO" باعت برنامج "بيغاسوس" لقيادات في جهاز المخابرات السعودية، وأن البرنامج وظف في تعقب الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي قام فريق أمني سعودي بتصفيته في قنصلية بلاده في إسطنبول.
كما ارتبط اسم الإمارات بالشركة الإسرائيلية أيضا قبل أزيد من عام، وتحديدا في أغسطس/آب 2017، عندما تلقّى الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور رسالة مشبوهة على هاتفه، تبيّن أنها مجرد فيروس يهدف إلى اختراق هاتفه. وأخيراً، قبل أشهر، تبيّن أن البرمجية نفسها استخدمت للتجسّس على أحد موظفي/ موظفات "منظمة العفو الدولية" (أمنستي)، وذلك من خلال تسلّل قرصان إلكتروني إلى هاتفه/ في يونيو/ حزيران الماضي، كذلك عبر رسالة مزيفة وصلت إلى "واتساب"، علماً أن الموظف/ة يتركّز عمله على الملف الحقوقي في السعودية.
بدورها، نشرت صحيفة "فورين بوليسي" في تحقيق سابق مقابلة مع الباحث في "سيتيزن لاب" بيل ماركزاك، ذكر فيها أن الحكومة الإماراتية اشترت برمجية التجسس هذه من شركة NSO، بمبلغ يتراوح بين 10 و15 مليون دولار.
وكانت مجلة "فوربس" ومعهد "سيتيزن لاب" الكندي قد كشفا أن شركة NSO ساعدت النظام السعودي في تعقب معارضيه، وبينهم الكاتب الساخر غانم المسرير، وناشط حقوق الإنسان يحيى عسيري، اللذان يقيمان في لندن، وعمر عبد العزيز المتواجد في كندا.
يذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد لمح، خلال العامين الماضيين، إلى وجود تعاون سري غير مسبوق بين إسرائيل وعدد من الدول العربية التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
ويشار إلى نتنياهو تجند للدفاع عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أعقاب تفجر قضية اغتيال الصحافي خاشقجي، حيث طالب بعدم السماح بأن تسهم هذه القضية في المس باستقرار نظام الحكم السعودي.
ملاحقة فاضحي البرنامج
إلى ذلك، نقلت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، الإثنين الماضي، تفاصيل عملية مطاردة ومحاولة استدراج تعرض لها ستة أشخاص ممن عملوا على تحقيق نشرته كل من "نيويورك تايمز" و"العربي الجديد" خريف العام الماضي، يكشف لجوء السلطات الإماراتية لخدمات شركة "NSO" الإسرائيلية، التي طورت "بيغاسوس".
وكشف الصحافي رافاييل ساتر، في مقاله في الوكالة، عن تفاصيل حوادث التجسس التي تعرض لها اثنان من فريق التحقيق، إضافة إلى ثلاثة محامين يعملون على القضية المرفوعة أمام المحاكم الإسرائيلية ضد شركة "أن أس أو"، ومراسل "العربي الجديد" في لندن إياد حميد الذي كشف عن تفاصيل محاولات استدراجه (انقر هنا). والقضية المرفوعة ضد الشركة الإسرائيلية مبنية على بيعها برنامج التجسس لحكومات ذات سجل سيئ في ما يتعلق بحقوق الإنسان، مثل الإمارات.
ويقول المحاضر في القانون بجامعة لندن مازن مصري، وهو أحد المستهدفين في التقرير، إن "هناك جهة تسعى حثيثاً لتقويض هذه القضية". ويعمل مصري مستشاراً قانونياً لفريق المحاماة في تل أبيب، ويضيف أن العاملين لصالح هذه الجهة حاولوا استفزاز المستهدفين، بهدف الوصول إلى أقوال قد تدينهم وتقوّض من مصداقية القضية.
وكانت العملية السرّية قد بدأت بالتكشف حينما انتبه باحثان يعملان لدى مركز Citizen lab المختصّ بالتحقيقات السيبرانية عن استهدافهما. فقد قال جون سكوت ريلتون، أحد الباحثين في المؤسسة، إن زميلاً له قد استدرج في ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى لقاء في فندق مع أحد العملاء في مدينة تورنتو الكندية، ليتبع ذلك تواصل شخص يدعى ميشيل لامبيرت مع ريلتون، محاولاً ترتيب لقاء مماثل في فندق في مدينة نيويورك. حينها طلب ريلتون، الذي أدرك أبعاد الموضوع، من "أسوشتييد برس" أن تقوم بتغطية اللقاء.
وسرعان ما اتخذت القضية أبعاداً أكبر، حين كشف برنامج تلفزيوني إسرائيلي وصحيفة "نيويورك تايمز" عن الهوية الحقيقية لميشيل لامبيرت، الذي اتضح أنه مسؤول سابق في الأمن الإسرائيلي يُدعى آرون ألموغ أسولين. وحين نشرت "أسوشييتد برس" المعطيات ذلك الحين، تواصل مازن مصري مع وكالة الأنباء الأميركية ليطلعها بأنه، وعلاء المحاجنة، المحامي الرئيسي في القضية المرفوعة في تل أبيب، قد تعرضا لمحاولات استدراج مماثلة، إذ قال مصري بأن شخصين قالا إنهما يعملان لصالح شركات ثرية قد اتصلا بهما وعرضا عليهما فرص عمل لدى تلك الشركات، طالبين اللقاء في لندن. وبعدها تم الكشف عن تعرّض المحامية كريستينا ماركو التي تتابع القضية في قبرص، لمحاولة مماثلة، إذ سافرت إلى لندن على حساب العملاء للقاء مستثمر قال إن مقرّه في هونغ كونغ؛ ليتبع ذلك تعرض مراسل "العربي الجديد" في لندن إياد حميد لحادثة مماثلة من قبل مستثمر، قال إنه يعمل لصالح شركة استثمار بلجيكية تقدم منحاً جامعية لطلاب سوريين.
وفي تعقيبهما على الخبر، قال محاجنة والمصري لـ"العربي الجديد"، إن هذه المحاولات "تظهر مدى الضغط والتوتر الذي تمر به هذه الشركات من جراء القضايا المرفوعة ضدها. حتى الآن لم تقدم أي دفاع مقابل الادعاءات التي أثارتها القضية، والتي نسبت لها ضلوعاً مباشراً ومستمراً بعمليات التجسس".