قمة سوتشي: ترحيل الخلافات حول سورية

15 فبراير 2019
اللقاء هو الرابع من نوعه بين الرؤساء (ميخائيل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -
لم يستطع الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني، التوصل إلى حلول للنقاط الخلافية بشأن الملف السوري، في قمة سوتشي التي عُقدت أمس الخميس، لا سيما في ما يتعلق بموضوع إدلب واللجنة الدستورية والمنطقة الآمنة وغيرها، في ظل سعي روسي سبق القمة لتحصيل تنازلات من أنقرة في ملف اللجنة الدستورية مقابل التراجع عن التلويح بعملية عسكرية ضد إدلب.

ودلت كلمات الرؤساء الثلاثة بعد القمة الرابعة من نوعها، والتي امتدت لأكثر من ساعة، على أن القمة لم تتوصل إلى حل الخلافات القائمة، بل جرى ترحيلها للقاء أستانة المقبل في إبريل/نيسان، مع تأكيد كل منهم على مواقفه السابقة، على الرغم من محاولة إشاعة جو من اتفاق الحد الأدنى. فبوتين أعاد موقف بلاده "بضرورة القضاء على بؤرة الإرهاب في إدلب"، أما روحاني فأكد أن النظام السوري هو الذي يجب أن يحكم سورية بما في ذلك إدلب، في وقت كان فيه أردوغان يتحدث عن عدم توفر السرعة المطلوبة لتشكيل لجنة صياغة الدستور في سورية. ومع إجماع الزعماء الثلاثة على الترحيب بقرار الانسحاب الأميركي من سورية، فإنهم عبّروا عن شكوك حول هذه الخطوة. يُذكر أنه قبيل القمة الثلاثية، عُقدت لقاءات ثنائية بين كل من الرؤساء على حدة.

وانتهت قمة سوتشي بإصدار بيان ختامي مشترك جاء عاماً، بتأكيد "اتفاق الزعماء على تنسيق الجهود لإحلال الأمن والاستقرار في مناطق شمال شرق سورية". ولفت الزعماء الثلاثة إلى أهمية الاستمرار في محاربة الإرهاب في جميع أنحاء سورية، مع تكثيف الجهود لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة إدلب. وتضمن البيان اعتبار أن "سحب الولايات المتحدة قواتها من سورية سيعزز الأمن والاستقرار". وأفاد البيان بأن اللقاء المقبل في أستانة حول سورية سيعقد في شهر إبريل المقبل. كما شدد البيان على ضرورة تكثيف الجهود لإطلاق عمل اللجنة الدستورية في سورية في أقرب وقت. ونوه الرؤساء الثلاثة بأهمية تهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين السوريين إلى منازلهم، مناشدين المجتمع الدولي تنشيط دوره في مساعدة الشعب السوري دون تسييس الموضوع.

وعلى الرغم من أن هذا البيان تحدث عن أجواء إيجابية، لكن كلمات الرؤساء الثلاثة دلت على دعم توافق على القضايا المطروحة. وقال أردوغان بعد القمة إن آمال التوصل إلى حل سياسي للصراع السوري أقوى الآن من أي وقت مضى، موضحاً أنه ونظيريه بحثوا قرار الانسحاب الأميركي، لكنه أضاف أن توقيت الانسحاب لا يزال غير واضح. وشدد الرئيس التركي على أن "هدفنا تحقيق وحدة الأراضي السورية"، قائلاً "يجب تطهير منبج من الإرهابيين وعدم إفساح المجال أمام العناصر الإرهابية في إدلب". في مجال آخر، رأى أردوغان أن السرعة المطلوبة نحو تشكيل اللجنة الدستورية السورية غير متوافرة.


وكان أردوغان ذكر في بداية لقائه الثنائي مع بوتين، أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته "من أهم التحديات المقبلة". وأضاف أن روسيا وتركيا اتفقتا على تسيير "دوريات مشتركة" لاحتواء "الجماعات المتطرفة" في محافظة إدلب. وتابع كان هناك "اتفاق عسكري" لهذه الدوريات التي أعلن عنها في سبتمبر/أيلول، من دون مزيد من التفاصيل. كما دعا إلى انسحاب المقاتلين الأكراد من شمال شرق سورية. وقال إن "وحدة أراضي سورية لن تضمن ولن تعود المنطقة لأصحابها الحقيقيين" طالما ظلوا فيها.
كما رحب أردوغان "بموقف روسيا الإيجابي من المنطقة الآمنة بسورية"، قائلاً: "ندعم فكرة المنطقة الآمنة بما يخدم إزالة مخاوفنا بشأن الأمن القومي". وأكد أنه لا يمكن تحقيق وحدة التراب السوري من دون تطهير منطقة منبج وشرق الفرات من تنظيمي "العمال الكردستاني" والوحدات الكردية. وأشار إلى أنه "يجب تجاوز الانسداد الحاصل بخصوص اللجنة الدستورية". وتابع: "يمكننا خلال فترة قصيرة التوصل إلى نتيجة لإعلان اللجنة من خلال وضع تحفظات الأمم المتحدة بالاعتبار".

في المقابل، جدد الرئيس الروسي موقف بلاده حول إدلب، قائلاً إنه يجب عدم التغاضي عن وجود "جماعات إرهابية" في تلك المنطقة ويجب "اتخاذ إجراءات للقضاء على بؤرة الإرهاب هناك". وأضاف أن "التحركات العدوانية التي يقوم بها المتشددون في محافظة إدلب لن تمر من دون عقاب". وقال بوتين إن المنطقة المنزوعة السلاح في المحافظة، والتي تم التوصل إليها في إطار اتفاق سوتشي في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، هي مجرد إجراء مؤقت.
وشدد بوتين على أهمية أن تبدأ اللجنة الدستورية السورية عملها في القريب العاجل، لافتاً إلى أن الدبلوماسيين الروس بذلوا بالتنسيق مع الأطراف السورية والأمم المتحدة جهوداً ملحوظة في هذا الاتجاه.

في سياق آخر، أعلن بوتين أن الدول الثلاث تعتبر أن سحب القوات الأميركية من سورية يشكّل "خطوة ايجابية"، و"إنجاز هذه المرحلة سيكون نقطة إيجابية تساعد في استقرار الوضع"، لكنه لفت إلى أن روسيا لم تشهد أي تغيرات كبيرة تشير إلى الانسحاب الأميركي. وقال إن ترامب يحاول الوفاء بوعوده الانتخابية من خلال سحب القوات، لكنه غير قادر دائماً على الوفاء بتعهداته بسبب "القضايا السياسية الداخلية". وأكد أن عدد اللاجئين والنازحين السوريين الذين يعانون من غياب المساعدات الإنسانية قد تقلص إلى الثلث، لكن نحو مليون شخص لا يزالون يحتاجون المساعدة. وقال: "روسيا وإيران وتركيا تبذل مساعي منسقة لاستعادة الحياة الطبيعية في سورية ومساعدة السوريين على إعادة الإعمار".

وفي موقف لافت قبيل بدء قمة سوتشي، كانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قالت إن أنقرة تحتاج إلى ضوء أخضر من النظام السوري لإنشاء أي منطقة آمنة داخل الحدود السورية. ورداً على سؤال بشأن خطة المنطقة الآمنة التركية، قالت "مسألة وجود قوة عسكرية تعمل بتعليمات من بلد ثالث على أرض دولة ذات سيادة لا سيما سورية يجب أن تحسمها دمشق مباشرة. هذا هو موقفنا الأساسي".

من جهته، كان الرئيس الإيراني يقول إن "الحكومة الشرعية هي التي يجب أن تحكم سورية بما في ذلك إدلب"، معلناً دعمه "مسعى لتطهير منطقة إدلب من الإرهابيين"، مضيفاً أنه سيكون من الخطأ تركهم يخرجون من مأزقهم لمجرد أنهم غيروا اسمهم. وانتقد روحاني الأمم المتحدة لعدم اتخاذها إجراءات "ملموسة" في سورية لاستعادة السلام والأمن.. من جهة أخرى، قال روحاني "لسنا متفائلين حيال الانسحاب الأميركي (المرتقب) من سورية، ولو حدث سنكون سعداء"، معتبراً أن وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أضر بدول المنطقة. يُذكر أنه على هامش القمة الرئاسية، عُقدت لقاءات ثنائية بين وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ونظيره الروسي سيرغي شويغو، ورئيس هيئة الأركان الإيرانية محمد باقري، بحثت المستجدات الأخيرة في سورية.

المساهمون