أستانة 14 اليوم: جولات عبثية برعاية النظام السوري وحلفائه

10 ديسمبر 2019
لم تكن الاجتماعات التحضيرية للجولة مشجعة (علية ريمبيكوفا/الأناضول)
+ الخط -
على غرار جميع الجولات السابقة، يحلّ موعد الجولة الـ14 من مسار أستانة التفاوضي، اليوم الثلاثاء، متزامناً مع تصعيدٍ عسكري من قبل النظام السوري وحلفائه الروس، مركزاً هذه المرة على الشمال الغربي من سورية. وتنطلق النسخة الجديدة من جولات أستانة في العاصمة الكازخية نور سلطان، بآمالٍ منخفضة للمعارضة، ومن المقرر أن تستمر يومين، وتحضرها وفود تمثل كلاً من الأمم المتحدة والأردن ولبنان والعراق، بصفة مراقبين، فضلاً عن الدول الضامنة، روسيا وإيران وتركيا، كما وجهت دعوة الحضور للمبعوث الأممي غير بيدرسن. وتأتي هذه الجولة بالتزامن مع أعمال اللجنة الدستورية في مدينة جنيف السويسرية، والتي يبدو أن الروس سوف يصبّون تركيزهم عليها.

وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الكازاخية، أيبك صمادياروفن، إن الاجتماع سيناقش تطورات العملية السياسية في سورية، بالتزامن مع أعمال اللجنة الدستورية، ومناقشة مبادرات عقد مؤتمر دولي حول سورية. وأعلن النظام، أمس الاثنين، أن مندوبه الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري سيترأس وفده في هذه الجولة، فيما أكد مصدر في المعارضة السورية لـ"العربي الجديد" أن أحمد طعمة يترأس وفد قوى الثورة إلى المفاوضات.

وكانت الجولة 13 من محادثات أستانة التي عقدت في مطلع أغسطس/آب الماضي، قد فشلت في التوصل إلى تفاهمات جديدة حول مصير الشمال الغربي من سورية، الذي شنّ عليه النظام وروسيا عملية عسكرية واسعة النطاق عقب فشل الجولة 12 أواخر إبريل/نيسان الماضي، سيطر النظام خلالها على مساحات واسعة من ريفي حماة وإدلب، من بينها مدن وبلدات استراتيجية، أبرزها خان شيخون وقلعة المضيق. وجرت العادة أن يستبق النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون جولات أستانة بتصعيدٍ عسكري كبير من أجل دفع الضامن التركي للمعارضة السورية، إلى تقديم تنازلات تتيح لقوات النظام قضم المزيد من مناطق المعارضة. ويريد النظام وحلفاؤه هندسة تسوية للقضية السورية وفق رؤيتهم التي تقوم على إعادة انتشار قواته في كامل الجغرافية السورية، وهو ما ترفضه المعارضة التي تبدو أكبر الخاسرين من هذا المسار، الروسي بامتياز.


وكانت الجولة الأولى من مفاوضات أستانة قد عُقدت في 23 يناير/كانون الثاني 2017، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعقب خروج المعارضة السورية المسلحة من أحياء حلب الشرقية وفق اتفاق روسي - تركي، شكلّ البذرة الأولى لهذا المسار من المحادثات. ومنذ انطلاقه، لطالما كان مسار أستانة وسيلة النظام وحلفائه للسطو على مناطق المعارضة السورية، إذ سيطر على ثلاث من مناطق خفض التصعيد التي أقرت في الجولة الرابعة من المفاوضات في مايو/أيار 2017. وكان اتفاق الثلاثي الضامن لوقف إطلاق النار، قضى بإنشاء أربع مناطق لخفض التوتر تشمل كامل محافظة إدلب وأجزاء من ريفي اللاذقية وحلب الغربي، ومنطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، وريف حمص الشمالي، وجنوب سورية، والتي تجاوز النظام لاحقاً ثلاثة منها وسحق المعارضة فيها بمساعدة روسية، لتبقى محافظة إدلب، ومحيطها شمال غربي البلاد، المهددة باقتحامها من النظام بشكل دائم.

ومنذ انطلاق هذا المسار، كانت المعارضة السورية المسلحة الخاسر الأكبر من مفاوضات أستانة التي ظلّت تبدو عبثية ومن دون ذات قيمة، حيث لم يعط النظام شيئاً طوال 13 جولة، ولم يفرج عن المعتقلين في سجونه، ولم يلتزم باتفاقات وقف النار واستهداف المدنيين، بل زاد من وتيرة فتكه بالسوريين منذ مطلع 2017. ومن الواضح أن المعارضة السورية المسلحة تدرك جيداً عدم جدوى التفاوض في أستانة، لكنها باتت أسيرة توازنات إقليمية ودولية تمنعها من اتخاذ قرار واضح بمقاطعة جولات هذا المسار. ويريد الروس أن يكون مسار أستانة بديلاً أو موازياً لمسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة وفق مرجعيات دولية جلية، منها بيان جنيف 1 والقرار الدولي 2254. ولهذا السبب، من المتوقع أن يطرح الروس في أستانة 14 أفكاراً تتعلق بالعملية السياسية، وخاصة باللجنة الدستورية التي يحاول النظام عرقلة أعمالها في جنيف، بسبب إصرار وفده على مناقشة قضايا لا تندرج ضمن ولاية اللجنة الدستورية. وتؤكد مصادر مطلعة أن موسكو ستحاول نقل أعمال اللجنة الدستورية إلى العاصمة الكازخية نور سلطان، لكن من المتوقع أن تعارض الأمم المتحدة توجهها هذا.

من جهته، أكد المتحدث الرسمي باسم وفد قوى الثورة العسكري إلى مفاوضات أستانة، أيمن العاسمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كل الملفات مطروحة على طاولة المفاوضات في مسار أستانة، خصوصاً إدلب ومحيطها وشرقي الفرات واللجنة الدستورية". وكشف أن الاجتماعات التحضرية للجولة 14 "لم تكن مبشّرة لمعظم الملفات"، مبدياً تشاؤماً من تحقيق اختراقات جدية في أي منها. وقال العاسمي إن الروس "غير جادين على الإطلاق في الضغط على النظام من أجل تحقيق تقدم على مختلف الصعد"، مشيراً إلى التركيز الروسي "ينصب فقط على اللجنة الدستورية، لأنهم يسعون إلى تحقيق تسوية للقضية السورية وفق رؤيتهم التي تقوم على إعادة إنتاج النظام، وهذا لا يمكن القبول به، ليس من المعارضة فحسب، بل من المجتمع الدولي كله". وذكّر المتحدث باسم وفد قوى الثورة العسكري أن المعارضة السورية "تعتبر الروس طرفاً في الأزمة، وليست ضامناً أو حكماً فيها"، مضيفاً "أنهم (الروس) يتخذون من هيئة تحرير الشام ذريعة للفتك بنحو أربعة ملايين مدني في محافظة إدلب ومحيطها". كما أشار إلى أن النظام "لم يعد له دور حقيقي في القضية، حيث بات الروس متحكمين بكل مفاصل القرار فيه". واعتبر العاسمي أنه "لو كانت موسكو جادة فعلاً، لشهدنا اختراقات في كل الملفات المطروحة، بما يمهد الطريق أمام تسوية للقضية السورية وفق قرارات الأمم المتحدة". ولفت إلى "أن التصعيد العسكري واسع النطاق من قبل الجانب الروسي على المدنيين في إدلب على مدى أكثر من شهر، واستهداف المستشفيات وارتكاب المجازر بحق الأطفال والنساء، مؤشر واضح على أن هذه لن تكون أفضل من سابقاتها".

ميدانياً، انخفضت أمس الاثنين وتيرة القصف الجوي من قبل الطيران الروسي ومقاتلات النظام الحربية والمروحية في الشمال الغربي من سورية بسبب الأحوال الجوية. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الطائرات الحربية الروسية استهدفت الاثنين بغارات عدة أماكن في محور كبانة بجبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي، والذي استعصى على قوات النظام التي تحاول منذ أشهر اقتحامه دون جدوى، حيث تحولت تلة الكبانة إلى ثقب أسود ابتلع المئات من قوات النظام منذ أواخر إبريل/نيسان الماضي. وكانت الفصائل المقاتلة في هذا المحور تصدت أول من أمس الأحد لمحاولة اقتحام جديدة، وكبدت النظام خسائر في أرواح عناصره. وأمس، قصفت قوات النظام مناطق في كفرسجنة حيش وتحتايا والتح بريف إدلب الجنوبي، وجزرايا جنوب حلب وكفرناها بريف حلب الغربي. وفيما حافظ الشمال الشرقي من سورية على هدوئه، حيث لم يشهد منذ أيام اشتباكات بين الجيش الوطني السوري التابع للمعارضة وبين "قوات سورية الديمقراطية"(قسد) نتيجة التفاهمات التركية - الروسية، إلا أن ريف حلب الشمالي شهد تصعيداً أمس. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن اشتباكات عنيفة دارت بعد منتصف ليل الأحد – الاثنين، بين الفصائل الموالية لتركيا من جهة، والوحدات الكردية من جهة أخرى، على محور كفرخاشر بريف حلب الشمالي، ترافقت مع استهدافات متبادلة. وأكد المرصد مقتل ثلاثة عناصر من المليشيات الكردية في تلك الاشتباكات، جثتا اثنين منهم لا تزال محتجزة لدى الفصائل، كما تسببت الاشتباكات بسقوط جرحى من الطرفين، مشيراً الى أن القوات التركية قصفت بعد منتصف ليل الأحد - الإثنين أماكن في قريتي أم حوش وحربل الخاضعتين لسيطرة المسلحين الأكراد الكردية بريف حلب الشمالي.

إلى ذلك، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس في كلمة له أمام وزراء الشؤون الاجتماعية بمنظمة التعاون الإسلامي، أن بلاده بدأت العمل لإسكان مليون سوري في منطقتي تل أبيض ورأس العين في الشمال الشرقي من سورية، والتي سيطر عليهما الجيش التركي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

 

 

المساهمون